السبت 25 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

تبويب جديد لمكونات الفلسفة الصينية.. سداسية الكونفوشية

تبويب جديد لمكونات الفلسفة الصينية.. سداسية الكونفوشية
24 يناير 2019 02:25

د. خزعل الماجدي

حين قدّمنا التاوية في تبويب جديد، في مقالٍ لنا نشرناه في «الاتحاد الثقافي»، تلقينا الكثير من ردود الفعل الإيجابية التي كانت تُجمع على أن تبويبنا أوضح مكونات التاوية بطريقة سلسةٍ، وبمفردات يفهمها القارئ المعاصر. وقد شجعنا هذا على تقديم الفلسفة الكونفيوشيسية بالطريقة ذاتها، تلك التي تعتمد على الأخذ بالموضوعات الكبرى بالفلسفة ووضع ما يناسب من الفكر الصيني فيها، ويأتي هذا بسبب الطبيعة الشعرية والحكمية التي كانت تكتب بها الفلسفة الصينية خصوصاً وفلسفات الشرق عموماً.
الموضوعات الكبرى في الفلسفة الحديثة تشمل: الكوزمولوجيا (علم الكون)، الأنطولوجيا (علم الوجود)، الميتافيزيقيا (ماوراء الطبيعة)، الأبستمولوجيا (علم المعرفة)، الأكسيولوجيا (علم القيم)، الإنسانيات (العلوم الإنسانية). وهذه الحقول العامة هي ما استقرت عليه الفلسفة، وهي حقول من وجهة نظر الفلسفة وليست من وجهة نظر العلم الذي يختلف تماماً في تناوله لهذه الحقول.
في مقالنا هذا سنعيد كتابة الفلسفة الكونفيوشيسية بطريقة تتناسب مع التفكير الفلسفي الحديث، وسيجعل هذا الإجراء الأمر ميسّراً لفهم هذه الفلسفة، ولن يكون هذا، بطبيعة الحال، بديلاً عن قراءة النصوص الأصلية لها.

1. الكوسمولوجيا (علم الكون)
ظهر الكون بتفاصيله من عمليات ولادة متتالية فقد كان هناك الـ(وو تشي) أولاً والذي ظهر منه الـ(تاي تشي) ومن هذا ظهر الين واليانغ بشكلهما الثنائي، ثم ظهرا بشكلهما الثماني، حيث هناك (الثمانية كوا) ومن هذا الشكل الثماني ظهر الشكل المتكون من(64 كوا) وهذه الـ 64 وحدة هي أساس جميع ما في الكون من أشياء مختلفة.
كان (وو تشي) ساكناً ولانهائياً، أما (تاي تشي) فكان يضم الحركة والسكون وهو (التاو الذي صرح به لاوتسي بقوة) وكان يتضمن الين واليانغ والكون فيه محدود وله بداية ونهاية. وترى الكونفوشيوسية الجديدة أن (تاي تشي) هو الـ(داو Dao).
الاختلاف بين التاوية والكونفوشية هنا أن التاوية حددت ظهور الموجودات الأول والثاني والثالث ثم جاءت العناصر الخمسة والين واليانغ. أما الكونفوشية فقد اختصرت ذلك بمرحلة واحدة هي (تاي تشي) وقبلها بذرة الكون في (وو تشي).

2. الأنطولوجيا (علم الوجود)
الطبيعة: لا بد من الإشارة إلى الثالوث الطبيعي عند كونفوشيوس والمتكون من السماء (وهو المكان الأعلى والأهم) والأرض (الطبيعة) والبشر.
وهناك تفاعل سلس وواضح بين هذه العناصر الثلاثة فهي كل موحد مترابط يتفاعل مع بعضه، ويسود التكوين الخماسي كل من هذه العناصر الثلاثة فعناصر الطبيعة خمسة والمواسم والاتجاهات والألوان وحتى الفضائل وقد جاءت هذه الخماسية من مراحل سبقت لاوتسي وكونفوشيوس، وكان كتاب التغيرات دليلاً على وجودها في العقل الصيني منذ وقت مبكر قد يمتد إلى الألف الثالث قبل الميلاد.
الفكر الصيني والكونفوشية أقل اهتماماً بالماورائيات ونظريات الأصل ومفاهيم الإله الكوني أو الشخصي، وهو أكثر ميلاً إلى الطبيعة والتوالد الذاتي فيها، إنه أقرب إلى العلم، في ذلك، منه إلى الدين، وهو أقرب إلى النظرة الطبيعية منها إلى النظرة الميتافيزيقية أو إلى نظرة (وحدة الوجود) الهندية.
الكون والطبيعة، في الفكر الصيني عموماً، مترابط وفي حالةٍ من استمرار الوجود وتدفقه. ويمكن وصف مذهبه بما يعرف بـ(المذهب الحيوي الكلي Dynamic Vitalism) الذي يرى في الوجود وحدة حيّة وهي الـ(تشي Chi) التي تمثل القوة المادة للوجود والذي يظهر في ما يسمى بالعالم الكبير والعالم الصغير أن الكون الإنساني. وبين هذين تستمر عمليات التغير بعملية الإنتاج وإعادة الإنتاج (شنغ شنغ) التي تستخدمها النصوص الكونفوشية باستمرار لتوضيح إبداع الطبيعة.
إن هذا التصور، الخاص بحركة لا تنقطع في الطبيعة والكون، نشأ من التأمل العميق في خصوبة الطبيعة وعطائها المستمر لاولادات لا تنتهي، واستمرار شبكة الحياة بين النباتات والحيوانات والإنسان والطبيعة في نسق منتظم وعميق في جوهو.

3. الميتافيزيقيا (ما وراء الطبيعة)
كان الإرث الديني الصيني قبل كونفوشيوس مُثقلاً بمشهد الأرواح ويمكن اعتباره نوعاً من الديانة الأرواحية ذات الطابع السحري. وقد حاول كونفوشيوس، قدر الإمكان، تجنب الخوض في العالم الأرواحي في فلسفته، فقد كان أقرب إلى المعالجة الإنسانية العقلانية.
كان كونفوشيوس يصرح بأن على المفكر أو الفيلسوف تكريس جهده لخدمة الإنسانية وعليه احترام وتجنب عالم الأرواح وإذا بقي بعيداً عن ذلك فسيكون حكيماً.
يذكر كونفوشيوس، أحياناً، ولاية أو دولة السماء وهو يعني بها النظام الطبيعي أو الأخلاقي داخل الأشياء، وأنه يجب على الإنسان أن يعيش داخل هذا النظام، ويجب عليه أن يكون حريصاً على عدم انتهاك إرادة السماء. لكنه لم يذكر كائناً سماوياً مهماً في فلسفته، بل ركز على الإنسان الذي يجب عليه أن يحقق النموذج المثالي أو الإنسان المتعالي.
هذا يعني بصورة أو بأخرى، أنه أراد جعل الإنسان شبيهاً بالكائن السماوي (وليس بديلاً عنه أو موازياً له).. فهل كانت نظرته الميتافيزيقية تتجه نحو الإنسان النموذج وتتجنب الإله؟
يمكن القول نعم ويمكن القول لا. نعم لأنه جعل من الإنسان محور فلسفته وأن يكون متعالياً، ولا لأن هذا المتعالي ليس سماوياً بل نموذجياً يتحقق عن طريق التعليم والجهد الذاتي والتفكير الذاتي، وكان هدف الحياة أن يعيش الإنسان فيها بطريقة أخلاقية.
لكن الأمر لم يستمر هكذا في الكونفوشية بعد كونفوشيوس فقد أضافت العنصر اللاهوتي بشكل أكبر، ودخلت فيها الآلهة والأساطير وتحولت إلى دين.

4. الأبستمولوجيا (علم المعرفة)
يرى كونفوشيوس أننا يمكن أن نتعلم من خلال ثلاثة أمور هي:
1. التفكير وهو الطريق الأنبل
2. التقليد: وهو الطريق الأسهل
3. التجربة: وهو الطريق الأفضل
ويرى أن المعرفة تبدأ من معرفة مدى جهلنا، وعلى الإنسان أن يتأمل أكثر وينتج أفكاراً جديدة أفضل له وللعالم بأسره ويتم هذا من خلال دراسة الماضي، لأن العصر الذهبي للإنسان كان في الماضي. وبتعزيز الماضي وجعله مستودعاً للمعرفة أصبح المذهب الكونفوشي عرضةً للنقد والتحطيم من قبل من يتطلعون للمستقبل ويرون فيه العلم والمعرفة وقد سببت هذه النقطة ضعفاً شديداً للكونفوشية ومبرراً لمحاربتها والوقوف بوجهها، بل وحرق كتبها عند بعض الحكام والملوك في الصين، وآخرها النظام الشيوعي.
كان كونفوشيوس يرى أن جوهر المعرفة هو تطبيقها وليس معرفتها والتفكير بها فقط. ومن أجل امتلاكك المعرفة يجب عليك الاعتراف، أولاً، بجهلك.

5. الأكسيولوجيا (علم القيم)
يمكننا اعتبار فلسفة كونفوشيوس فلسفة قيم من الدرجة الأولى، فقد فكر في الإنسان ليس ككائن مستقل عن المجتمع أو متعلق بالميتافيزيقيا، ورأى أن الإنسان يجب أن يتماشى مع الأعراف طالما كانت الأعراف مقبولة لأنها عصب المجتمع.
كما نظر كونفوشيوس إلى الـ(تاو) بطريقة أقل عمقاً من لاوتسي من الناحية الفكرية، ولكنها ناضجة من الناحية الأخلاقية، فالتاو هو القانون الأخلاقي للفرد وهو قانون الدولة التي يجب أن ترعى الناس الذين تحكمهم.. فالتاو عند كونفوشيوس هو طريق العمل والمثل الأعلى للعدالة. وقد طالب تلامذته أن يرفضوا نموذج الولاء الإقطاعي القائم على ولاء العبد للسيد وأن يلتزموا بالولاء للتاو أي للنظام الأخلاقي الذي يجب أن يلتزم به العبد والسيد معاً.
الأخلاق الكونفوشية: هناك ثلاثة مبادئ أخلاقية في التعاليم الكونفوشية وهي:
1. لي Li: (الملائمة، الخشوع): وهي المقاييس النموذجية للسلوك ومن خلالها يجب على الإنسان أن يكون معياراً مثالياً للسلوك الديني والأخلاقي والإجتماعي.
2. جين Jen: (فضيلة الخير والإحسان): ويعبر عن هذا المبدأ باحترام الآخرين والاهتمام بهم ومساعدتهم والقاعدة في ذلك هي قول كونفوشيوس الشهير (لا تفعل مع غيرك ما لا ترضاه أن يفعلوه بك). وهذا هو هيكل التفاعل الاجتماعي والنظام الأخلاقي الذي يحدّ من الشرّ.
3. تشون – تزو Chun- Tzu: (الإنسان الحقيقي): وهو الإنسان الذي يعيش وفقاً لأعلى المعايير الأخلاقية الخمسة العليا وهي (احترام الذات، الكرم، الإخلاص، المثابرة، الخير) وتوصف علاقاته بالشكل الآتي (الإبن هو الولاء، الأب هو المسؤول، الزوج هو العادل والصديق والأمين والأليف).
ويرى كونفوشيوس أنه من أجل تحقيق هذه المبادئ الثلاثة فعلى الإنسان أن ينظر في داخله وفي أعماقه وليس من خلال الآلهة (كما تفعل الأديان).
الإنسان الأعلى: المقصود به الذي تحدث عنه كونفوشيوس (الإنسان النموذجي) الذي يتحلى بتلك القيم الأخلاقية فطرياً، ويعمل على بذل جهود لتعلمها وتطبيقها، فهو يرى أن الإنسان يتدفق مثل الماء نحو الأسفل، وهذا يعني أنه ذاهب إلى أعماقه، ولا بد من تطوير هذه الطبيعة الفطرية في الإنسان، وجعلها أفضل من خلال التعليم والتأمل الذاتي والانضباط، ودراسة الفنون والموسيقى والرياضيات وتعلم فنون القيادة والكتابة وغيرها.
كان يقول إذا كان الإنسان بطبيعته خيراً، فلماذا لا نطور هذه الطبيعة نحو إنسان أكثر رقياً وديمومة؟.

6. الإنسانيات Humanities
1. السياسة: ربط كونفوشيوس السياسة بالأخلاق، وكان يرى أن الانسجام الداخلي للأفراد يؤدي إلى انسجام الدولة ووحدتها وكمالها، وطالب الأفراد بالتدخل في شؤون الدولة.
الدولة هي التي تحقق السعادة للأفراد، فالأخلاق عنده شرط لازم وضروري لحكم الناس، وعلى الدولة أن تغرس الأخلاق في الأفراد. ويرى أن العالم يجب أن يحكم بثلاثة أمور هي: الأخلاق، السلطة، وحب التاريخ.
يرى أن الحكم هو تفويض من السماء التي اختارت الحاكم على أنه ابنها، والملوك يفوضون أمراء الإقطاع ليقوموا بدورهم. ويرى أن الحاكم هو قبة العالم وحلقة الاتصال أو الإنصال بين السماء والأرض. وأن إرادة السماء هي إرادة الشعب فإذا غضب الشعب منه غضبت السماء وأزالته. وألزم الرعية عدم إطاعة الحاكم وضرورة الخروج عليه إن هو أساء الحكم. ووضع شروطاً لأخلاق الحاكم وواجباته، فقد ألزمه بتطبيق القواعد الإلهية والأخلاقية في الحكم وأن يكون فاضلاً في أخلاقه وصدق عزيمته ونصحه بالابتعاد عن مجالس النساء.
لم يؤكد كونفوشيوس على القانون، بل أكد على الأخلاق، وشدد على أن تطبيق القوانين والعقوبات سيكون سيئاً على الناس ويسود الخداع والتمويه والأفضل من ذلك هو شيوع الأخلاق العامة. ووسيلة الحكم عنده هي القدوة الجيدة.
2. الاجتماع: المجتمع الذي يفضله كونفوشيوس هو المجتمع الطبقي الذي يميز بين النبلاء والعامة، فالنبلاء هم (الوزراء والإقطاعيون وكبار موظفي الدولة) والعامة هم (الفلاحون، الحرفيون، الخدم) ولا بد من التفريق بينهم ومعرفة حقوق وواجبات كلّ طبقة. وكان يرى أن أهلية أي فرد تكون في كفايته الأخلاقية وذكائه وعمله النافع واعتبر الملكية الفردية المعنى الأولى للعدل ودافع عنها ورفض أن تتكدس الثروة عند بعض الناس. ورأى أن الصين عاشت مجدها الذهبي الاجتماعي في ظل الأسر الثلاثة الأولى التي سبقت عصره، أو الأسرة التي كانت تحكم في عصره وأشاد بفضائلها. وتبنى كونفوشيوس فكرة اليوتوبيا الاجتماعية، لكنه تخلى عنها بسرعةٍ لأن مثل هذه المثالية لا توجد في الطبيعة ولا يمكن أن تظهر. شدد كونفوشيوس على وجود علاقة بين أسماء الأشخاص وحقيقة الأشياء، واعتبر ذلك توازناً له علاقة بتوازن المجتمع. ومن هذا المنطلق شدد أيضاً على وجوب دقة الكلام أثناء الحديث أو الكتابة، وضرورة أن يتحلى بذلك الحكام، وهو ما يسميه الباحثون نظرية (تقويم الأسماء).

من الصين إلى العالم
الكونفوشية أو الكونفشيوسية: هي مجموعة من المعتقدات والمبادئ في الفلسفة الصينية، طُورت عن طريق تعاليم كونفوشيوس وأتباعه، تتمحور في مجملها حول الأخلاق والآداب، طريقة إدارة الحكم والعلاقات الاجتماعية. أثرت الكونفشيوسية في منهج حياة الصينيين، وحددت لهم أنماط الحياة وسُلم القِيم الاجتماعية، كما وفرت المبادئ الأساسية التي قامت عليها النظريات والمؤسسات السياسية في الصين. انطلاقاً من الصين، انتشرت هذه المدرسة إلى كوريا، ثم إلى اليابان وفيتنام، أصبحت ركيزة ثابتة في ثقافة شعوب شرق آسيا. عندما تم إدخالها إلى المجتمعات الغربية، جلبت الكونفشيوسية انتباه العديد من الفلاسفة الغربيين.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©