تكتسي استطلاعات الرأي في العالم، وبالأخص في الولايات المتحدة الأميركية، أهميةً بالغةً من أجل قياس ورصد الرأي العام حول الأداء الحكومي أو أي حراك سياسي أو اقتصادي أو قرار إصلاحي أو الإقدام على عمل عسكري أو غيره. وتتجاوز هذه الاستطلاعات أحياناً الرأي العام المحلي إلى المشاركة باستطلاعات رأي عالمية في حال كانت الخطوة المطروحة خارج حدود الولايات المتحدة نفسها.
أهم استطلاعات الرأي التي أجرتها الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة هي تلك المتعلقة بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والدعم الأميركي اللامحدود لكييف، وآخر استطلاع في هذا الصدد أجراه معهد شيكاغو للشؤون الدولية يُظهِر تراجعاً كبيراً في التأييد الشعبي الأميركي لذلك الدعم العسكري المقدم لأوكرانيا. يأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية استطلاع أجراه مركز بيو الأميركي في الفترة من شهري يونيو ويوليو 2023 يوضح أن 16% من الأميركيين فقط يثقون في الحكومة الفيدرالية، وهو أدنى مستوى منذ 70 عاماً، واتفق 10% فقط من المستطلعين على أن سياسة بلادهم تبعث على الأمل مستقبلاً. وفي شهر أغسطس الماضي أجرت صحيفة «وول ستريت جورنال» استطلاعاً اتفق 93% من المستطلعين، وكلهم من الناخبين «الجمهوريين» المحتملين في الانتخابات التمهيدية، على أن الولايات المتحدة تسير في «الاتجاه الخاطئ»، وكانت هذه النتيجة صادمة جداً!
وفي إطار الشرق الأوسط أظهرت استطلاعات الرأي الشعبية الأميركية المتعلقة بالأحداث الأخيرة في غزة، والتي تركت أصداء عالمية كبيرة وما تزال، تزايداً في الانقسامات داخل هذا الرأي حول موقف إدارة بايدن من الحرب، بل أبانت عن انقسامات داخل البيت الأبيض نفسه حول السياسات الأميركية تجاه هذه الحرب. وقد أوضحت استطلاعات مؤسسة «ماريست» وشبكة PBS أن عدد الأميركيين الداعمين لإسرائيل أكثر من عدد الذين يدعمون الفلسطينيين، فيما أشار استطلاع أجرته شبكة NBC الأميركية إلى أن 47% من الأميركيين يؤيدون إسرائيل في حربها ويرون أن مقتل واختطاف إسرائيليين في 7 أكتوبر الماضي هو سبب رئيسي ومبرر للحرب. وتحرص الحكومة الأميركية على متابعة استطلاعات الرأي الشعبية، وبالأخص حول مسألة الشرق الأوسط، لأن هذه الاستطلاعات تعطي مؤشراتٍ مبكرةً حول توجهات الرأي الأميركي، والذي أظهر مؤخراً انخفاضاً كبيراً في الدعم لبايدن بين أوساط الناخبين العرب الأميركيين والمسلمين. وبالتالي فإن إدارة بايدن تواجه الآن وضعاً متوتراً نتيجة الدعم المطلق لإسرائيل، والمسؤولية الأخلاقية بسبب سقوط آلاف المدنيين ضحايا مقابل تحقيق مصالح سياسية في خضم السباق الانتخابي الرئاسي لعام 2024. ولهذا السبب نشهد اليوم تحولاً كبيراً في تصريحات بايدن من خطابات مؤيدة بشدة وداعمة لمجمل أعمال إسرائيل العسكرية، إلى خطابات تتحدث عن المساعدات الإنسانية وعن هدنة مؤقتة تسمح بإطلاق سراح الرهائن وتوجيه تحذيرات لإسرائيل بمراعاة حياة المدنيين.. وهنا تكمن أهمية استطلاعات الرأي ومؤشراتها.
وتعمد بعض الدول في الشرق الأوسط، وبالأخص في منطقة الخليج، إلى نشر استطلاعات الرأي لقراءة وقياس الأداء الحكومي، ومدى الرضا الشعبي عن الخدمات المقدمة، كما تعتمد على هذه الاستطلاعات لمعرفة مدى التقبل الشعبي لأي إجراء حكومي أو خطوة قادمة لإحداث تغيير إيجابي قد يقبله البعض وقد يرفضه البعض الآخر.. وهي في الواقع طريقة حضارية ترفع الوعي الشعبي والأداء الحكومي على حد سواء.

*كاتبة سعودية