ترا الرياضة ابتلت بناس فأخرجوها عن غاياتها، وأفرغوها من روحها، حتى صارت ما تسوى علينا هذه الرياضة، لأن لا إن فزت خلوك بعض الناس تفرح، ولا إن انهزمت خلوك تنام، وبعض المباريات المحورية تشتعل ساحاتها من جهاتها الأربع قبل أسبوع لتجيش الجيوش من الذباب الإلكتروني، واللاعبين عن بُعد، والمتعصبين من الجماهير والغوغاء ليشيعوا ذاك الحال المكهرب، وأجواء المشاحنات، خالقين مستنقعاً من السب والقذف والتجني والكذب والتنابز بالألقاب التي هي بعيدة عن الألقاب الرياضية، ودروع وكؤوس التتويج، حتى حدا ببعض المشجعين أن أقسم يميناً بالثلاثة أن يمشي حافياً أو ماشياً إلى مدينة العين إن فاز نادي العين في المباراة، والآن لا أدري أين أراضيه! وهل وصل وإلا بعده يكدّ هالطريق البعيد! لكن مسخرة المساخر وأهزلها أن يتصل متشجع هو أقرب إلى الجهالة، والشجاعة التي في غير وقتها، ولا أقول مشجع، لأن التعصب بلغ به مبلغه، وجهل فوق جهل الجاهلينا حين رمى على زوجته أم أولاده الطلاق على علن ومسمع النظّارة، إن فاز نادي العين على ناديه، ولا أعرف ما دخل زوجته الكريمة وأولاده في سير هذه المباراة التي ربما لا تعرف عنها الزوجة شيئاً، تماماً مثل جهلها التام بأسباب ودواعي طلاقها، وجعل حياتها عرضة لتلاعب أقدام اللاعبين على المستطيل الأخضر.
يعني في أوروبا يشجعون ويتعصبون، وقد يحدث بعض المتفرجين فوضى في الشارع، لكن في سبيل تنافسية رياضية، وبين الأفراد وحدهم، نحن العرب ندخل البلدان، وندخل الثارات القديمة، والحدود الجغرافية المتنازع عليها، والتي تحكمها قوانين دولية غير القوانين الكروية، ويمكن أن نتفاخر بمعارك حدثت في العقد الأخير من أيام الجاهلية الأولى. في أوروبا بلد المراهنات، والمشارطات والتحدي الرياضي، لكنَّ لها ملعباً آخر موازياً للملعب الكروي، وفي الآخر هناك مراهنات بين الأصدقاء من باب التحدي والمزاح على عشاء، أو على كؤوس مما يحتسون، وانتهت القضية هنا في ذاك المطعم أو المشرب، عندنا نحن العرب كل شيء يتحول إلى معركة، لها تداعياتها التي لا تنتهي، ولها إرهاصاتها قبل أن تبتدئ!
يا أخي لِمَ أبغض الحلال يحضر في الملاعب الرياضية العربية، هل يعني منتهى الشجاعة أم أنها «الرهوة على المربوطة» كما نقول في مثلنا الدارج، إذا كانت فيك شدّة، راهن على سيارتك واترك زوجتك، راهن على مبلغ من المال زاد عن حاجة أهلك، وإن كانوا أولى، راهن على توفير تذاكر مباريات كأس العالم مجاناً للآخرين، أما الأمور الإنسانية مثل الطلاق، وتشرد أسرة وتفككها، فهي ثقيلة على العباد، حتى لو لم يعرفوك أو لا تهمهم مشكلاتك، لكنها تمس أشياء في نفوسهم، لأنها من القضايا الإنسانية، يا أخي المبتلية بك الرياضة، راهن على بيتك، لكن لا تراهن على خراب بيتك!
لا أدري لِمَ الأشياء عندنا تلوث بعقليات بعض الناس، وخاصة الرياضة وكرة القدم بالذات! ويجعلونك إما أن تترك الملاعب مبكراً، أو تعف عن مبارياتنا العربية، وتكتفي بجماليات الدوريات والبطولات الأوروبية أو المنافسات الدولية، لأنها فيها احترام للروح الرياضية، ولا فيها طلاق، ولا حلفان يمين غموس، ولا إطلاق نار عند بيت الخصم، ولا عقر عشر قعدان عند باب النادي الرياضي الثقافي!