تشقى الأندية والمنتخبات في أحيان كثيرة في بناء مشاريعها الرياضية، لعلها تكون مثمرة ومنتجة ومحفزة على الاستثمار الذي يعزز المكانة ويرفع نسبة الإيرادات، عندما تتحقق الأهداف، وأسمى أهداف المشاريع الرياضية، أن يتحصل النادي أو المنتخب على ألقاب، وإن اختلفت مقاساتها وطبيعتها.
وكل مشروع رياضي، إن هو ولد من رحم دراسات جدوى قائمة على أساسات فنية وعلمية، لإكسابه الشرعية، احتاج إلى رافعات عليها يقوم ليصبح بعد ذلك صرحاً رياضياً، وأكبر هذه الرافعات أن يختار النادي أو المنتخب مديراً فنياً يستطيع أن يمنح للمشروع روحاً، وأن يقيم للصرح قاعدة قوية، تساعده على مقاومة كل أشكال التعرية.
ولم يخطئ الاتحاد السعودي لكرة القدم، عندما اختار للعهد الجديد لـ«الأخضر»، مدرباً اجتمع فيه من الخصال الرياضية والفكرية والإنسانية، ما جعله يتطابق مع المشروع الذي جرى التخطيط له، مشروع يرمي إلى الارتقاء بالمنتخب السعودي إلى مراتب أفضل في سلم العالمية، فقد كان الفرنسي هيرفي رينارد الخارج لتوه من تجربة ملهمة مع منتخب المغرب، مستجيباً للكثير من المعايير التي يفترض توفرها في مهندس هذا العهد الجديد، مهارة القيادة، الجرأة على صناعة القرارات، وعلى الخصوص إبداع أسلوب لعب يُمكن «الأخضر» من الصعود إلى مستويات عالية في سلم الجودة.
وأكدت الصورة التي صدرها المنتخب السعودي عن نفسه، سواء عند تأهله إلى «المونديال» من بوابة التصفيات الآسيوية، أو من خلال عبوره بكأس العالم بقطر، أن عملاً هيكلياً أُنجز بالفعل لجعل المنتخب السعودي يكتسب الشخصية القوية التي لا يبرز بها خليجياً أو آسيوياً فقط، بل عالمياً، فمن يشاهد الشراسة عند استخلاص الكرة، والروح الجماعية التي تسيطر على الأداء والتطور الكبير في تمثل أحكام كرة القدم الحديثة التي تقوم على سرعة التحول، يدرك جيداً أن العمل بالورش الفنية، حصل فيه تطور لافت، وكان الأمل أن يسير العمل في فترة ما بعد «المونديال» بذات الوتيرة، ليتمكن «الأخضر» من فرض ذاته آسيوياً بحيازة اللقب القاري، تمهيداً لحضور أقوى خلال «مونديال 2026»، لولا أن قراراً اتخذه هيرفي رينارد بالنزول من «كابينة» القيادة، مستقيلاً من منصبه مديراً فنياً للمنتخب السعودي، يصيب المشروع الرياضي بالارتجاج، لتصبح هناك حاجة لكي يُخْتبر الاتحاد السعودي في مهارة إبداع الحلول البديلة حتى لا يهوى الصرح.
لا حاجة لربط الخروج المفاجئ للثعلب الفرنسي من عرين «صقور» السعودية بأكذوبة الولاء للمشروع، للنادي أو للمنتخب، والأفضل مائة مرة أن يغادر رينارد، وقد بات مصمماً على ذلك، على أن يبقى مرغماً ومكرهاً ولا يبقى فيه وقتها لا الروح ولا الفكر ولا الطموح لتحقيق من النجاحات، على أمل أن يكون رحيل رينارد عن المنتخب السعودي أشبه بالضارة النافعة.