الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

البردوني بصيراً في "العويس الثقافية"

البردوني بصيراً في "العويس الثقافية"
7 سبتمبر 2018 00:18

عبير زيتون (دبي)

ماذا يمكن أن يُقال عن هذا الضرير الذي «ألِف العَمى، حتى أصبح يخاف الإبصار» واستحوذ بنفاذ بصيرته على كل ما هو جميل، وساحر في اللغة والشعر، وجعل من القصيدة التي يكتبها (كعبة) يحج إليها عشاق الجمال، وصرخة احتجاج في وجه ظلم الحياة.
برغم أن الحديث عن بحر إبداع الشاعر اليمني عبد الله البردوني الزاخر بالجواهر الشعرية، قد يبدو شاقاً، إلا أن مؤسسة «العويس الثقافية» تصدت لهذه المهمة المتشعبة، وعقدت مساء أمس الأول، أولى ندواتها الأدبية عن «البردوني الشاعر البصير» التي توزعت على محاور عدة، ناقشت بشكل بانورامي مكثف ورصين «جغرافية البردوني الأسلوبية والحداثية المميزة»، مروراً بطفولته الدرامية القاسية، وموقعه المتفرد بين أكفّاء العباقرة العرب، وانتهاء بالحس الفكاهي ولطائف قصيدته.
أغنى محاور الندوة النقاد والكتاب: د. همدان زيد دماج نائب مركز الدراسات والبحوث اليمني، فيصل دراج، د. علي جعفر العلاق، ود. شهاب غانم، وأدارها حسب المحاور كل من: الناقد والباحث د. عمر عبد العزيز مدير الدراسات والنشر بدائرة الثقافة بالشارقة، الكاتبة فتحية النمر، والشاعرة ساجدة الموسوي. وحضرها، السفير محمد صالح القطيش، القنصل اليمني العام في دبي والإمارات الشمالية، والكاتب عبد الحميد أحمد الأمين العام لمؤسسة سلطان العويس الثقافية، ولفيف من أعضاء المؤسسة والمهتمين بالشأن الثقافي.
رأى. د. همدان زيد دماج أن شعر البردوني اكتسب خصائص متعددة مستمدة أساساً من شخصيته المتفردة كإنسان شجاع متمرد على الواقع، وشاعر مرهف متألم ودارس عميق للتراث، ومفكر ثائر مناكف للظلم والظلام، الذي ذاق مراراته في طفولته القاسية، مع إصابته بالجدري الذي أطفأ الضوء في عينيه، إلا أنه لم يتمكن من إطفاء جذوة بصيرته التي كشفت ما احتجب عن غيره، مستشهدا بقول البردوني «إن الرؤية بمواطن القلب ومواهب العقل لهي اجتياز للموروث والمعتاد، فهذا العمى صديقي، وجعل الشعر أكثر التصاقاً بي».
فيما أكد فيصل خرتش أننا بمواجهة شاعر مجدد حطم العلاقات اللغوية التقليدية، وابتكر جملاً وصيغاً شعرية جديدة، وتحرر في استخدام المفردات والصور والتراكيب، ليعطينا شكلاً جديداً لها، يخترق المألوف ويتجاوزه بإيقاعاته وصوره ولغته، وقدرته المدهشة على مجاراة المبصرين، مشيراً إلى أن البردوني، برغم فقره وعذاباته، كان يصر على دفع كل ما يملك لناشري كتبه ودواوينه لكي تباع بسعر رخيص فتكون متاحة للجميع.
أما لماذا جنح البردوني في شعره صوب السخرية المريرة؟ فيجيب د. شهاب غانم في ورقته البحثية «الحس الفكاهي في شعر البردوني»: القصيدة البردونية كانت بحد ذاتها تقريراً نفسياً يفضح دخيلة الشاعر وإحساسه المرير تجاه الحياة التي يعيشها، وهي في الوقت نفسه صرخة احتجاج حادة تعبر عن معاناته على الصعد كافة. وهو يعترف بذلك قائلاً: «وكان حادث العمى مأتماً صاخباً في بيوت الأسرة، لأن ريفه يعتد بالرجل السليم من العاهات».
وتساءل د. علي جعفر العلاق في الورقة الأخيرة «لطائف القصيدة البردونية»: هل كان البردوني، يستجيب من دون وعي، أو بوعي مشوب بخدر سحري، لذلك النداء الغامض البعيد: اغترب تتجدد، وهو يكسر قشرة المكان اليمني، متجهاً إلى مركز طافح بالضوء والحيوية وقلق التحولات؟ مؤكدا أن المزاج «البردوني» يتأسس على الغضب والسخرية والتمرد والشك والعبث واللامعقول، وهي وليدة فيض من غنى اللغة، وخصوبة العقل التي تتأمل الواقع، وتنفعل به من خلال تصعيد لغوي غامر.
وفي ختام اليوم الأول وقع د. همدان زيد دماج كتابه «وجع السكوت».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©