النفوس وما فيها من أكبر العجائب والأسرار التي جعلها الله في الأرض، فأن تعرف ما في نفسك كاملاً هو من المستحيلات، فما بالك بمعرفة ما في نفس غيرك، ورغم هذه الحقيقة الإنسانية الكبرى، فإن امتلاك ذهن مُتقد وبصيرة نقية لملاحظة الإشارات التي يطلقها الناس بشكل متكرر طوال الوقت -عفوياً- يفضح الكثير مما هو مستقر في نفوسهم، سواء عبر النظر إلى تأثيرات وجوههم، أو الانتباه جيداً إلى مفرداتهم المستخدمة أو ردود أفعالهم النوعية. وكما هو الحال في الحب الذي تفضحه العيون؛ كذلك هو حال المشاعر السلبية؛ فالكره والحقد على سبيل المثال مشاعر تفضحها العبارات المقتضبة في الحوارات اليومية أو التعليقات على الأحداث العامة، فتظهر القناعات الدفينة والنيات المبيتة.
وأقول هنا إنها مبيتة، كونها في حالة خمول، في انتظار البيئة المناسبة للحضور الفعلي المادي. وعلى ذلك فالمخرب والمؤدي والقاتل.. وكثير غيرهم من أصحاب الميول غير السوية يعيشون حولنا بهدوء شديد تشوبه بعض التلميحات. وعدم توافر الظروف المناسبة لإظهار حقيقتهم، لا يعني أن صفاتهم طيبة؛ فهناك الكثير من الجمل العفوية والأفعال العشوائية التي يُطلقها الناس وسط تفاعلهم مع الآخرين بلا أدنى انتباه تدلل على نياتهم. وحسب علماء النفس، عادة ما تفضح هذه الكلمات البسيطة قناعات ضخمة وعميقة جداً متأصلة لدى من يطلقونها. وكما يرى المتخصصون، فإن إخضاع هؤلاء الناس للملاحظة لزمن طويل نسبياً، سيثبت بشكل أو بآخر سلوكيات على أرض الواقع ستخرج بمجرد أن تتوافر بيئات آمنة لإظهار قناعاتهم.
ينكر أصحاب هذه النيات حقيقتهم، وفي رأيي أنهم فعلاً لا يعرفون حقيقتهم، أو على الأقل هم لا يدركون حجمها وإمكانية تحولها إلى واقع فعلي، وإن شعروا بها فإنهم سيقدمون لأنفسهم أو للآخرين تبريرات وحججاً بشأنها. ولعل هذا يضعنا أمام مسؤولية تجاه هؤلاء الذين يملكون هذا النوع من المشاعر، فتبيان أن ما يصدر عنهم من وقت لآخر من كلمات وعبارات، إنما هي إرهاصات أولية تنتظر فرصة لتجد طريقها الفعلي على أرض الواقع أمر علينا القيام به وتحذيرهم من عواقبه. هذه المشاعر موجودة حولنا بكثرة، ومن قريبين جداً، قد يكون قريباً أو صديقاً أو حتى زميل عمل أو متابعاً لك عبر صفحات التواصل الاجتماعي، من رفقاء في جلسة حوار؛ هم حولنا. فقط حاول أن تكون بصيراً وتلتقط تلك الإشارات، كإجراء وقائي، قبل أن تتحول كلماتهم إلى أفعال قد تؤذيك.