لا تبدأ الفرادة من عنوان الكتاب «سجون نختار أن نحيا فيها» فقط، بل للكثير من أفكاره التي تمتد على خمسة مواضيع للكاتبة البريطانية «دوريس ليسنج». ورغم مرور زمن طويل على هذه العناوين التي كانت محاضرات قدمتها هيئة الإذاعة الكندية عام 1985 ماتزال أفكاره تدعو للتوقف والتأمل. ومن أكثرها جذباً (عندما ينظرون إلينا من المستقبل) وهو الموضوع الأول الذي يرتبط بشكل أو بآخر بباقي أفكار الكتاب. ولعل هذا هو أكثر ما لفت انتباهي، إذ رغم أني انشغلت دوماً بموضوع البيئة وأهمية أن نترك الأرض صالحة للسكن لمن سيأتون بعدنا، لكني لم أفكر أبداً بالطريقة التي سينظرون إلينا بها في المستقبل! ففكرة ماذا سيقول الآخرون أو ماذا سيفكرون بشأني، هي فكرة مرفوضة على الصعيد الشخصي، فما بالك بالطريقة التي سينظر بها «إلينا» أجيال لن أراها أساساً، ولهذا كان هذا العنوان ملفتاً ومدعاة للتفكر وإعادة النظر. 
تقول «دوريس ليسنج» إن أكثر ما سيستعجبون منه هو «أننا نعرف أنفسنا الآن أكثر مما عرفه الناس عن أنفسهم في أي عصر من العصور، ولكن قدراً ضئيلاً جداً من هذه المعرفة كان موضع التنفيذ»! ولكن حقاً هل نعرف أنفسنا؟ وما هي الدلالات التي تفيد وتؤكد أننا نعرف أنفسنا؟! ولكي يكون السؤال أكثر عقلانية، هل تعرف نفسك بالفعل! وكلمة بالفعل هنا لها معنى توكيدي أننا بناء على هذه المعرفة الخاصة بأنفسنا هل نفعل ما يستوجب اتساقها مع ذواتنا، أم أنها معرفة يخالفها أفعال مداهنة لحقيقتنا، أم هي ياتُرى معرفة وهمية جاهلة لا تستدعي فعلاً في الأساس!
كتبت دوريس -الحاصلة على نوبل للآداب- منذ أربعة عقود أن البشر أصبحوا يعرفون أكثر عن أنفسهم بسبب الطفرة الكبرى في المعلومات التي جاءت نتيجة الدراسات والبحوث المستفيضة حول السلوك البشري الفردي والجماعي، والتي جاءت موضوعية لا مجاملة فيها (كنظرتنا) لأنفسنا التي تسيطر عليها الأهواء عندما ننظر لسلوك الآخرين. تتحدث «دوريس»، التي توفيت عام 2013 عن عمر قارب المائة عام، في كتابها (سجون تختار أن نحيا فيها) عن الإنسان البدائي الذي بداخلنا، والذي رغم كل المدنية التي يعيشها، مازال يتقوقع داخل قشرة النفاق وعدم مواجهة نفسه بالحقيقة، فإن تعلم عن نفسك لا يعني إطلاقاً أنك تعرفها، وهذا هو السجن الذاتي.