يُعد الهيدروجين أحد أكثر مصادر الطاقة المستقبلية جدلاً وتحدياً في عصرنا الحالي، إذ يُثير اهتمام كثيرين يرونه الحل الأمثل للتغلب على التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية، وتلبية احتياجات الطاقة في المستقبل، وتحقيق الاستدامة البيئية، والوصول إلى الحياد المناخي، في حين يعتقد آخرون أن استخدام الهيدروجين وقوداً واعداً يعتمد على عوامل خيالية تفتقر إلى الواقعية، وذلك على الرغم من إطلاق أكثر من 40 استراتيجية وطنية خاصة به على مستوى العالم. 
وتتجلَّى أبرز خصائص الهيدروجين في قدرته على إنتاج طاقة نظيفة خالية من الانبعاثات، أو منخفضة الانبعاثات بحسب نوع الهيدروجين المستخدم، وطريقة إنتاجه. وبفضل هذه الخصائص يُعد الهيدروجين حلاً مثاليّاً للتحول السريع إلى مستقبل طاقة نظيف ومستدام، ولذا سُمي «وقود المستقبل». 

وعلى الرغم من ذلك كله، فإن هناك تحديات كبيرة يجب أخذها في الحسبان تواجه استخدام الهيدروجين بصفته مصدراً رئيساً للطاقة، منها، أن عملية إنتاجه تتطلَّب طاقة كبيرة تولّد هي أيضاً انبعاثات كثيفة، ما دفع بعض الدول إلى صرف النظر عن أنواع محددة من الهيدروجين، ومنها، أن تخزينه ونقله يتطلبان تقنيات متطورة وتكلفة عالية، في حين تمثل التحديات التقنية والتكنولوجية والاقتصادية أبرز عوائق تبني هذا الوقود على نطاق واسع. 
وقد أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة، في عام 2021، خريطة طريق تحقيق الريادة في مجال الهيدروجين، وهي خطة وطنية شاملة تُعد الأولى من نوعها في المنطقة، وتهدف إلى دعم الصناعات المحلية المنخفضة الكربون، والإسهام في تحقيق الحياد المناخي، وتعزيز مكانة الدولة بصفتها مصدراً للهيدروجين. وفي عام 2023 أطلقت دولة الإمارات الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين، الرامية إلى ترسيخ موقع الدولة بصفتها منتجاً ومصدِّراً للهيدروجين المنخفض الانبعاثات في الأعوام الثمانية المقبلة، وتحويلها مركزاً عالميّاً في هذا المجال بحلول عام 2031، فضلاً عن تحقيق مستهدفات رؤية (نحن الإمارات2031). 

وحددت دولة الإمارات عشرة ممكنات رئيسة في الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين، من أهمها التعاون الدولي لبناء شراكات دولية تخلق فرصاً استثمارية في مجال اقتصاد الهيدروجين، وتأهيل البنية التحتية اللازمة لربط الإنتاج بالطلب، وتسريع توافر الهيدروجين واستخدامه بهدف التغلب على التحديات الحالية والمستقبلية، استناداً إلى أن اقتصاد الهيدروجين سيؤدي دوراً مهماً في تخفيف الانبعاثات الصادرة عن بعض القطاعات الحيوية، ولا سيما قطاعات الصناعة والنقل البري والبحري والجوي، وغيرها. 

وعلى الصعيد العالمي، تُبذَل جهود كبيرة لتطوير تكنولوجيا الهيدروجين، وتعزيز استخدامه في مختلف القطاعات، بدءاً من السيارات إلى الصناعات الثقيلة، وبفضل تواصل التطورات ذات الصلة بالتقنيات والتكنولوجيا المتقدمة قد تسهم الحلول المبتكرة في التغلب على التحديات الحالية والمستقبلية لإنتاج الهيدروجين، وتؤدي إلى تعزيز القدرات المحلية في هذا المجال، وتسريع الاقتصاد الهيدروجيني العالمي. 

وأياً يكن الأمر، يظل الهيدروجين جزءاً كبيراً في ضمان مستقبل الطاقة، وتحقيق أهداف الحياد المناخي، والتنمية المستدامة. وبينما يظل الخيال يلعب دوراً مهماً في رسم المستقبل، فإن الواقعية والتطبيق هما ما سيحددان مدى نجاح تبني الهيدروجين بصفته حلّاً مستداماً وفعَّالاً لتلبية بعض احتياجات العالم من الطاقة النظيفة. 

*مديرة إدارة طاقة المستقبل في وزارة الطاقة والبنية التحتية