الثلاثاء 7 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

حكايات «الطويان» الماء أساس الحياة وجالب الأزواج

حكايات «الطويان» الماء أساس الحياة وجالب الأزواج
10 ديسمبر 2018 00:53

لكبيرة التونسي (أبوظبي)

بباقة من الفعاليات التي بثت الحياة في شرايينها، تعود منطقة الحصن لتحرك ذكريات الكبار، وتثقف الصغار وتطلعهم على تراثهم الأصيل، تروي حكايات الأجداد للعالم من خلال زواره العطشى لملامسة مفرداته التراثية والارتواء بتفاصيل فن العيش الإماراتي.. دفق من الأنشطة التفاعلية تصور الماضي بمختلف بيئاته في دولة الإمارات بكل تجلياته، وتعكس جانباً من الثقافة المحلية، وتأخذ الزوار برحلة تمزج بين البساطة والعراقة.
عبر البيئات الثلاث، البحرية والصحراوية والجبلية، التي صممت لتزرع الحياة في منطقة الحصن الوجهة الثقافية الجديدة والفريدة، وقفت بيئة الصحراء شامخة تروي حكاياتها في أجواء تفتن المتلقي برونقها، توسطت العقد، فردت يديها برمالها لتشكل مشهداً لافتاً في ساحة المنطقة، فيض من الحكايات المرئية جعلت أفراداً من جميع الجنسيات يبحثون عن عبق التاريح وروح البلد كتجربة تعينهم على فهم المجتمع المحلي، فيحملوا حصيلتهم من المعرفة والمتعة إلى حيث ييممون وجوههم.

مسرح مفتوح
اختلطت روائح القهوة بأهازيج الفرق الشعبية حيث تجاوز المكان البعد البصري إلى البعد الحسي، وأيقظ الذكريات عند الكبار، ورسم أخرى لدى الصغار الذين سيتعلمون أصول السنع والمواجيب وقيم الشجاعة والكرم والصدق والأمانة، وهي مفردات تشكل نقطة جذب لكل الجنسيات الذين يتدفقون يوميا للاستمتاع بهذه الأجواء التي تخاطب الحواس الخمس.
عن هذه المشاهد قالت فاطمة عبدالرحمن الحمادي متطوعة بالبيئة الصحراوية بمنطقة قصر الحصن: هذا الفضاء الممتد سيعلم الصغار أصول السنع والمواجيب والقيم وينقل الثقافة الإماراتية عبر هذا المسرح المفتوح إلى مختلف الزوار الذين سيشكلون بدورهم سفراء لهذا التراث ببلدانهم.
وأضافت: تتوفر البيئة الصحراوية على مجموعة من الحرف بطلتها المرأة الإماراتية، كما تتأثث أيضا بعروض الصقارة وفرقة الأهازيج الصحرواية إلى جانب قصة العلاقات الإنسانية التي صاغها «الماء والطوي» والتي ترويها نساء يمثلن الدور الذي كن يقمن به في السابق، وتروي ما ارتبط بجلب بالماء من أسرار العيش والبقاء.

قصة الارتواء
يدثرها الخجل، تمشي وهي تحتضن «اليحلة» برفقة النساء اللواتي احتضنتها بكل حب وحنان، في مشهد يبث الحياة في أوصال منطقة الحصن ويزيدها بهاء.. كل من الممثلة فاطمة حسن وأشواق والشابة مها، سيدات يجسدن دور اللواتي يجلبن الماء من الطوي، ويضعنه على رؤوسهن ويقمن بتوزيعه على أهالي الفريج والشرطة والجيران، الذين لا يستطيعون جلب المياه، لأنها في مكان بعيد عن الأحياء السكنية. هؤلاء النسوة يجُلن بأثوابهن الجميلة التي تعكس أناقة المرأة الإماراتية حتى وهي تقوم بأداء مهامها اليومية الضرورية، تحمل كل منهن «اليحلة» على رأسها إلا الشابة مها التي كانت تحتضنها بين يديها.
في البداية يخال المتلقى عدم قدرتها على إبقاء «اليحلة» متزنة فوق رأسها، لكن سرعان ما يُدرك السر على لسان الفنانة أشواق التي قالت: «شكل الماء عصب الحياة في البيئة الصحراوية، وكانت مهمة جلبه إلى المنازل من «الطويان» مرتبطة بالمرأة التي تقطع مسافات طويلة و»اليحلة» على رأسها، لتعود إلى بيتها محملة بالمياه العذبة، ورغم صعوبة المهمة إلا أنها كانت تمثل أيضاً فرصة للتعرف على زوجة المستقبل، فشكل بذلك وسيلة اجتماعية نسجت حولها الحكايات والقصص، بحيث كان الشاب أو أهله أو السيدات الذين يقصدون البئر لجلب الماء يتعرفون على البنات غير المتزوجات، بحيث يدل تأبط «اليحلة» وعدم رفعها على الرأس أن هذه فتاة غير متزوجة، لاسيما أن البئر كانت ممرا للقوافل التجارية ومقصدا لمختلف القائل، فيتم إرسال «المطراش» إلى أهل الفتاة ليسأل ويعرف أحوالها وأحوال أهلها وسمعتهم، كما كانت تقوم بهذه المهمة الخطابة التي تعرف بنات الفريج، فتقوم بالتنسيق للزواج بين أهالي الشابين، تصل إلى الأم وهاته الأخيرة تخبر الأب، وفي حال القبول يتم إخبار الخطابة التي تزف الخبر المفرح لطالبي يد العروسة».


وأضافت أشواق: إن مساعدة الفتاة والدتها في جلب الماء دلالة على قدرتها على القيام بمهام البيت التي كانت أحد المعايير المهمة في نجاح الزواج وتكوين أسرة: «رغم الجهود التي كانت تقوم بها جداتنا وأمهاتنا اللواتي شكلن ركيزة البيت ورمز العطاء في جميع الظروف والفصول لتوفير احتياجات البيت، فإنهن حافظن على أناقتهن ووفرن مساحات للعلاقات الاجتماعية، حيث كانت تذهب النساء في جماعات لجلب المياه من الطوي، تقمن بتنظيف البيت وإعداد طعام الفطور ثم تتوجهن إلى البئر لجلب المياه، وهكذا شكل «الطوي» فرصة لنسج العديد من العلاقات الاجتماعية ووسيلة للتعرف على بنات الفريج.

أهازيج الفرح
صفان متقابلان، وقف أربعون شخصاً يتغنون بالفرح عبر الكلمة والتعبير الحركي، تعكس فصاحة المؤدي وقوته، هذا ما أكده خميس راشد خميس المقبالي رئيس فرقة «فن المقابيل» الذي ارتبط بأهل الصحراء. إنه نوع من الفنون التي تؤدى في العديد من المناسبات المفرحة في الأعراس والأعياد الوطنية، كانت البداية عبارة عن أهازيج وشلات تعتمد على أصوات الرجال، ولا تستخدم فيه آلات معينة، بينما يشهد اليوم تحديثا، حيث أصبح يستعمل فيه آلات مثل الطبول والعود والأورج، وتقدم الفرقة أهازيج وشلات ومحاورة شعرية بين شاعرين، وأغاني في حب الوطن لبث الحماسة، وغزل ورسائل حب، مشيرا إلى أن الفرقة تستوعب حتى 1000 مشارك، مؤكدا أنه في السابق كانت وسيلة أيضا لبث رسالة تودد أو حب، حيث يتضمن مغزى مخفياً يرسله الشاعر للشخص المقصود.

الصقارة
يستعرض الصقار محمد الحمادي، طقوس الصيد بالصقور ولا يتوانى عن ذكر التفاصيل المرتبطة بهذا الموروث الشعبي المتأصل في المجتمع الإماراتي، واكتساب معلومات جديدة عن هذه الهواية التي أدرجتها منظمة اليونسكو ضمن قائمة 2010 للتراث اللامادي للإنسانية، يقف الصقر الشاهين أمامه، يعلم الأطفال كيفية التعامل معه، وقال إن الصقور أنواع منها أدهم، نهار، صياح، الغيث، حلوم، لافتاً إلى أنه يرتبط بهذه الطيور ارتباطاً وثيقاً ويحاول في منطقة الحصن إبراز إيجابيات هذه الهواية كموروث ثقافي إنساني إماراتي، ويجيب على الأسئلة التي يطرحها الزوار، والتي تتركز على مكانة رياضة الصيد بالصقور وكيفية ممارستها في الإمارات والأماكن التي تمارس بها، مبيناً المهارات التي يمتلكها في هذا المجال، موضحاً أن رحلات الصيد بالصقور، والتي يطلق عليها «المقناص»، ومن الأدوات المخصصة للصقور، هي «المجثم» والذي يعد بمثابة الوكر، كونه المكان الذي يوضع عليه الصقر من أجل الراحة والنوم، و»المرسل» وهو الجزء الثاني المكمل لإحكام القبض على الطير من الوثوب أو الهرب، أما «البرقع» فهو عبارة عن غطاء صغير بحجم وجه الطير، له فتحة يخرج منها منقارة، مؤكدا أن هذه الرياضة تثري البيئة الصحرواية كونها أحد المكونات الأساسية في الموروث الشعبي الإماراتي وجزءا من ذاكرة أهل البلد، ونسمح للزوار بالتعامل عن قرب مع الصقور، ليتعرفوا عليها، وعلى أهميتها في الموروث الإماراتي، ويمكنهم أيضا الاستمتاع بعروض الطيور.

خروفة وقيمة
فعاليات منطقة الحصن لا تحمل التاريخ والتراث والعادات والتقاليد لزوارها وإنما تشكل أيضا منصة لتعزيز القيم عبر الحكايات، يؤديها مجموعة من الفنانين الشباب، منهم عبد الرحمن محمد الكاس «راعي الخراريف» بالبيئة الصحراوية، يحفز خيال الأطفال ويحلق بهم من خلال قصص ذات مغزى وقيمة، بعيداً عن وسائل التكنولوجيا، يفك وثاقهم عن هذه الوسائل التي باتت تغرق هذا الجيل في مفاهيم غير التي تربت الأجيال السابقة عليها.
قال الكاس: «أقوم بسرد الحكايات والقصص التي كان يرويها أجدادنا بطريقة مشوقة مستخدماً التعابير الجسدية وذلك لشد انتباه الأطفال، وهذه القصص مشبعة بالقيم، كالحديث عن الشجاعة والأمانة والصدق وغيرها كثير، وذلك عبر حكايات يتمازج فيها الجد والترفيه لتحقيق تقبل الطفل، وعادة تنجح الخروفة في شد انتباه الطفل وتعزيز القيم لديه».

فنون العيش
حرف يدوية أبطالها النساء، طوعن الطبيعة ومهرن في صناعة أجمل القطع، مزجنها بمشاعرهن، منهن شريفة أحمد السعدي وعائشة أحمد وغيرهما يعملن على التلي الذي برقت خيوطه الفضية بين أيديهن، أكدن أنهن مستمتعات بباحة منطقة الحصن التي تحتضنهن، مؤكدات أنهن تعلمن هذه الحرفة منذ نعومة أظافرهن، بينما جلست مباركة راشد وزميلاتها خلف النول لإبداع أشكال هندسية مختلفة من السدو.
وأكدت مباركة راشد أن السدو له تشكيلات مختلفة منها الشجرة وعويرجان والمذخر، مشيرة إلى أن العمل على السدو يتطلب مهارة وقوة، وأن الحرفيات يفضلن العمل في جماعات تتبادلن الحكايات ويمتزج عملهن بمشاعر مختلفة.


ألحان «مجاز» على مدرج المجمع الثقافي
ما أجمل عبق الماضي عندما يستدعيه الحاضر الذي يفتح حضنه للمستقبل، هكذا هي أبوظبي تستعيد روائع الماضي أمام الأجيال الشابة لتحفظها الذاكرة، عندما اشتغلت على أعرق وأقدم بناء تاريخي قائم في أبوظبي، ألا وهو «قصر الحصن». إن شموخ هذا الصرح التاريخي وإطلالة «برج المراقبة»، وجمال تصميم بنائه بالأحجار البحرية والمرجانية، هذه المعالم التراثية العريقة تشكل مشهداً تاريخياً يجتذب أنظار الجمهور، وهو جسده اليوم الثاني من افتتاح «منطقة الحصن الثقافية» حيث توافد الزوار بأعداد كبيرة، وهم يعبرون المساحات التي تفصل بين المجمع الثقافي والحصن، والتي تزينها أشجار النخيل والغاف، كما قسمت هذه الفسحة الرملية بممرات إسمنتية تواكبها قنوات الماء، وترى أضواء المدينة تنعكس عليها من جميع الجهات، وذلك لتميز موقع قصر الحصن في وسط أبوظبي، وهذا ما يسهل على الجميع زيارته.
وضمن هذه الأجواء الخلابة وعلى مدرج مسرح المجمع الثقافي الحجري في حضن الطبيعة، وبحضور سلامة الشامسي، مديرة قصر الحصن، وريتا عون- عبدو، المدير التنفيذي لقطاع الثقافة في دائرة الثقافة والسياحة– أبوظبي، قدمت فرقة «مجاز» البحرينية أمسية موسيقية، شارك في أدائها كل من: عبدالله فيصل، صلاح شرخات، حميد السعيد، زاهد البلوشي، وجهاد الحلال، وقدموا مزيجا معاصرا من الأنماط الموسيقية، حيث استخدمت آلات عزف غير تقليدية بطابع ثقافي متعدد الألوان. استمع الحضور باستمتاع وإعجاب إلى أنغام موسيقية تمثل أعذب فنون البحرية وبأصوات شجية سارة، وعزف الفنانون أنواعاً من الألحان المتنوعة، بعضها رقيق هادئ ينساب كالجداول، وبعضها الآخر صاخب، متنقلة بين الحديث والكلاسيكي، وبما يتناسب مع روح الشباب الطموح واستمتاع الجمهور بألوان متنوعة من الموسيقى بين الحداثة والتراث. وفي لقاء «الاتحاد» مع شباب الفرقة الموسيقية، قال صلاح شرخات: مشاركتنا في أفراح أبوظبي شيء يضيف لنا الكثير من السرور، بل هو واجب علينا، ونريد أيضا أن نعرف بفنون البحرين، ونحن لنا مشاركات عديدة في العالم. وبدوره قال عبدالله فيصل: فرقة «مجاز» كانت تركز على الفن الأجنبي، لكن اكتشفنا أن التركيز على الثقافة العربية أيضا شيء مهم جداً، لذلك أصبحنا نتوجه بتقديم بعض الفنون التراثية، وخاصة منها فنون البحرية المعروفة بالبحرين وفي دول الخليج.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©