الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

قيادات دينية يهودية تشيد بقرار الإمارات.. معاهدة السلام خطوة جريئة لإحلال الوئام بين الأسرة البشرية

قيادات دينية يهودية تشيد بقرار الإمارات.. معاهدة السلام خطوة جريئة لإحلال الوئام بين الأسرة البشرية
16 أغسطس 2020 01:36

طه حسيب (أبوظبي)
 
أكد الحاخام م. بروس لوستيج، كبير الحاخامات في المجمع العبري بواشنطن، أن العالم مليء بالأمل اليوم، وذلك ضمن تعليقه على معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل، لافتاً إلى أن الأمل في السلام والوئام مصدره الرؤية والالتزام بهذه القيم من قبل قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة. وأشار إلى أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، زعيم عالمي واضح الهدف يولي اهتماماً كبيراً بمستقبل البشرية.

  • بروس لوستيج
    بروس لوستيج

ولفت «لوستيج» الانتباه إلى دعوة صاحب السمو ولي عهد أبوظبي، للقيادات الدينية المتمثلة في البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الدكتور أحمد الطيب إمام الأزهر، في أبوظبي للتوقيع على «وثيقة الأخوة الإنسانية» التي تدعو الأسرة البشرية إلى العيش في سلام ووئام.
وأكد «لوستيج»، كبير الحاخامات في المجمع العبري بواشنطن، أن شجاعة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لإبرام هذه الاتفاقية مع إسرائيل هي شجاعة تاريخية وقادرة على تغيير المشهد في الشرق الأوسط. فأفعال سموه ومبادرته تعطي العالم نموذجاً لسلام عادل ودائم في الشرق الأوسط. وأضاف «لوستيج» أنه رأى ولي عهد أبوظبي يلتقي بأهل أبوظبي وجهاً لوجه ومن القلب إلى القلب، فالبشرية جمعاء خُلقت على صورة الله، وبالتالي فإن كل إنسان يستحق الاحترام وصيانة الكرامة وبث روح الأمل. وأعرب «لوستيج» عن سعادته كونه عضواً في «اللجنة العليا للأخوة الإنسانية» مؤكداً، أن مبادرة صاحب السمو ولي عهد أبوظبي تقربنا خطوة أخرى من مهمتنا لتحقيق الانسجام والعدالة والسلام للأسرة البشرية، قائلاً: «إنني شخصياً أثني على ولي العهد لرؤيته وشجاعته والتزامه بإحلال السلام العالمي للأسرة البشرية».
 وفي معرض تعليقه على معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية، أكد يهودا سارنا، الحاخام الأكبر للجالية اليهودية في الإمارات، والكاهن بجامعة نيويورك، أن المعاهدة تشكّل بالنسبة له خبراً مذهلاً لهذا الأسبوع، قائلاً: بمجرد أن سمعت عن (اتفاق إبراهيم)، شعرت كما لو أن إبراهيم عليه السلام ينظر إلينا من علٍ، ويبتسم. وتجدر الإشارة أن معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية، يطلق عليها «اتفاق إبراهيم»، حيث سميت على اسم، نبي الله إبراهيم عليه السلام «أب الديانات الثلاث السماوية الكبرى»، المسيحية والإسلام واليهودية. ويجسد الاسم، ديانات الدول الثلاث المشاركة في الاتفاقية الإسلام (الإمارات)، اليهودية (إسرائيل)، المسيحية (الولايات المتحدة الأميركية).
وأكد «سارنا» أن القادة السياسيين يقومون الآن بعملهم وجهدهم، مؤكداً أن حكمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، هي التي تقود الطريق، وسيكون الأمر متروكاً لنا جميعاً، سواء كنا قادة دينيين، أو رجال أعمال، أو معلمين أو حتى جيراناً، فكلنا يمكننا مواصلة العمل في هذا الاتجاه من أجل السلام. 
 وأشار «سارنا» إلى أنه علينا أن نضع دائماً في الاعتبار كرامة البشرية، والشعور المشترك بالأخوة الإنسانية وأن نتمتع بعقلية التسامح والانفتاح والقبول والتطلع إلى المستقبل. ويعوّل «سارنا» على الشباب قائلاً: «الشباب لهم الأهمية القصوى. سيكونون هم من يمضون قدماً ويفهمون أفضل من أي شخص آخر. فنحن نعمل سوياً. ولذلك أود أن أشكر كل من ساهم في هذا العمل، وأشكر قادة دولة الإمارات العربية المتحدة، ونأمل أن نتمكن من المضي قدماً في هذا الطريق الذي يرسمونه لنا».

  • إيهودا سارنا
    يهودا سارنا

إنجاز تاريخي لصالح استقرار المنطقة
أكد أحمد الحوسني، السفير الإماراتي السابق، أن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل، تعد حدثاً دبلوماسياً تاريخياً أربك حسابات المزايدين على القضية الفلسطينية، وسيتم في الأسابيع المقبلة، عقد اتفاق ثنائي بين الإمارات وإسرائيل، ليفتح آفاقاً جديدة من التعاون بين البلدين، ويرى الحوسني أن الاتفاق سيعمل على تخفيف التوتر في المنطقة، وسيوجد طاقة جديدة وتغييراً إيجابياً في العلاقة الإسرائيلية العربية، مضيفاً أن مآلاته ستكون في صالح القضية الفلسطينية، خاصة أن من إرهاصاته الأولية أن إسرائيل ستعلق خططها لضم 30% من أراضي الضفة الغربية المحتلة، وذلك ما يُعد «إنجازاً دبلوماسياً»، كما وصفه وزير الدولة للشؤون الخارجية معالي الدكتور أنور قرقاش.
وأشار الحوسني إلى أن من شأن هذه العلاقة أن ترسم مساراً جديداً يفتح المجال لإمكانات كبيرة في المنطقة ستضم الإمارات والولايات المتحدة وإسرائيل، لإطلاق أجندة استراتيجية للشرق الأوسط لتوسيع التعاون الدبلوماسي والتجاري والأمني، وسيؤدي إلى حياة أفضل لشعوب المنطقة، وإيجاد حل عادل وشامل ودائم للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وأكد الحوسني أن هذا الاتفاق خطوة مهمة لبناء شرق أوسط أكثر سلاماً وأمناً ورخاءً، وسيشكل حقبة جديدة في العلاقات العربية الإسرائيلية.

تحريك عملية السلام
وقرار الإمارات -يؤكد الحوسني- كان مدروساً بدقة في جميع جوانبه، ولاقى ترحيباً خارجياً عربياً ودولياً، واستحساناً في أوساط إعلامية وسياسية في الشارع الإسرائيلي، ما دعا بعضهم إلى مطالبة نتينياهو باستغلال الفرصة مع دولة الإمارات في تحريك فرص السلام، والمأمول أن تتمكن الإمارات من إقناع الإسرائيليين، بأن يكون «السلام مقابل الأرض»!
إن الإمارات ترى أن رؤية التطورات الدولية، تتطلب تعاوناً بين دول الإقليم لمواجهة التحديات بما فيها الإرهاب، الذي ترعاه دول لها مصالح في خلق الفوضى، وعدم الاستقرار في المنطقة.
ولفت الحوسني الانتباه إلى أن اللغط الدائر في أوساط المزايدين من دول مناوئة للسلام في المنطقة، لم يعد بضاعة رائجة، وخاصة أن من يروج له أناس اعتادوا التلاعب بعواطف الشعوب، من خلال رفع شعارات خاوية، تحاول أن تجد لها مقعداً في المقدمة، ولكن المقدمة محجوزة للذين يبنون ويبتكرون ويصنعون السلام بشجاعة، ويقدمون للبشرية والإنسانية ما ينفعها من خير وأمن وسلام.

نحن مع قيادتنا
وأكد د. سالم حميد، رئيس مركز المزماة للدراسات والبحوث، أن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل خطوة شجاعة، تجعلنا نقف باعتزاز مع قيادتنا الرشيدة، طالما انتظرناها على مدى العقود الماضية، وحسب حميد، فإنه بالنظر إلى التقلبات الحاصلة حالياً في منطقة الشرق الأوسط، فإنها تجعلنا نعيد النظر مجدداً في علاقتنا مع دولة إسرائيل، فعدم إقامة علاقات معها لا يساعد القضية الفلسطينية بل يؤخر حلها، خاصة مع وجود متاجرين بهذه القضية، وكوّنوا ثروات مهولة، ولا يزالون يماطلون ويماطلون دون أي تقدم، ما يجعلنا نحن الخليجيين نعيد النظر مجدداً في التعامل مع هذه القضية، ومن المهم التركيز على أن الاتفاق الإماراتي أوقف ضم إسرائيل أراضي فلسطينية جديدة في الضفة الغربية، فما بالكم بالمستقبل المبشر بالخير للفلسطينيين أولاً.
ولفت حميد الانتباه إلى أن دولاً عربية سبقتنا في إقامة علاقات مع إسرائيل، فمصر مثلاً استعادت صحراء سيناء بالكامل، من خلال المفاوضات والعلاقات، وكان بإمكان حافظ الأسد تطبيق الأمر ذاته في التوقيت نفسه مع مصر لاستعادة الجولان بالكامل، ولكنه لم يفعل والنتيجة الآن رفض إسرائيل القاطع والنهائي لعودة الجولان للحضن السوري، فالسياسة لا تعرف لغة العاطفة، بل لغة المصالح وتبادل المنفعة.
وقال حميد: ربما يبدي البعض امتعاضهم من الخطوة الإماراتية، والسبب يعود إلى أن الماكينة الإعلامية العربية ظلت على مدى أكثر من 70 سنة، تلقن العقلية العربية بمفاهيم لا تساعد على إيجاد الحلول المرضية لكل الأطراف، ولهم عذرهم ذلك الوقت، فأغلب الدول العربية كانت للتو حصلت على استقلالها من الاحتلالين البريطاني والفرنسي، وكان ينقص أغلبها الدهاء السياسي، وقد حان الوقت -حسب حميد- لاتخاذ القرارات الصابئة، فالإمارات كدولة متقدمة ورائدة في المنطقة، وضعت على عاتقها حماية مصالح جميع العرب قبل مصلحتها، وليس من المستبعد أن تسير دول أخرى في المنطقة على خطى الإمارات، وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله: «التاريخ يكتبه الرجال والسلام يصنعه الشجعان»، فهذا تأكيد على أن الإمارات دولة سلام ومحبة للجميع. 

خطوة أولى على الطريق
ويرى الكاتب والباحث السعودي عبدالله الثبيتي العتيبي، أنه منذ أربعينيات القرن الماضي والقضية الفلسطينية رهينة لذوي المصالح الخاصة، وكثير من الجماعات الفلسطينية ظلت لعقود تعطل السلام الشامل مع إسرائيل؛ لأن في ذلك إلغاء لوجودها المستقبلي، وعلى حد قول العتيبي: كلما لاح في الأفق حل يقرّب المواطن الفلسطيني، أكثر من حلمه في إقامة دولته المستقلة، تدخلت بعض العناصر الفلسطينية، وأوقفت عملية التقدم باتجاه السلام. لماذا؟ لأن إقامة دولة فلسطينية مستقلة سيُبعد الكثير من «الزعماء الكلاميين» عن المشهد، وبالتالي سيفقدون حظوظهم من الثروة والشهرة والأتباع! مصالح شخصية ضيقة، وأنانية لا أكثر! ويمكن لأي راصد بنظرة دائرية صغيرة على مسطح السبعين عاماً الماضية، أن يتبيَّـن كيف فرط بعض الفلسطينيين (الذين لا يلبسون جبّة المواطن الفلسطيني بالطبع) في فرص تاريخية، كانت ستصنع وجوداً فلسطينياً حقيقياً على أرض الواقع.
ويرى الثبيتي، أن إيران التي لا تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، حرصت كذلك أن تُبقي هذا الجرح مفتوحاً، لأنه يدعم خطها الثوري في المنطقة، ويساعدها في اختراق المنظومة العربية بحجة دعم «المظلومية الفلسطينية»، ويعتقد الإيرانيون أن حل القضية الفلسطينية سينتزع منهم أهم الأدوات، التي طالما استخدموها في تخدير بعض المخدوعين العرب، ولذلك كانوا حريصين على الدوام على أن يُضعفوا الموقف الفلسطيني المواجه لإسرائيل من خلال استخدام «حركة حماس» كمعول هدم للإرادة الكلية الفلسطينية.
وحسب العتيبي، فإن تركيا تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وتسعى للتكامل معها من جانب، دون الدخول في مفاوضات صعبة ومكلفة لإحقاق الحق الفلسطيني، وتقوم بمغازلة الشعوب العربية، من جانب آخر، بقصد اختراقها و«تتريكها»، من خلال تغريدات الرئيس أردوغان على موقع «تويتر» المكتوبة باللغة العربية فقط، والتي تهاجم إسرائيل وتتحسر على القدس الضائع!
والدولتان العربيتان -حسب الثبيتي- اللتان تقيمان علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في الوقت الحالي مصر والأردن، تبذلان مجهودات عظيمة في حل القضية الفلسطينية، ولهما إنجازات كبيرة في هذا الصدد، ولكنهما تظلان مقيدتين بتشارك الحدود مع إسرائيل، وما يتبع ذلك من تداخل المصالح الفلسطينية مع مصالحهما الخاصة.

مبادرة بلا مصالح خاصة
وعلى حد قول الثبيتي، هناك دولة خليجية صغيرة تقوم بالانفتاح على إسرائيل في السياسة، بينما تقوم بالانغلاق عليها في الإعلام، وذلك خدمة لمشاريع رعاتها من «الإخوان» الذين يخدمون مواقف تركيا وإيران، ما يمثل ازدواجية مؤسفة وواقعاً مظلماً لما تعيشه تلك الدولة، التي فقدت اتزانها وقرارها السيادي على حد سواء.
تحت سماء هذا الواقع المرتبك، يقول الثبيتي: تأتي الإمارات من المناطق المفتوحة، حاملة بيديها حلولاً معزولة عن المصالح الخاصة، لا مشاريع خاصة لها مثل تركيا وإيران، وليست مقيدة بالحدود مثل مصر والأردن، وليست مجبرة بالطبع على إدخال الجماعات الفلسطينية المنتهية صلاحيتها، كوسيط!، تأتي الإمارات بلا ضغوط سياسية أو جغرافية لتخرج القضية الفلسطينية من الظلام إلى النور.
وأكد العتيبي، أن التاريخ لا تصنعه الشعارات، ولا الحملات الإعلامية الموجهة، التاريخ يُصنع بيد المبادرين غير المُثقلين بأحمال وهمية وتبعات لا وجود لها إلا في عقول المأزومين والمهزومين.
 
تعزيز السلام والاستقرار
ومن جانبه، أشار إبراهيم غرايبة الكاتب والباحث الأردني، إلى أن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل، التي أعلن عنها في بيان مشترك للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة، خطوة جديدة يؤمل أن تعزز السلام والاستقرار في المنطقة، بعد مرحلة طويلة من الركود والانسداد. ويرى غرايبة أن الإعلان عن المعاهدة أورد الأطر الأساسية لها على نحو يعزز الآمال والمطالب، التي قامت عليها محادثات السلام والتسويات والاتفاقيات السياسية في هذا المجال، ومنذ بدأتها مصر قبل أربعين عاماً، ثم السلطة الفلسطينية والأردن قبل خمسة وعشرين عاماً، وكانت تحاول برغم ما اكتنفها من صعوبات أن تتوصل إلى حالة من السلام والاستقرار يعود على جميع شعوب ودول المنطقة على السواء، فليس الجمود أو الانسداد السياسي القائم مصلحة عربية أو فلسطينية.
وبالطبع -حسب غرايبة- تعمل المعاهدة على تحريك العمل المشترك لأجل تسوية سياسية عادلة واتفاقات مشتركة في المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والسياحية والثقافية، كما الطاقة والصحة والبيئة، صحيح أن هذا ليس مشروعاً سهلاً، لكن لا مناص من الدخول في العمل والمحاولات، فالاقتصاد والعمل لأجل الحياة الأفضل، يشكل أساس الدبلوماسية الكونية للاستقرار، أو هو هدية للناس، ليكون في مقدورهم تجاوز الكراهية والحروب والصراعات.
ويرى غرايبة أننا لا نملك إزاء التغيرات والأحداث الكبرى، التي تجري وتؤثر على واقعنا ومستقبلنا أن نظل نتفرج بسلبية وحياد، ولا خيار لنا في الانتظار وترك المستقبل والمصالح الكبرى للمصادفات أو الحظوظ، فالوظيفة الأساسية للدول والقيادات السياسية، أن تبحث عن الفرص والممكنات التي تحسن الظروف أو تقلل الصعوبات والتحديات، وإنْ كانت ثمة مصلحة اقتصادية للأمم والمجتمعات، تركت خوفاً من الأجواء النفسية والإعلامية غير الصحية، فإن ذلك تقصير بحق الأوطان والأجيال، وحين تفشل الدول والقيادات في تحويل الظروف والواقع المحيط إلى مكاسب سياسية واقتصادية، يعزلها عن العالم المحيط، فالعالم ليس مشغولاً بنا إلى درجة الانتظار حتى نندمج فيه، وإن أخرجنا أنفسنا من العالم لن نكون قادرين على التأثير فيه. وحسب غرايبة، ليس منتظراً من الولايات المتحدة وإسرائيل، كما العالم أيضاً، أن يحملوا آمالنا وأفكارنا ومصالحنا، ولا أن يعملوا لأجلنا كما نريد نحن، ولكن في مقدورنا أن نحمل مصالحنا وآمالنا إلى «اللعبة» القائمة، وأن نكون لاعباً مؤثراً فيها.

يستند لاتفاقيات الصلح في العصر النبوي.. قرار حكـيم ينطلق من مبادئ الشرع 
لقد عَقَدَ النبي صلى الله عليه وسلم اتفاقيات سلام ومعاهدات صلح مع غير المسلمين، على اختلاف طوائفهم، فكان منهم عبدة أوثان، وأهلُ كتاب، وأقام معهم علاقات ثنائية، تعزيزاً للاستقرار، وحفظاً للأنفس، وحقناً للدماء، وتحقيقاً للمصالح الكبرى للمسلمين، السياسية والاقتصادية وغيرها.
وضرب عليه الصلاة والسلام أروع الأمثلة في الالتزام بهذه العهود والوفاء بها، وسار على هذا الهدي النبوي الشريف، الخلفاء الراشدون ومن بعدهم، وعقد الفقهاء -على اختلاف مذاهبهم الفقهية- أبواباً خاصة بعقد الأمان، وبينوا أن ذلك من اختصاص ولي الأمر، ومن الصلاحيات الحصرية والسيادية المنوطة به، وأنه يجوز له إبرام الصلح بحسب المصلحة التي يراها، حتى قال أبو الطيب الطبري: «إن اختار الإمام عقد الأمان لأهل بلد جاز له ذلك، وإن أراد أن يعقد الأمان لأهل إقليم جاز له ذلك، وإن أراد أن يعقد الأمان لجميع الكفار في سائر الدنيا جاز له ذلك».
إن السيرة النبوية الشريفة زاخرة بالكثير من المعاهدات السلمية التي عقدها النبي صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين، وما ترتب عليها من نتائج عظيمة.
ونورد هنا ثلاثة نماذج من ذلك، على سبيل المثال:
 أولاً: معاهدات الصلح مع يهود المدينة: عَقَدَ النبي صلى الله عليه وسلم معاهدات صلح مع يهود المدينة بعد هجرته إليها، وذلك باتفاق علماء السير. قال الإمام الشافعي، رحمه الله: «لم أعلم مخالفاً من أهل العلم بالسير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بالمدينة وادع اليهود كافة». 
وكان صلى الله عليه وسلم واسع الصدر، عظيم الحلم، رفيق الجانب في التعامل معهم، ملتزماً بأعلى القيم الأخلاقية، حتى في الرد على الإساءات التي تصدر من بعضهم.
فعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليكم، قالت عائشة: ففهمتها، فقلت: وعليكم السام واللعنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مهلاً يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله»، فقلت: يا رسول الله، أولم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد قلت: وعليكم» متفق عليه.
وكان لهذه المعاهدات أكبر الأثر في تعزيز السلم والاستقرار والتعايش في المدينة النبوية، وتحقيق المصالح الكبرى المتنوعة للمسلمين، وتعزيز قدرتهم على مواجهة التحديات التي كانت تحيط بهم.
ثانياً: صلح الحديبية، هو صلح عقده النبي صلى الله عليه وسلم مع مشركي مكة، وهم عبدة أوثان، في شهر ذي القعدة من العام السادس للهجرة، وصفه الله تعالى في القرآن الكريم بالفتح المبين، وقال محمد بن شهاب الزُّهري: «لم يكن في الإسلام فتحٌ قبل فتح الحديبية أعظم منه».
وبيَّـن أهل العلم فضائل هذا الصلح العظيم، والنتائج المثمرة الكبيرة التي ترتَّبت عليه.
قال ابن القيم: «كانت هذه الهدنة من أعظم الفتوح، فإن الناس أمن بعضهم بعضاً، واختلط المسلمون بالكفار، وبادؤوهم بالدعوة، وأسمعوهم القرآن، وناظروهم على الإسلام جهرةً آمنين، وظهر من كان مختفياً بالإسلام، ودخل فيه في مدة الهدنة من شاء الله أن يدخل، ولهذا سماه الله فتحاً مبيناً».
وذكر أهل السِّيرَ أنه أسلم في تلك السنين من غير المسلمين أكثر مما أسلم قبل ذلك.
ومن الفوائد التي استنبطها العلماء من هذا الصلح المبارك:
- يجوز لولي الأمر أن يعقد الصلح مع غير المسلمين لتحقيق المصالح الكبرى، وإنْ كان لا يظهر ذلك لبعض الناس في بادئ الأمر (شرح النووي على مسلم 12/‏‏‏ 135). 
- يجوز لولي الأمر الابتداء بطلب الصلح من غير المسلمين، إذا رأى المصلحة في ذلك، ولا يتوقف ذلك على أن يكون ابتداء الطلب منهم (زاد المعاد 3/‏‏‏ 270).
- يجوز لولي الأمر إجابة غير المسلمين إذا طلبوا أمراً يُعَظِّمُون فيه حرمة من حرمات الله تعالى، وإعانتهم عليه، وإن منعوا غيره، فكل من التمس المعاونة على محبوب لله تعالى أجيب إلى ذلك، كائناً من كان، ما لم يترتب على ذلك مبغوض لله أعظم منه، قال ابن القيم بعد أن ذكر هذه الفائدة: «وهذا من أدق المواضع وأصعبها وأشقها على النفوس» (زاد المعاد 3/‏‏‏ 269).
ثالثاً: المعاهدة مع نصارى نجران.
هي معاهدة أبرمها النبي صلى الله عليه وسلم مع نصارى نجران في العام التاسع الهجري، بعد عودته من تبوك، كما ذكر ذلك أهل السير، وترتب على ذلك تحقيق مصالح عظيمة، منها تأليف أهل نجران واستمالتهم، وتأمين الدولة من الأخطار التي كانت تحدق بها، وقطع الطريق أمام القوى المعادية لكسب حلفاء ضد المسلمين.
 نماذج المعاهدات السلمية والعلاقات الثنائية في العصر النبوي كثيرة، تصب في تحقيق المصالح الكبرى للمسلمين، وقد شملت هذه المعاهدات والعلاقات قبائل وطوائف كثيرة، منهم عبدة أوثان، وأهل كتاب، وتجاوزت حدود النظرة الضيقة والعاطفة القاصرة، وتميزت بالنظرة الواسعة، وتغليب لغة العقل والحكمة والمنطق السياسي الرشيد.
ولقد سارت على هذا النهج النبوي المشرق دولة الإمارات العربية المتحدة، فحرصت على تعزيز السلام والاستقرار وتحقيق المصالح العليا للأمة العربية والإسلامية، ومن الأمثلة على ذلك معاهدة السلام بين دولة الإمارات وإسرائيل، والتي تم بموجبها حماية الأراضي الفلسطينية ووقف ضمها وتعزيز فرص السلام في المنطقة.
إن هذا القرار التاريخي الحكيم الذي ينطلق من أسس سيادية ومن مبادئ الشرع والعقل والحكمة، ليبين الجهود المميزة لدولة الإمارات في تحقيق المصالح العليا، وتعزيز الاستقرار في المنطقة، وحماية حقوق الأمة، وتعزيز دورها الريادي والحضاري، عبر المواقف العملية البنَّاءة المثمرة، ليكون إنجازاً يضاف إلى سجل الإنجازات المشرقة لدور الإمارات في كافة الميادين والصُّعُد.
أحمد محمد الشحي*

*عضو مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©