كتبتُ سابقاً عن حب الذات، ويبدو أننا نحن معشر الكُتاب نكتب عن أشياء مهما بدونا قادرين على إقناع الآخرين بها إلا أنها لا تأخذ منا الحق اللازم لتطبيقها على أنفسنا. بكلمات أخرى أننا نعتقد بها نظرياً غير أننا لا نختبر حقيقة اعتقادنا بها عملياً؛ ولذلك تبقى التجربة الشخصية هي معيار التأكد وهو - صدقوني- ما نتفاجأ عادة بنتيجته. سألتني صديقة هل تحبين نفسك؟ فأجبتها بكل ثقة: نعم، وعندما أعادت سؤالها للتأكد، أجبتها بتردد ماهي معايير حب الذات برأيك؟
قبل أن أكمل ما حدث، أخبركم بأني على قناعة تامة بأن النور الذي يمنحك إياه الآخرون.. (مؤقت) ولذلك.. ولكي تضمن لنفسك عدم مباغتة الظلام حياتك، يجب أن تعمل على أن يكون مصدر النور من داخلك.
هذا تماماً ما أنا على قناعة به، ولكن هل هذا ما أمارسه في حياتي فعلاً؟!
في سعينا المستمر لحب الذات فإننا نتعامل مع أجسادنا من خلال الطعام والمشرب الصحي والملبس المميز والطيب الجميل، ونعتني بأوقاتنا بأن نحرص على أن نقضي كل دقيقة مع صحبة طيبة ولا نعكر أمزجتنا بالعلاقات السامة والناس السلبيين والرفقات المؤذية. وفي سعينا لحب ذواتنا نستمتع بأحوالنا، فلا ننشغل بما فاتنا، ولا يؤرقنا ما سيكون، فنستثمر اللحظة جيداً، وندرك النعم الكبيرة التي تحت أقدامنا. ومن حب الذات أيضاً أن نسامحها إذا أخفقت ونتساهل مع هفواتنا غير المقصودة، ونقبل بطباعنا واختلافاتنا مهما حاول الآخرون الإقلال منها.
هذا ما أعرفه وأدور حوله في ترجمتي النظرية لحب الذات، ولكن هل هذا حقاً ما أقوم بعمله في سبيل تحقيق هدفي؟! في التعامل مع المحددات المادية يبدو الأمر في غاية السهولة أن نقيس مقدار حبنا لأنفسنا، خصوصاً في تعاملنا مع أجسادنا وأوقاتنا، ولكن كيف هو الأمر في تعاملنا مع أرواحنا! هنا مكمن الصعوبة رغم أن الأمر لا يتطلب استدعاء شيء خارجي لتأكيد حب نفسك وإسعادها، فقط اقبل بها. تقبل حقيقة أننا لا نستطيع التحكم في كل شيء. فقط ما نملك القدرة على التحكم به هو ردود أفعالنا وطريقة استجابتنا للأمور التي يجب أن تدور حول حب الذات، بأن لا تكون هذه الاستجابة مرهقة للروح والنفس، وهذا ما علمتني إياه صديقتي بأن حب الذات أساساً يعني أن لا نكلف أنفسنا أكثر من طاقتنا.. أليس هذا من أدعيتنا لله سبحانه وتعالى بأن لا تكلفنا يا رب ما لا طاقة لنا به، فكيف نطلب ما لا نصنعه مع أنفسنا؟