الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبد الله الغذامي يكتب: كيف نقرأ 2020 ؟

د. عبد الله الغذامي يكتب: كيف نقرأ 2020 ؟
9 يناير 2021 00:25

هل 2020 عام سلبي حقاً، أم له وجوه أخرى فيها نبتت أسئلة عميقة في معنى أن نفقد رفاهيتنا، وأن نتبصر بمحيطنا الصغير، ذاك المحيط الذي أخذنا اللهاث بعيداً عنه وفي لحظة وجدنا أنفسنا مقيدين وبقبول تامَ منا فتنازلنا عن حرياتنا لنكسب أماننا الخاص، وهذا التنازل عن الحرية يحيلنا لمقولة لاكريه: «لقد تنازلنا عن حرياتٍ كثيرة لكي نكون أحراراً»، وفي حالنا هذه تنازلنا عن حريات كثيرة لكي نظل أحياءً، وهكذا في موجة واحدة أصبحت البشرية كلها تبحث عن الأمان وتحولت الأخبار العالمية لتصبح مجرد أرقام يغلب عليها اللون الأحمر، وتبدت العقول في حال عجز تام وتعطلت المعاني التي كانت تسود لتحل محلها معانٍ أخرى، وأهمها هو معنى أن تعيش .. فقط أن تعيش وكأنما دخلنا في مختبر روحي نمتحن فيه معانينا.
ولسوف تتمحور المعاني عبر ثلاث علامات دلالية وجوهرية هي علامة الفضاء المكاني المتمثل بمسافة مترين فقط وهما مساحة الأمان المنشود، ويلزمك أن تباعد بينك وبين الناس في أي احتكاك معهم لكي تبقى على مساحة تأمن فيها على نفسك وعليهم، والطرفان معاً أنت والذي حولك أصبحتما مصدر خطر مشترك، وفي هذه المسافة يتم ضمان خط الدفاع الذي سيتعزز مع كمامة صغيرة بسيطة الصنع ورخيصة السعر تضعها على وجهك لتحميك من الهواء الآتي نحوك، وهذه هي العلامة الثانية لهذه المرحلة المتغيرة، وثالث العلامات هي الأجهزة التواصلية التي يكفي أن نتصور قيمتها بأن تفترض كيف ستكون حالنا كلنا لو جاءت الجائحة في زمن ليس فيه أنظمة تواصل اجتماعية كالتي هي عندنا اليوم مما جعل الأجهزة جزءاً من العائلة المنزلية التي تربطنا بالوجود العملي والوجداني، وعدلت من مفهوم المسافة ومعنى الفضاء الاجتماعي، واتحدت الأجيال كبيرها المتعود على التقاليد المتوارثة، وصغيرها المنفتح على زمن الأجهزة فاتحد الاثنان على جهاز واحد بين معلم وتلميذ يجمعهما فكراً ومشاعر وتفاهماً مباشراً، وهنا يكتشف الإنسان بعض معانيه حين يرى دولة عظمى وبجوارها في خرائط الجغرافيا دولة صغرى فقيرة وضعيفة حسب قانون القوة ثم فجأة تساوى الطرفان في الضعف وفي الخوف معاً.
هنا يعود النظام الذهني للأشياء والحكمة ستكون عبر أسئلة الجدوى الجوهرية لمعنى الرفاهية عند الإنسان، وهل يترفه بما هو مضر لصحته أم يحتاج للبحث عن شرط للترفه الآمن، وهل كنا قد أدمنا الغفلة عن أنفسنا لدرجات صرنا معها نعمل ونتصرف ضد وجودنا الآمن من حيث صناعتنا للحروب وصناعتنا للتلوث البيئي، وهل التكنولوجيا تستطيع حل مشاكل البشر، وفي هذه الجائحة نفعتنا التكنولوجيا، لكن هذا النافع قد يضر أيضاً، وهنا يحضر التساؤل الأهم وهو هل للبشر أن يتعلموا الدرس فيشرعوا بالتفريق بين الضار والنافع، وثنائية الضار والنافع لن تكون أنانية كما هو التصور الظالم الذي يستخدم العلم ليصنع منه سلاحاً يحميه عبر تدمير خصمه، وبما أن الجائحة ساوت بين الكبير والصغير وتساوى العدو والصديق فيها دون تفريق فهذا هو المعنى العميق والأخلاقي في أن الضرر الكوني لا يستثني أحداً مما يتطلب إعادة النظر في قيم التعامل بين الإنسان والإنسان، وكذلك بين الدول والكيانات، وكلنا في الجوائح في سفينة واحدة فهل نكون في سفينة واحدة حين المنافع...؟ وليس لنا إلا أن نفكر دوماً تحت مظلة هذا المعنى. ولقد تلقت البشرية درساً بالغاً للتبصر بمعاني الحياة والأمن المعيشي للناس وللبيئة وبمثل ما تواجه البشر مع مخاوفهم وإحباطاتهم وقلقهم، فقد تواصلوا مع آمالهم وتطلعاتهم لتجاوز المأزق الخانق، وتسيد الأطباء الواجهة الإعلامية حتى أصبح الفضاء كله قاعة محاضرات في الثقافة الصحية والوقاية الأولية، ولا يمل الناس عن سماع عن أي قول طبي حتى الشائعات الطبية وجدت آذاناً للسماع والنفاذ، وتغير المصطلح الثقافي في الخطاب العام ليصبح طبياً وصحياً حسب المعنى الوقائي، حيث خضع البشر للداء وكل ما بيدهم هو البحث عن تلافي الاعتلال القاتل، وهنا يتقلص الإنسان ليكتفي بشرط السلامة وينصاع لأي معلومة مع أو ضد فكرة السلامة وتلاشت العقلانية لتحل محلها حالة التصديق بمعنييه الإيجابي والسلبي معاً، فأصبح الإنسان في قرنه الحادي والعشرين يصدق الشائعة حين يكون فيها بصيص من أمان، أي أمان ولو كان وهمياً، وهذه بمجملها دروس كونية تمتحن قوى الإنسان الخاصة والعامة وتجعله يعيد تقييمه لمعاني الحياة والوجود.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©