عطلٌ في مزاج الكون أربك فرحتي بالعام الجديد. كأني حين مشيتُ حافياً على سطور النار، دستُ على جرسٍ خفيّ وأيقظتُ اشتعالها. وكأني حين حملتُ قلماً ضخماً على أكتافي وعبرتُ به دروبَ الساكتين على الآلام، صرتُ في عيون أطفالهم مفسّر ألغازٍ عصى أن يفسّرها الزمن. ها هم يسألونني: ما البداية والنهاية؟ فأنفخُ بالونةً صفراء وأطلقها أمامهم في الفضاء الرحب إلى أن تختفي. ثم تأتي نِساؤهم ويسألنني: كيف نهتدي إلى الحب، ونحن نرى سفن العشّاق تغرق، وقبعاتهم تطفو على الماء؟ فأختار أن أمزّق قميصي أمامهن ليجدن صورة حبيبتي وشماً في مكان القلب، ووصفاً لهيامي في هيامها.
ها هو العام 2023 يُعلقُ أقواسه ويذهب للجلوسِ في روزنامة المحو. وكأن ما مر فيه، مجرد تكرارٍ لانفلات الخيوط وعودة تشابكها من جديد؛ إذ ليس مهماً هنا أن نعرف ما الصواب الذي تلاشى، وما الخطأ الذي تداخل فيه؛ لأن من سيولدون في العام الجديد، هم ومربياتهم وكتبة أحلامهم، ليسوا مطالبين بتصحيح جرائر الماضي، وإنما بالعيش بفرحٍ عظيم إلى أن يتحول هذا الفرح إلى ضوء، والضوء إلى كلمات، والكلمات إلى حقيقة لا يغيرها تبدل الزمن مهما تطاحنَ المختلفون في تفسير معانيه.
أنا رسالة المستقبل، قال مديرُ متحف الأخلاق السامية. ونحنُ صدقناه طفلاً طفلاً، ووقفنا في طابور الباحثين عن الكمال.
أنا الحقيقة المحشوّة بين كذبتين، قالت مذيعة الزمن، فتقدم لها ألف رجلٍ بطلب الزواج، ورمى رجالُ كثيرون خواتم مزيّفة على عتبة بيتها، وراقبها قنّاصةٌ ضجرون من عيون بنادقهم الصدئة.
هل تغيرُنا الأرقامُ حقاً؟ هل نعبر من عام لعام على جسر ليلة رأس السنة؟ هل نتغير لو عبرنا هذا الجسر؟ أم أننا فقط نرمي القبعات البالية ونجددها، ولكن لا تتجدد رؤوسنا المطمئنة تحتها؟
قل لي: هل الوصول إلى الحب يحتاج إلى سلالم عالية لتصعد إليه، أم إلى قلب حر؟ وإذا صادف أن المرأة التي تُحبّها تسكنُ في الجانب الآخر من العام، هل ستذهب إليها متحرراً من أثقال العام الفائت، أم تراك تصلُ، حاملاً معك كل أفكار ماضيك؟
قولي لي: لو جاء رجلٌ قافزاً نحوكِ بفرحٍ وهو يحمل باقة ورد وسقط في النهر، هل ستكفي قصائده القليلة كي تتدفئي بها في الشتاء القادم؟ أم ستمدين له يدك، وتقبلين به ضيفاً يليق حقاً بعامكِ الجديد؟