السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الناقد البحريني فهد حسين لـ «الاتحاد»: الإغراء الروائي دفع بعض الكُتّاب الشباب إلى «الاستسهال»

فهد حسين
17 يونيو 2021 03:01

سعد عبد الراضي

الموروث الأدبي لدول الخليج العربي، حافل بمشاهد متأصلة وموصولة بمختلف الأجناس الأدبية نشأة وتطوراً، بل إنه يمتاز بخصوصيته النابعة من حفاظ أهل الخليج على كل ما ينتمي إلى هويتهم العربية الأصيلة، بالإضافة إلى الترقي الحداثي المشهود الذي لا ينفك عن ارتباطهم بماضيهم واحتفاظهم بروابطه، ولأنّ الرواية أصبحت في العصر الحديث جنساً أدبياً ذا إشعاع له محبوه ومريدوه، أردنا أن نرصد مشهد الرواية الخليجية رصداً نقدياً، نستطيع أن نحدد من خلاله موقعها، ونقف على أرضها الخصبة، فنرى أشجارها الوارفة، ونتخيل شكل الأشجار التي ما زالت تشاكس الماء، لتكبر وتعانق الهواء والفضاء، ومن النقاد الخليجيين الذين يسعون دائماً إلى التحقق والدقة عندما يرصدون نصاً روائياً، الناقد البحريني الدكتور فهد حسين الذي كان لنا معه هذا الحوار..

ما رأيك في الرواية الخليجية، قديماً وحديثاً، ومدى تطورها في البناء السردي والموضوعات التي تتناولها؟.
الحديث عن الرواية الخليجية، يعني الذهاب إلى نحو أكثر من سبعين عاماً، تلك الفترة التي بدأت فيها إرهاصات الكتابة الروائية في الخليج منبثقة من بعض كتاب القصة آنذاك، وقد تباينت فترة ظهور الرواية بين دولة وأخرى، بمعنى أن البدايات كانت منطلقة منذ الثلث الأول من القرن الماضي، وحتى اليوم، ولكن عبر مسيرة مملوءة بالعقبات والعراقيل والإحباطات والنظرة السلبية أحياناً من قبل الآخر. والرواية بدأت في السعودية مع عبدالقدوس الأنصاري بروايته (التوأمان) في عام 1930، ثم في عام 1948 أصدر أحمد السباعي رواية بعنوان (فكرة)، وجاءت بعدها أعمال أخرى مثل أعمال سميرة خاشقجي، وهدى الرشيد، في الخمسينيات.
أما في الكويت فكانت أول رواية (آلام صديق) لفرحان راشد فرحان عام 1948، وفي عمان يعتبر عبدالله الطائي أول من كتب الرواية، وفي الإمارات كانت رواية (شاهندة) لراشد عبدالله النعيمي عام 1970، وفي البحرين جاءت (ذكريات على الرمال) عام 1966 لفؤاد عبيد، وفي التسعينيات بدأت الرواية القطرية بالظهور، ولأن المقام لا يسع للحديث عن تاريخانية الرواية تفصيلاً، لذلك نكتفي بهذا، ونقف عند مسيرتها، وموضوعاتها ومكانتها إقليمياً وعربياً.
ومع مرور الوقت، والتطور الذي حدث في المنطقة على صُعُد مختلفة، وتطور الكُتّاب، وتطلعهم الثقافي والمعرفي، بدأت علامات اتقان مكوّنات الكتابة السردية تدريجياً، ومعرفة الموضوعات التي ينبغي طرحها ومناقشتها، فاستطاعت أن تكون واضحة للعيان بكل قدرة وإمكانية فنية وجمالية، ومعروفة بين الأجيال والكتاب والنقاد على مستوى الوطن العربي، بل صار لها وجود تنافسي مع مثيلاتها من الروايات العربية التي تشارك بالمهرجانات والدخول في المسابقات والجوائز، ما فرض على دور النشر العربية التسابق على كتابها لنشر أعمالهم السردية، ومن هنا لا نغالي إذا قلنا إن هناك نمواً سردياً ملحوظاً بشكل عام، وروائياً بشكل خاص. وهناك ازدهار ملحوظ في هذا المنجز الذي جعل بعض المؤسسات الثقافية في الخليج تؤسس جوائز معينة وسخية لهذا الفن، ما حفز العديد من كتاب العالم العربي على التنافس والتسابق على مثل هذه الجوائز سنوياً.

هل تأثر النتاج الروائي بأزمة كورونا التي يشهدها العالم في الآونة الأخيرة؟.
لا شك أن الكوارث والجوائح والأوبئة لعبت دورين مختلفين حينما تسلط جبروتها على مكان ما، والتاريخ كشف ما خلّفه مرض الكوليرا، والطاعون والجدري، وكذلك الكوارث من فيضانات وزلازل وبراكين وحرائق، ولكن هل يقف العالم يشاهد فقط، أم أن عليه معالجة ذلك بالطرق التي يراها كل بحسب مجاله وتخصصه؟، وكلنا يعلم أن هزيمة العرب في حرب 1967، وما حل بالمشروع القومي ومقومات العروبة والوحدة العربية التي باتت عند الكثير من الناس في العالم العربي مترجرجة، لذلك توجّه الفن والأدب لمعالجة هذه القضية وتداعيات الانهيار، فظهرت لنا النصوص الشعرية والأعمال القصصية والروائية والأفلام والمسرحيات وبخاصة في مصر، في محاولة لإرجاع الثقة للإنسان العربي بعالمه ومكتسباته. وهكذا الآن في وقتنا الآني، وفي انتشار جائحة كورونا التي لم تقف عند منطقة معينة أو بلد واحد، وإنما اجتاح الوباء كل الكرة الأرضية، غير أن الأدباء والكتاب والصحفيين والمثقفين سعوا -أو بعضهم- إلى معالجة البعد النفسي والعاطفي وتلك الانهيارات التي كانت ولا تزال تواكب الجائحة بإعداد أعمال تتوافق وما نحن فيه، فقد نحج القاص والروائي الكويتي طالب الرفاعي في إعداد كتاب بعنوان «لون الغد» عن كورونا من خلال رؤية الكاتب والمثقف العربي وكيف سيكون العالم بعد هذا الوباء. كما صدرت في البحرين رواية تناولت كورونا في الأشهر الثلاثة الأولى، بعنوان «حارس زهرة الأوركيدا»، وهناك عمل روائي بحريني آخر لا يزال مخطوطاً يتناول الجانب النفسي لدى الأفراد الذين يعيشون مع المصابين، وكيفية علاجهم، فضلاً عن بقية الكتاب الآخرين الذين لاشك أنهم كتبوا أو يكتبون وينتظرون الوقت المناسب لنشر ما كتبوا، بمعنى أنه مهما حاولنا الابتعاد عن موضوع الجائحة فهو يأتي إلينا، وطالما أن الكاتب، بصفة عامة، يبحث عن طرائق للخروج بأقل الخسائر بعد هذا الوباء، فهو يكتب وإن لم ينشر.

ما رأيك فيما يقال عن بعض المبدعين الشباب بأنهم وقعوا في فخ القصة الطويلة معتقدين أنها رواية؟.
قبل كل كتابة، هناك القراءة والاطلاع والمثابرة على البحث والتقصي، ومعرفة ماذا أريد من هذه الكتابة أو تلك، والشباب لدينا في منطقة الخليج ليسوا على مستوى واحد من الفهم والإدراك نحو فنون الكتابة وأجناسها، ولذلك ترى بعض الشباب يدهشك بمستوى كتابته ونتاجه الصادر عن وعي وثقافة واطلاع، ويرفض أن يقدم عملاً سطحياً، ولكن ثمة آخر لا يهمه ذلك، فقط يكتب ويصدر من أجل أن يشار إليه ويصفه الآخرون بأن كاتب، ولكن ماذا قدم؟ فهذا لا يهمه أبداً، لذلك يقع في العديد من الهفوات والمطبات النحوية والإملائية والتركيبية والبنائية، أما فهمه للنص فهذه مشكلة أخرى، إذ لعدم القراءة والاطلاع والبحث في أنواع الكتابة والحقول المعرفية يجعله كل هذا يقع في فخ الخلط بين القصة والرواية، بل هناك من يحاول أن يجمع أكثر من قصة لتكون رواية، دون معرفة أن هناك خيطاً رفيعاً يربط أحداث الرواية مع بعضها بعضاً، وإن كبر أو صغر حجم العمل فهذا أمر تقني يعتمد على موضوع النص، ومرجعياته وما يتطلبه من البحث، فهناك أعمال روائية قصيرة، ولكنها باتت من أهم الكتابات السردية عالمياً، مثل رواية «المسخ» لكافكا.

هل لك أن توضح كناقد، الفوارق بين القصة الطويلة والرواية؟ 
حينما كنا في المرحلة الجامعية درسنا القصة على ثلاثة أشكال، هي: القصة الطويلة، القصة القصيرة، الأقصوصة، وأعتقد أن التنصيف عندنا في عالمنا العربي جاء بناء على الارتباك لدى بعض النقاد، وبخاصة إذا لم يستطع التفريق بين القصة التي يصل عدد صفحاتها إلى أكثر من خمسين صفحة مثلاً، وبين الرواية القصيرة «نوفيلا»، وها نحن اليوم لا نسمع بالأقصوصة التي انتشر اسمها في الثمانينيات، وهنا أرى أنه لا يوجد تعريف جامع مانع للفنون الأدبية، وبخاصة أن العلوم الإنسانية تتغير فيها التعريفات بحسب الزمن والمكان والرؤية وثقافة المجتمع، وهذا يختلف عن قوانين العلوم البحتة، أو علوم الشبكة العنكبوتية، وحتى ما ينشر على هذه الشبكة من تعريف يبقى محصوراً بوجهة نظر صاحبه، ولهذا من المهم ماذا يريد الكاتب من نصه وكيف يصنفه تبعاً لمسيرة الزمن وتعدد الأمكنة والشخصيات والأحداث وغيرها، فربما أقرأ عملاً على أنه رواية، وأكتشف عدم انتسابه إلى هذا الجنس الأدبي، والعكس.

.. وهل أنت مع ما يردده الأكاديميون من أن المشهد يعج بالاستسهال في كتابة الرواية؟
هذه ظاهرة برزت على مستوى العالم العربي، ولكن صارت منتشرة للعيان في منطقة الخليج، والسبب يعود إلى الانبهار بعالم الرواية المغري لدى الكاتب والقارئ، ولذلك هناك أعداد من كتاب المنطقة دخلوا عالم الرواية، منهم علي الدميني، وغازي القصيبي، وتركي الحمد، ومعجب الزهراني، وخالد البسام، وعبدالله المدني، وخليفة العريفي، وغيرهم من الذين جاؤوا من حقول معرفية مختلفة. وأما الكتّاب الذين يمكن أن نطلق عليهم الجدد، فاستطاع البعض منهم أن يقف على أرض صلبة مبنية بترسانة ثقافية وأدبية، نتج عنها نص روائي ماتع ورصين. وهناك أيضاً من الكتاب الجدد الذين لا يعنيهم رأي النقاد أو المختصين، بقدر ما يهمهم كم من الأعمال يصدرون سنوياً، وربما تتفق مع هذه الظاهرة أو تختلف، فأنت وهو لكما الحق في اتخاذ موقف يؤمن به كل منكما، ومنا نحن القراء والكتاب، ولكن المسألة تكمن في آلية هذه الكتابات وهذا النتاج المتكرر الذي يتناول موضوعاً هنا وموضوعاً هناك، وكأن هذا الكاتب أو هذه الكاتبة في سباق مع الزمن، علماً بأن التأني في الكتابة والإصدار، والانتظار لمعرفة آراء المختصين لا معرفة القراء العاديين الذين يرون النص من خلال عالمه المكشوف والمسطح، ولا يهمهم الغوص في دهاليز مكنونات هذه الكتابة أو تلك، ومن هنا نرى الاستسهال من جهة، ومن جهة أخرى احتضان دور النشر التي لا تهتم إلا بالربح والانتشار، وليس الجودة والقيمة الفنية المقدمة من خلال هذه النصوص، والمشكلة الأكبر أن هناك من الكتاب الجدد، وبخاصة الشباب من يريد الكتابة والإصدار ويطالب القراء بقراءة عمله، وهو في الأصل لا يقرأ لأحد من الكتاب.

هل توافق على تسمية الروايات الصغيرة «بالتيك أواي» أو روايات الوجبات السريعة؟
لا أوافق أبداً، فإذا كانت هناك نصوص روائية قصيرة أو صغيرة، فهذا لا يعني التقليل من قيمتها الفنية أو الجمالية أو في تناول الموضوع وبنائه وتقنياته، بل هناك روايات يزيد عدد أوراقها على (300) صفحة، ولكن ليس فيها مادة ولا قيمة ولا جهد، وتتأسف لأنك ضيعت وقتاً في قراءتها، ولذلك فالقيمة ليست بعدد الصفحات، وإنما بجودة العمل، وقد قال النفري: كلما اتسعت الفكرة ضاقت العبارة. 

صف لنا رؤيتك لمستقبل الرواية في ظل كثرة الروايات والإقبال عليها من الشباب؟.
مشهد الرواية في المنطقة مرهون بمدى تطور آليات الكتابة وتحديثها، وروية الكاتب فيما يطرح من موضوعات وقضايا ومشكلات، وكلما تطورت أدوات الكاتب الفنية والأدائية باتت نصوصه أكثر تقدماً ورقياً، وعلى الشباب أن يقرأ ويبحث ويتقصى في أي موضوع يرغب الكتابة فيه وعنه، ومعالجة بعض مشكلاته.

ما هي مقومات الرواية الحقيقية المتكاملة التي تحبها كناقد وأكاديمي؟
أكرر ما أشرت إليه في سؤال سابق، بأن الكتابات الأدبية في وجهة نظري ليس لها تعريف جامع مانع، ولو طلب من خمسة شعراء مثلاً تعريف الشعر، فلن نجد تعريفاً واحداً عند هؤلاء الشعراء، وإنما سنقرأ خمسة تعريفات، أو خمس رؤى، وذلك وفقاً لما يتمتع به كل واحد من هؤلاء الخمسة من فكر ووعي واشتغال وتواصل ثقافي، واطلاع، وغيرها من هذه الأمور، ولذلك لا ينبغي محاصرة الكتابة الإبداعية بتعريف معين أو مقومات معينة، قد تتغير في أية لحظة.

روايات «الجيب»
بسؤال الدكتور فهد حسين عما يسمّى بروايات «الجيب»، خاصة مع انشغال الناس بالبصري والمسموع، أجاب قائلاً: روايات «الجيب» كانت موجودة منذ زمن بعيد، وكانت مصر سبّاقة في هذا الجانب، وفي الدول الغربية كانت ولا تزال تصدر أعمال أدبية وغير أدبية بقياس صغير، وفي البحرين لدينا بعض الكتاب أصدروا أعمالاً سردية بحجم صغير، وأعتقد أن في الإمارات دار نشر تهتم بهذا القياس، والهدف من وراء ذلك أن يكون الكتاب في يد القارئ أينما ذهب وحل وانتظر، وهو فعل إيجابي، ويخدم الحراك الثقافي عامة، والأدبي بصفة خاصة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©