الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

من المسؤول عـن «سفن الموت» والفوضى

من المسؤول عـن «سفن الموت» والفوضى
14 ابريل 2019 00:32

يسرى عادل (أبوظبي)

عندما تحرك الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، باتجاه طرابلس كان الهدف المعلن الأول والأخير القضاء على عصابات «داعش» و«القاعدة» وجميع التنظيمات الإرهابية الخارجة المرتبطة بـ«الإخوان» وبمن يدعمها لاسيما قطر وأيضا تركيا التي أحبط الجيش عمليات تهريبها الأسلحة والذخائر إلى ليبيا، وتمكن من ضبط شحنتي أسلحة ضخمتين وذخائر في ميناء الخمس خلال الأشهر الماضية.
الأسلحة التركية تتدفق إلى ليبيا من دون رادع رغم قرار الحظر الدولي. وفي كل مرة تعد السلطات التركية بالتحقيق لكن لا تخرج الأمور عن الوعود بدون أي نتائج. وفي وسط الفوضى المتعمدة تجتاح الجمعيات والفصائل المتطرفة الأرض الليبية مدعومة من تمويل واحد مصدره قطر.

أوضح الجيش الليبي أن عدد الذخائر المضبوطة في الشحنتين بميناء الخمس، بلغ 4.2 مليون رصاصة بما يكفي لقتل قرابة 80% من الشعب الليبي، إضافة إلى آلاف المسدسات والبنادق ولوازمها، بما فيها تلك القابلة إلى التحوير بكواتم صوت لتنفيذ عمليات الاغتيالات، مؤكداً أنه يمتلك الأدلة والإثباتات التي تؤكد تورط تركيا ودول أخرى في إسناد «الإرهابيين» في ليبيا، ودعمهم في محاربة الجيش الوطني الليبي.
وطالبت القيادة العامة للجيش الليبي، مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة وبعثتها في ليبيا بإدانة تركيا وفتح تحقيق فوري واتخاذ موقف جدي حيال ارتكابها لجريمة إرهابية بخرقها لقرارات مجلس الأمن بشأن ليبيا، خاصة المعنية بـ«حظر تمويل الأشخاص كافة والمنظمات الإرهابية»، والملزمة لجميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة.
كما دعت القيادة العامة للجيش الليبي، مجلس الأمن وعبر لجنة العقوبات بوضع يدها على شحنات الأسلحة والذخائر المضبوطة بشكل عاجل، وفتح تحقيق دولي بهذا الشأن.

دعم الإرهاب في ليبيا
والحقيقة أن هذه الواقعة، ليست الأولى، فحسب الكثير من المصادر الصحفية، فإن السفينة التركية الأخيرة التي ضبطت في ميناء الخمس هي الثانية خلال أقل من عام، بعد ضبط اليونان لما عرفت بـ«سفينة الموت» التي كانت متجهة إلى ليبيا بحوالي 500 طن من المتفجرات، لتكون السفينة التي كشفت أخيراً، هي «سفينة الموت الثانية» من هدايا القتل التركية، إلى هذا البلد العربي الغارق في الصراعات المسلحة،
ناهيك عن عرض الجيش الليبي مؤخراً صوراً لإرهابيين قاتلوا في ليبيا وهم يتلقون العلاج في مستشفيات تركية «فخمة».
وقد أعربت الأمم المتحدة بالفعل عن قلقها، إزاء السياسة التركية الداعمة للإرهاب في ليبيا، إذ عبرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في تغريدة عبر «تويتر»: عن قلقها إزاء «التقارير الواردة عن شحنة كبيرة من الأسلحة وصلت إلى الشواطئ الليبية مثيرة للقلق. ليبيا بحاجة إلى الاستقرار والسلام، وليس للمزيد من الأسلحة»، مذكرة بأن قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بحظر استيراد وتصدير الأسلحة واضح وصريح.

الأهداف الخفية التركية
وفي هذا الإطار، أكد الشيخ عادل الفايدي، من لجنة التواصل الاجتماعي الليبية المصرية، لـ «الاتحاد» أن وجود أسلحة صغيرة على السفينة التركية التي احتجزت مؤخراً في ليبيا، هو أمر خطير أكثر من نقل الأسلحة المتوسطة، وأنه كلما صغر حجم السلاح، سهل إخفاؤه وازدادت خطورته ويصعب جمعه، وهذا سيدخل ليبيا في دوامة إذا ما تفاقم الوضع عما هو عليه. وحول الأهداف التي تريد أنقرة تحقيقها من دعمها للإرهاب في ليبيا، قال إن ليبيا هي بوابة أفريقيا التي تهدد الساحل الأوروبي بالهجرة غير الشرعية، وبالتالي هي ورقة على الاتحاد الأوروبي تمكنه من ابتزازهم، مشيراً في هذا الصدد إلى أن فشل تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من بين الأسباب الرئيسة وراء السياسة التي تنتهجها الإدارة التركية في ليبيا، فهي تحاول أن توجد منطقة نفوذ يمكنها من صفقة سياسية، تضمن لها الاندماج في الفضاء الأوروبي، ولم تجد من سبيل سوى إحياء تاريخها العثماني الفاشل الذي أدى إلى تأخير الأمة العربية عن ركب الحضارة والتطور.
وأضاف أن تركيا لم تستفد من إخفاقاتها التاريخية، وانتهجت سبلاً خاطئة أدت إلى نفور الشعوب العربية منها بسبب تحالفها مع تيار الإخوان الذي بات مصنفاً ضمن التيارات الإرهابية بالمنطقة ولدى الدول الفاعلة بالشرق الأوسط، إلا أنها ما زالت مصرة على دعم هذا التيار، وتحاول الاستفادة من الصراعات التي تعيشها بعض البلدان العربية مثل سوريا وليبيا، وتسعى لتمكين هؤلاء الإرهابيين من مفاصل السلطة في تلك البلدان بدعمهم بالسلاح وإيواء الهاربين من بلدانهم وحتى الملاحقين دولياً.
ورأى المسؤول الليبي أن تركيا كانت ضمن أكبر الدول المستفيدة اقتصادياً من ليبيا خلال حكم القذافي، فهناك شركات تعمل بعقود كبيرة جداً بالمليارات، فلم تكتفِ بذلك فقد غلب طموحها الحقيقي، وهو تمكين التيارات المتأسلمة طمعاً في النفوذ.
وأضاف الشيخ الفايدي أن ما تشهده تركيا من أزمة داخلية، يعطي مؤشرات واضحة لعدم رضى الشارع التركي على سياسات بلاده، وإنْ كان النظام الحاكم حالياً في أنقرة قادر على بسط نفــوذه والسيطرة على الشارع، إلا إنه سيفقده عاجلاً أو آجلاً.

بيئة خصبة لتحقيق الأحلام
من جهته، اعتبر الدكتور محمد علي الزبيدي، أستاذ ورئيس قسم القانون العام، رئيس اللجنة القانونية بالمجلس الأعلى للقبائل الليبية، عضو الهيئة العربية لخبراء القانون الدولي، أن تركيا نصبت نفسها وصية على النظام الإقليمي العربي من خلالها احتضانها جماعات الإسلام السياسي التي تسعى من خلالها لإعادة بناء الامبراطورية العثمانية، وأشار إلى أن تركيا رأت في ليبيا البيئة الخصبة والمكان الملائم لتحقيق هذه الغاية عبر تحويلها إلى ملجأ لجماعات الإرهاب والعنف والجريمة المنظمة، وميدان تدريب للقتلة وحملة السلاح، وتحويل إراداتها الريعية إلى خزينة لتمويل النشاطات الإرهابية في الدول العربية، بل وجعلها منطلقاً لتقويض أنظمة الحكم في الدولتين العربيتين المركزيتين مصر والجزائر، ومن خلال أداتها جماعة الإخوان الإرهابية، وأضاف أن أنقرة عملت على زرع فكرة التغيير بالعنف في عقول الشباب، ووضعت السلاح في أيديهم، وسخرت لخدمة هذه الأجندة من يسمون برجال الدين.
وأضاف أنه على الرغم من قرارات مجلس الأمن استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، خاصة القرارين 1970 و1973، والتي تقضي بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا، فإن تدفقات الأسلحة القادمة من تركيا ظلت مستمرة على مدار السنوات السبع الماضية، موضحاً أن آخر هذه المضبوطات السفينة التركية التي رصد على متنها 40 ألف طن من المواد المتفجرة والمحتجزة الآن في اليونان، وكانت في طريقها إلى ليبيا قادمة من تركيا، والسفينة التركية التي ضبطت في ميناء الخمس محملة بأسلحة ومسدسات كاتمة للصوت وعبوات ناسفة، فضلاً عن العثور في ميناء مصراتة على 556 كرتونة، بكل واحدة منها 36 مسدساً قادمة من تركيا، ناهيك عما تم إرساله إلى الجماعات الإرهابية عبر المنافذ البرية والبحرية دون أن تتمكن الأجهزة المختصة من ضبطها.

التغلغل بالتعاون مع «الإخوان»
ولفت المسؤول الليبي إلى تفاصيل عملية ضبط خلية حماس التي تعمل بطرابلس، وتم الكشف عن حجم التعاون بين حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان الإرهابية، وحركة حماس والمخابرات التركية عبر تهريب السلاح وإفشاء أسرار حساسة، ما زالت الأجهزة القضائية والأمنية تتبع خيوطها، مؤكداً أن تركيا لم تكتفِ بالتعاون مع مرشد الإخوان في ليبيا، بل عملت على التغلغل في مؤسسات الدولة الليبية كوزارة الداخلية والخارجية والعدل ومنظمات المجتمع المدني، وما يسَر لتركيا مهامها في ليبيا، سيطرة الميليشيات المؤدلجة على مفاصل الدولة، خاصة تلك المدعومة من قطر كالجماعة الليبية المقاتلة وأنصار الشريعة، وجماعة الإخوان الإرهابية.
وكشف الدكتور الزبيدي عن أن الحكومة التركية تسعى لحل المختنقات الداخلية، وفي مقدمها الأزمة الاقتصادية، من خلال استغلال حالة الفوضى في ليبيا بضخ مليارات الدولارات للخزينة التركية لنجدة الاقتصاد التركي الذي يحتضر، إذ ثبت في مرات عدة أن هناك مئات الاعتمادات التي تم فتحها بحجة استيراد مواد غدائية واستهلاكية من تركيا لمصلحة شركات يملكها عناصر من الإخوان في ليبيا، لم تكن سوى غطاء قانوني لتهريب الأموال إلى تركيا، كما تم ضبط عشرات الحاويات القادمة من تركيا على أنها محملة بمواد غدائية ليتبين أنها مليئة بمخلفات مواد بناء وغيرها، فيما أصبح يعرف بفضيحة «دواعش المال العام»؟ مؤكداً أن عناصر إخوانية تسيطر على بنك ليبيا المركزي، ساعدت في ذلك.

تبييض أموال
ولم تكتفِ تركيا بهذا الأسلوب فحسب، بل شجعت قيادات الإسلام السياسي و«دواعش المال العام» على تبييض الأموال الليبية المنهوبة، من خلال تسهيل فتح الحسابات البنكية، والحصول على الجنسية التركية، من خلال الاستثمار، ليتم عبر ذلك تحويل عشرات المليارات للبنوك التركية، الأمر الذي ساعد على الحد من انهيار الليرة التركية، معتبراً أن الوضع الليبي يمثل البيئة الخصبة والمناخ المثالي لتغلغل جماعات الإرهاب والجريمة المنظمة التي تمثل لها الدول الفاشلة الحاضنة المثالية لنموها وتمددها، وهو الأمر الضروري من أجل زعزعة الأمن في بقية الدول العربية، وذلك بتحويل ليبيا إلى نقطة ارتكاز ومنطلق لإسقاط مصر والجزائر، دول الزعامات الإقليمية، فمصر هي الزعيم الإقليمي للنظام العربي، والجزائر الزعيم الإقليمي الفرعي للنظام الإقليمي العربي، ولذلك تعمل تركيا على جلب المقاتلين إلى ليبيا من سوريا، سواء ذوي الأصول العربية أو الوافدين من الشيشان والإيجور وأفغانستان.
وأضاف الزبيدي أنه بالنظر لاستحواذ فكرة إحياء الامبراطورية العثمانية على الحكومة التركية، فإنها وجدت من قيادات الإسلام السياسي العون والنصير لبلوغ غاياتها وتحقيق مآربها، خاصة أن هؤلاء لا يؤمنون بالدولة ولا بمفهوم المواطنة، ولا يقدسون حدود الدولة ولا يحترمون سيادتها! وبذلك جنت تركيا العديد من المكاسب في هذا الاتجاه كدولة ضامنة وشريك فاعل بجانب إيران مع الإرهابيين.
تركيا والقوة الخشنة
أما محمد عبدالقادر خليل، خبير الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات، فأكد لـ«الاتحاد» أن هناك سعياً تركيا للوجود في مناطق الصراعات الرئيسة في منطقة الشرق الأوسط، ليس عبر الأدوات الناعمة الدبلوماسية والإعلام وغيرها، ولكن من خلال الأدوات الخشنة، مثل السلاح والقواعد العسكرية ودعم الجماعات المتناحرة، ومن خلال دعم الجماعات ذات الخلفية الإسلامية أو الجماعات الراديكالية التي تنسجم مع هوية حزب العدالة الحاكم في تركيا.
وأشار خليل إلى أن ليبيا بالنسبة لتركيا تحظى بأهمية خاصة، ربما يوضحها توالي شحنات الأسلحة التي كشف عن توجهها من تركيا جماعات راديكالية في ليبيا، معتبراً أن تركيا تسعى لاقتناص استثمارات ضخمة في مرحلة ما بعد تسوية الصراعات هناك، كما أنها تخشى من التراجعات والانكسارات العسكرية التي قد يتعرض لها حلفاؤها على الساحة الليبية بحكم التطورات المتزايدة في قدرات الجيش الوطني الليبي الذي طالما اتهم تركيا بدعم الإرهاب، وصادر العديد من شحنات الأسلحة التي كانت موجهة لدعم جماعات إرهابية ليبية.
وحول العلاقة بين تركيا والجماعات المتطرفة، أكد خليل أن هناك علاقات قوية أيديولوجية ونفعية مصلحية بين تركيا والجماعات المتشددة والإسلامية الراديكالية، ومنها جماعة الإخوان الإرهابية التي تدعم نفوذ تركيا، وتتبنى أجندتها السياسية في ليبيا، وتتلقى من أنقرة في الوقت نفسه دعماً سياسياً ومالياً غير محدود.
وقال إن تركيا تقدم الأسلحة للجماعات المتشددة المتحالفة معها في محاولة أخيرة لتبديل موازين القوى، وفي محاولة يائسة لتقليل نفوذ وتطلعات الدول العربية المعتدلة التي تدعم الجيش الوطني، وتتبنى رؤية لكل الليبيين من دون إرهابيين أو جماعات إرهابية ترفع السلاح وتتبنى أجندات خارجية تزرع الفتنة، وتثير التناحر والفرقة على أسس أيدلوجية ومناطقية مختلفة.
ورأى أن الأجندة التركية واحدة، فما تفعله في ليبيا وهو يكاد يكون استنساخاً لسياساتها في سوريا والعراق، وهي سياسة تشبه لحد بعيد السياسة الإيرانية القائمة على التدخل في شؤون الدول العربية لتحقيق المصالح الاقتصادية، وتوسيع نفوذ تركيا عبر دعمها الجماعات الراديكالية على مستويات مختلفة، بعضها تسليحي ومادي، وبعضها الآخر سياسي وإعلامي.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©