عربياً قد يكون لـ «حق النسيان» على الإنترنت فوائد عدة، حيث يعالج مشاكل لم تزل تستعصي على أهل القانون وغيرهم، ويمكن له أن يسهم في تسوية ماض شخصي «مظلم»، ولكن هناك اعتبارات تقنية وإجرائية وحتى أخلاقية، تعتري تطبيقه داخل الاتحاد الأوروبي، المنطقة الأولى في العالم التي يقر فيها هذا الحق، فما بالنا إذا ما أقر هذا الحق يوماً ما في دول أقل نمواً مثل دولنا!. ومن هنا لا بد من توافر معايير واضحة لتأدية أي «غرض نبيل» له. ومن تلك المعايير: 1-منع وتجريم الحق بنسيان أي روابط أو معلومات تتصل بصورة أو أخرى بالمصلحة العامة، أو الثقافة الإنسانية. إن إحدى مصاعب تطبيق هذا الحق تكمن في صعوبة التمييز أحياناً بين المصلحة العامة والخصوصية الفردية (أو المصلحة الخاصة) حتى في دول متقدمة ثقافياً وتشريعياً ومدنياً (وأخلاقياً!)، فما بالنا بمجتمعات تنعدم فيها هذه المعايير مثل مجتمعات العالم الثالث والرابع- وضمناً العالم العربي، حيث تدخل الواسطة والتبعية والولاء أحياناً كثيرة معياراً أول وتكون النتيجة تشويهاً وإلغاء لصفحات كثيرة من التاريخ والحاضر. 2-التوسع في حق النسيان يتطلب مرجعية ومعايير عالمية: إذا كان محرك بحث واحد هو جوجل، يقول إنه تلقى منذ مايو حتى 18 يوليو الماضي أكثر من 91 ألف طلب لإلغاء ما مجموعه 328 ألف رابط على الإنترنت بموجب قانون «الحق في النسيان» في الاتحاد الأوروبي، فلنا أن نتصور مثلاً مقدار عدد الطلبات التي ستُقدم لمختلف محركات البحث وفي مختلف قارات ومناطق العالم إذا أقر فيها حق النسيان. فعلى أساس عدد سكان العالم مقارنة بعدد سكان الاتحاد الأوروبي، قد يصل الرقم إلى ملايين الطلبات سنوياً، التي لا تخلو من إشكالات قانونية بين الدول- كأن يطلب مواطن من الصين مثلاً حذف رابط لمعلومات تتعلق به من محرك بحث في أميركا مثلا - مما يتطلب تشكيل هيئة عالمية تتولى الإشراف على التنفيذ، أو النظر في قضايا خلافية أو تظلمات، ليس من قبل أصحاب الطلبات فقط، بل من قبل خصوم لهم وربما محركات البحث نفسها. 3-إذا كانت المخاوف كثيرة من حق النسيان على حق المعرفة في دول ديمقراطية مثل الاتحاد الأوروبي، فما بالنا إذا تم اعتماده في دول أقل أو منعدمة الديمقراطية مثل أكثر دولنا!. من هنا ضرورة اعتماد هذا الحق في أضيق الحدود. 4-ثمة إشكالية كبرى يثيرها الجدل القائم حالياً حول إمكانية شمول حق النسيان مواقع حكومية- مثل أحكام بالسجن أو الديون أو السرقات، أو حذف تاريخ بعض المجرمين والفاسدين على مستويات مختلفة. وهنا يبرز القلق الأكبر، لأن أي إمكانية لذلك تهدد ليس فقط حق المعرفة والوصول إلى المعلومات بل منظومة الأخلاق والقيم الأساسية في المجتمع الإنساني كله. وعندها لا يجب التردد أبداً: نعم مطلقة لحق المعرفة ولا مطلقاً لحق النسيان.