الكثير من الناس يكون الطعام وتذوق أكلات الشعوب جزءاً مهماً من تفاصيل السفر عندهم، وأنا أكثر ما يغريني في زيارة البلدان تجربة خبزهم وعجينهم، خاصة الرغيف الساخن الذي يجعل فطور المدن التي أزورها له طعم آخر، وليس هناك مثل وجبة الفطور في حياة المسافر، فتجد عند البعض ذلك الدلع الذي يصاحب سفره، والذي يظل الواحد منهم يشتهي أكلة تَهفّه نفسه عليها، فيسافر لأن أجواء وطقوس الفطور من شرفة مطلة على تلك السهول الخضراء أو الجبال المكسوة بالبياض في ربوع سويسرا مثلاً ترد الروح، وتجعل النفس تعيش سعادتها، ولا أدري لِمَ وجبة الفطور مرتبطة بالسفر والفنادق، وبعض الفنادق وكأنها تتصدق عن عافيتها حينما تقدم الفطور متضمناً في سعر المبيت عندها، وهناك فنادق رخيصة أو عائلية خاصة في بريطانيا اسمها «Bed and breakfast» أو تختصر «B&B»، والكثير من المسافرين أول سؤال يطرحه عند حجز الفنادق: «هل الفطور متضمن في سعر الغرفة»؟ الغريب أن الفطور في الفنادق من أغلى الوجبات سعراً، إن لم يكن من ضمن الغرفة، أخواننا الخليجيون، ورغم أن ذلك السؤال يصرون عليه، لكنهم يتكاسلون في النهوض، وتضيع عليهم وجبة الفطور، وحين تسألهم، تجد جوابهم: «تراه ببلاش»! ويظلون حسب التساهيل بين أن يفطروا أو يتريقوا أو يسحبونها إلى ما قبل الظهر، ثم يندمون على ذلك بأثر رجعي أو يصلون متأخرين ويضجرون العاملين في المطعم، ويؤخرونهم لما بعد انتهاء وجبة الإفطار الفندقي..
على النقيض تماماً لاحظوا علاقة الأوروبيين بالفطور، وخاصة الفطور المجاني في الفنادق، هناك علاقة وطيدة، وثقة تتعزز كل يوم، ورابطة لا تنفصل عُراها، تجد الواحد منهم يسحب نفسه من دفء الفراش ببيجامته، ويحضر ساعات الفطور، ولا يفوت لحظاته، وكله يقظة، وتأهب، وعاقد العزم على أن لا تخيب غزوته الصباحية تلك، نحن إذا ما دفعنا ثمن الفطور مسبقاً، ومن ضمن سعر الغرفة، ما «نتريق»، وبعضنا يكون دافعاً ثمنه مقدماً، وكان مصراً عليه وقتها، وحين يأتي حينه، ينطمس تحت الفراش، ويتعلث: «والله ما أشتهي اليوم.. كبدي لايعة، وأشعر بصداع»، تقول يتوحم، طبعاً لا تشتهي من قلة النوم، واضطراب ساعاته، ومن التخبيص في أكل الليل المتأخر، وإذا قام صاحبنا، قام وهو يسحب رجليه، وعيونه مغمصة، ومغمضة، وبالكاد يقدر أن يفتحهما ليبصر خطواته، ويجلس يمزّ القهوة بتكاسل وتثاءب، ويطالع الناس بشهيتهم المفتوحة، ويتفكر فيهم، ولا يتفكر في نفسه، خاصة أن الأوروبيين يفعلون العجب في الفطور المجاني، وبالذات أولئك الذين تجد رقابهم كبر جذع النخلة، ومحمَرّة، وهناك اتساع لحمي وشحمي أسفل الفانيلة التي تظل تصغر وتَمّلَحّ من الغسيل، بحيث تقول إن الواحد منهم ظل طوال الليل يحفر أو يحطب أو يكدّ السخام.. وغداً نكمل