لغة فلسفية عالية لمسناها في خطابات القمة العالمية للحكومات التي انتهت قبل يومين واحتضنتها الإمارات ونظمتها بنجاح استثنائي وحضور عالمي على أعلى المستويات. وما يميّز هذه القمة حقاً هو الرؤى التي يتم طرحها ومناقشتها للبحث عن حلول من أجل إسعاد البشرية عبر العمل المشترك لحل قضايا الأرض والإنسان. حضور أفكار التكنولوجيا والعلوم والتطور التقني والمادي في خطابات اليوم، سيسهمُ بالتأكيد في إيجاد الحلول المرجوّة، إلا أننا نحتاج أيضاً إلى حلول ثقافية وأخلاقية تتصل بالمبادئ العميقة التي قال بها الفلاسفة منذ بداية الحضارة الإنسانية. ومن بينها المبدأ الأخلاقي الأكبر والأسمى وهو تغليب المصلحة الجماعية على المصلحة الفردية. وهذا مفهوم يتصل عميقاً بمستوى نظرتنا إلى حياتنا اليوم، ومدى إمكانية أن نراجع تصرفاتنا وقياس مدى ملاءمتها لفكرة تغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية.
على هذا المبدأ نفسه، تعمل دولة الإمارات وتصوغ سياساتها الحكومية مع بقية العالم. ومنه تتفرع القيم الأخرى مثل التعايش والتسامح والعمل معاً لإيجاد حلول جذرية لقضايا المناخ والبيئة والسلم العالمي. ومن تلك المبادئ تتفرع مناهج عمل على صعيد الثقافة والسياسة والإدارة إلى أن يصل الأمر إلى الفرد نفسه. ومثل هذه الرؤية تذهب عميقاً لتلتقي بالأسس التي وضعها فلاسفة كثيرون من أجل تعايش الناس بسلام، ومنها وُلدت فكرة ومبادئ حقوق الإنسان وخطابات العدالة الاجتماعية وغيرها. ولكن تطبيقها على المستوى العالمي لا يزال يواجه صعوبات كثيرة بعد أن تفشّت القيم الرأسمالية وطغت على منظومة التواصل العالمي وصار للمصلحة الفردية أولوية قصوى على حساب المصلحة المشتركة. نحنُ هنا نتحدث عن ثقافة جديدة ينبغي لها أن تتشرب في وجدان الأجيال الجديدة. ثقافة تنظر إلى العالم من أفق جديد، بحيث يوضعُ المستقبل في الحسبان، وهذا كفيل بأن يجعلنا نحافظ على موارد الأرض وخيراتها وعدم تفضيل مبادئ الربح، مهما كانت مغرية، إذا كانت على حساب تلوّث الأرض والإضرار بها على المستوى البعيد.
نجحت القمة بشكل كبير في تقريب وجهات النظر والأفكار، إلا أن النجاح الأكبر حقاً، هو أن ما نادى به فلاسفة منذ عصور التنوير، صار منهج عمل للحكومات التي رأت أن تعمل وتتعاون معاً لتحقيق هذه الرفاهية المنشودة للإنسانية. شكراً من القلب إلى هذه الرؤية وهذا العمل وهذا الطموح العظيم.