التاريخ يكتبه المنتصرون. هذه ليست حقيقة مطلقة بالتأكيد. هناك من قد يخرج منتصراً رغم موته، وهناك ملاحم بطولية عبر التاريخ كتبها أصحابها، من بينها على سبيل المثال معركة الأسبارطيين ضد جيش الفرس في عام 480 قبل الميلاد، التي خلدتها السينما في فيلم «300 أسبرطي» الشهير. حيث ألهم موت هؤلاء الرجال القلّة، المدن والممالك الإغريقية للتوحد في مواجهة جيش الفرس. ويقال أيضاً إن تلك الحادثة هي التي أسست لاحقاً لولادة الفلسفة على يد المعلم الكبير سقراط الذي قرأ في هذه التحولات وبدأ بطرح الأسئلة العميقة على الناس كي يدركوا واقعهم وخفايا تخلفهم وانشقاقاتهم النابعة من طريقة التفكير والنظر إلى الأشياء والوجود من زاوية نفعية أكثر مما هي زاوية أخلاقية.
لا يمكننا تغيير ما حدث في الماضي. هذه أيضاً ليست حقيقة مطلقة، هناك بشر ودول وأمم استطاعوا أن يغيّروا التاريخ عبر تصحيح الكثير من المفاهيم والمغالطات. أوروبا التي هيمنت عليها عصور الظلام والتخلف، استطاعت أن تطهّر العقل من ترسبات الماضي وقامت بتصحيح رؤاها وتاريخها ومحاكمته ثم خرجت بروح جديدة بداية من القرن الخامس عشر الميلادي. وهناك أفراد أيضاً، ولدوا في بيئات مريضة وقاسية، لكنهم استطاعوا تغيير أنفسهم والخروج إلى الضوء والانتماء إليه بدلاً من البقاء قابعين في واقعٍ لا يقبلون به. والحقيقة أن كل خطوة صحيحة إلى الأمام، هي في حد ذاتها تصحيح لخطأ ما في الماضي.
يقع الحاضر ما بين زمنين وهميّين هما الماضي والمستقبل، وفي الفلسفة، لا يوجد إلا زمن واحدٌ هو الآن، هو اللحظة التي تعيشها وتُدركها كحقيقة، وما عداها مجرد اغتراب عنها. وهو أمر في غاية الخطورة، إذ إنك في الحاضر الآن تستطيع أن تتحكم بكل الزمن، إذ يعتمد الماضي والمستقبل، كلاهما، على ما تقوم به وتفعله الآن. فإن اخترت طريق الحرية مثلاً وبقيت مستمراً فيه، فإن الماضي يتغير وكذلك المستقبل.
كل ما ترجوه الفلسفة، هو أن يصل الإنسان إلى درجة الانتباه واليقظة بعيداً عن الوهم الذي قد يغلّف حياتنا ويجعلنا نخوض من غير هدى في طريق السراب والتيه. ووعيك بمفهوم الزمن هو إحدى البوابات الكبرى لفهم معنى وجودك وكيف تصنعه بنفسك. هنا عليك أن تختار وأن تقرر مصيرك بيدك لا أن تتركه يُصنعَ بيد الآخرين. عليك بمراجعة مفاهيمك ونظرتك لهذا الوجود وتحديد المسلك الذي تُريد حقاً المشي فيه.