الخميس 16 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

باية محيي الدين.. تشكيلات برّية برائحة الوجود

باية محيي الدين.. تشكيلات برّية برائحة الوجود
28 يناير 2019 02:07

غالية خوجة دبي (دبي)

الإبداع لا يعلّم لأنه منحة إلهية، لكنه قابل للتطور من خلال الثقافة والخبرة والتجريب، ليكون العالم أجمل. هذا الجمال عبّر عنه ألبير كامو: «إنه حبور للقلب والعين»، وذلك عندما شاهد المعرض الأول للفنانة باية محيي الدين، واسمها فاطمة حداد، في غاليري ماغ بفرنسا عام (1947)، وكان عمرها (16) سنة.
من هذا المعرض، انطلقت رحلة باية محيي الدين التشكيلية، التي سبقتها مرحلة تراب الأرض الذي كونت منه كائناتها الطينية الغرائبية، ثم اتجهت إلى الألوان، ولوحات السيراميك، لتدخل بعد معرضها الأول في تجربة فنية مع بيكاسو تدريباً وعملاً وتعاوناً، وتتألق أعمالها، إلى أن تكرمها الجزائر بإصدار طوابع بريدية.
ولدت هذه الفنانة الجزائرية القبائلية، في برج الكيفان عام (1931)، وتوفيت عام (1998)، تزوجت عام (1953) مطرب الفن الأندلسي محفوظ محيي الدين، وأنجبا (6) أولاد، ولانشغالها بعائلتها ابتعدت مسافة زمنية عن الرسم، إلا أن اتصالاً من محافظ متحف الجزائر الفرنسي أعادها إلى عالمها الفني، فأقامت العديد من المعارض منها في متحف الفنون الجميلة بالجزائر (1963)، ثم انطلقت أكثر بعد عام (1977)، وأقامت معارضها في عدة أمكنة ومدن بالجزائر، مثل (زو)، و(عنابة)، بينما عادت لتقديم معارضها في فرنسا بدءاً من (1963)، كما شاركت في عدة معارض جماعية في المغرب وأوروبا وكوبا واليابان.
أعجب بأعمالها العديد من الفنانين المساهمين في تأسيس الحداثة آنذاك، ومنهم (ماتيس، أندريه بريتون، جورج براك)، الذين قدروا ما تشكّله فطرتها من رؤى وإيحاءات، تعبّر بصدق عما يجول في أعماقها تجاه المرأة، والطبيعة، والحيوانات، والوطن، ونتيجة هذا التعامل البرّي مع الألوان والأفكار والدلالات، نلاحظ أن لوحاتها تتمتع بتداخلات سوريالية وطفولية وواقعية سحرية، تمزج المتخيل ببراءة اللحظة المرسومة، لعلها تستكشف رائحة الوجود وهي تعبر من سيرتها الأولى إلى عوالمها الماكثة في اللوحة، والتي، بلا شك، تتداخل مع حياتها أيضاً، كونها عاشت يتيمة الأبوين، وربما، لذلك، تركز في لوحاتها على أمها المفقودة التي ظلت تبحث عنها بين لون وخط وثوب وسماء وسؤال.أمّا أسرار جمالياتها، فتكمن في الكيفية التي تتعادل فيها ألوان الأرض والسماء والطبيعة والروح، تعادلاً متناغماً مع العناصر الرباعية للكون (الماء، النار، التراب، الهواء)، فتبدو خطوط تدرجاتها الترابية منسجمة بجاذبية مع خطوط تدرجاتها الزرقاء، وفي النقطة الفراغية التي تلتقي فيها هذه التدرجات، تنشأ لحظة اللون الأقرب إلى الروح وهو يتفتح مع مكونات الطبيعة من أشجار وفواكه وزركشات واضحة على الثياب، ومعان حكائية لقصص ترويها شخوصها المؤنثة وكأن الفنانة باية محيي الدين، ترسم لحظات لم تعشها مع أمها، لتظل سعيدة.
ومن زاوية فنية أخرى، نلاحظ ظهور الآلات الموسيقية في أعمالها مثل العود، لكن النغمات اللونية الموسيقية، تبدو أشد وضوحاً مع رسمها لأحلامها السوريالية، وكأنها ترى نفسها من خلال (أليس في بلاد العجائب) تارة، أو من خلال خرافة حياتية اختطتها لنفسها لترسم بطريقتها أعماق الحزن المضيء تارة أخرى، بينما تركّز تكويناتها على عناصر الكتلة المؤلفة من الشخوص والطبيعة في حالة اندغام كوني، كما في لوحتها (امرأة وثوب أصفر وسلة)، التي تبدو فيها المخيلة سماء من ماء، بينما تبدو اليدان أغصاناً وثماراً وتداخلات مع العناصر الأرضية والبحرية والكونية.
ولم تنس باية محيي الدين أن ترسم الفراشات والطيور والضوء والليل والآخر، معبّرة بإحساسها الطفولي عن علاقات محلقة كامنة وراء الوضوح، تفلسفها الفراغات الغامضة والخطوط المنسابة بفانتازية لونية، تشير إلى الرغبة في الطيران الدائم إلى عالم النحت والرسم والنجوم والبراري المنشدة مع مفردات الملامح والسنابل وأوراق الأشجار والبرتقال والورود والأسماك والطيور نشيداً لونياً للحياة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©