الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مظلة شمسية.. وقصيدة

مظلة شمسية.. وقصيدة
8 يوليو 2021 01:20

محمد قنور

«هل لي أن أُحاكي حُسنكِ بِيوم صيفي؟»...
هكذا استهلّ شكسبير السوناتة 18، ممجداً قدوم الصيف، ومقارناً محبوبته بصفاء الجو ودفئه ووضوحه، ليعبرَ عن التأثير الخاص للصيف على الحياة ليس فقط من خلال العطل والأمسيات الطويلة ومشاهد المظلات في الشواطئ والخيّم في الجبال، بل حتى في الكلمة، إذ يلهمُ التغير الجوي الشعراء لإبداع قصائد تتماشى مع الحالة الطبيعية.
الشاعر، أثناء فعل الشعر، منذور بشتى التقلبات الجوية والتحولات الطبيعية على غرار الاجتماعية، ولو أن فصل الخريف هو الصديق الأول للشعراء، إلا أن لبقية الفصول أيضاً نكهتها ودورها الفعال في استمرارية الحياة وإنتاج الجمال، وبمناسبة حلول فصل الصيف، اخترنا ترجمة هذه الباقة الشعرية لشعراء معاصرين احتفوا بحرارة فصل الحصاد، حسنها وضررها، فنقرأ عن رمال ونباتات وكائنات الصيف وجوّه الساخن.

«حصيلة»
توني كونور (و. 1930)
متراخٍ على أريكة خشنة في ليلة صيف رطبة، 
أصغيت لكلاب خافتة، بلا هوادة تنبح مسرورة في أقصى الشارع
تحت راية النّصر، بنسورها البرونزية تفرد أجنحتها
ولا تحلّقُ على الجدران والشّرفات عاكسةً ضوء النجوم.
تنقلت أوهامي المتمهّـلة بين جثث غريبة على نجوم وخطوط رايتنا، 
حيث تفوح رائحةُ عرق وتنمل وعجز
وقد خدشت كتفي العارية لما مددت يدي لجعّة أخرى
مثل زعيم مرهقٍ يحلم بنظام عالمي جديد
وأفكارهُ خاملة في طقس ساخن.

«أكثر مما يكفي»
مارج بيرسي (و. 1936)
يفتحُ أول زنبق في يونيو فمه الأحمر
على طول الطريق الرملي، حيث نتنزّه، 
وتتسلقُ ورود القرنفل الأشجار المتعاقبة
وأزهار بيضاء ووردية، هيّنة وكثيفة
تحوّلُ المشهد إلى ضباب ملون.
تنشرُ شجرة القيقب أجمتها الناعمة بين الزهور
ويزهرُ العلّيق في الدغل.
إنه موسم الفرح عند النحلة
والأخضر لن يصير أكثر خضرة، 
بهذه الصفاوة والخصوبة والطراوة
نبات يسمو ببذوره القمحية إلى مهب الريح، 
لصنع نبيذ يونيو الطازج والوافر
وها نحن نتهادى على قارعة الطريق.

«الغرفة البيضاء»
تشارلز سيميك (و. 1938)
يصعب إثبات الواضح
وكثيرون يفضلون المبهمَ، 
وقد فعلت ذلك أيضاً
أصغيتُ إلى الأشجار كأن لديها سراً
وأوشكت على كشفه لي، لكنها امتنعت.
جاء الصيف، وصارت كل شجرة في شارعي شهرزاد 
وأضحت ليالي الخاصة جزءاً من وحشية سردها القصصي.
كنا ندخل بيوتاً مظلمة، 
المزيد من البيوت المظلمة كل يوم، تلك الصامتة والمهجورة.
وهناك شخص مغمض العينين في الطوابق العليا.
سلبني الخوف منه ومن الأعجوبة النوم.
«الحقيقة مكشوفة وباردة»، قالت المرأة
التي كانت ترتدي الأبيض دائماً، ولم تغادر غرفتها أبداً.
وأومأت الشمس إلى شيء أو شيئين
ممن نجوا من بأس الليلة الطويلة.
أبسط الأشياء صعبة في وضوحها، ولا تصدر ضوضاء.
وهذه هي الأيام التي يصفها الناس «مثالية».
تضمر الآلهة نفسها مثل دبابيس الشعر السوداء، 
ومرآة اليد، والمشط بسنّ مفقودة
لا! ليس هذا فقط، بل بعض الأشياء بلا عين ترفُّ، 
وها أنا صامتٌ أضطجع في ضوء ساطع، 
بينما الأشجار تنتظر قدومَ الليل.

«الصّيد في نهر سسكويهانا في يوليو»
بيلي كولينز (و. 1941)
لم أصطد قط في نهر «سسكويهانا»
ولا في أي نهر آخر، لا في يوليو ولا أي شهر آخر
وبصدقٍ، هل كان من دواعي سروري، 
لو من دواعي سروري، الصيد في سسكويهانا؟
من المرجح أن يُعثرَ عليّ في غرفة هادئة كهذه، 
مع لوحة لامرأة على الجدار وليمون في وعاء على الطاولة، 
محاولاً الإحساس بالصيد في سسكويهانا.
لا شك، هناك آخرون يصطادون في سسكويهانا، 
يجدفون باتجاه المنبع على قارب خشبي، 
مجاديف تَنزلقُ في الماء وتُرفعُ لتتقطّر في الضوء.
لكن الصيد في سسكويهانا فقط ما خلصت إليه
في ظهيرة أحد الأيام في متحف «فيلادلفيا»
عندما وازنت بيضة الوقت أمام لوحةٍ، 
بدا النهر يلتفُّ حول منعطف تحت سماء زرقاء يملؤها الغيم، 
وأشجار كثيفة على طول الضفتين، وزميل يحملُ منديلاً أحمر
يجثو في قارب صغير أخضر ومسطح القاع
قابضاً على الحبل الرقيق قرب السارية.
إطلاقاً، هذا شيء غير محتمل، 
أتذكر ما أتمتم به لنفسي وللشخص بجانبي.
حركت أطراف عيني ومضيت قدماً
إلى المشاهد الأميركية الأخرى:
أكوام التبن والماء الأبيض على الصخور، 
وواحد من الأرنب البنية
كان متحمساً جداً ويقظاً، 
تخيلتهُ يغادر الإطار فوراً.

«صيفٌ»
لويز غليك (و. 1943)
تذكَّر أيام سعادتنا الأولى، 
كم كنا متماسكين، وكم أذهلَنا الشغف، 
نستلقي طوال اليوم، ثم طوال الليل في السرير الضيق، 
هناك ننام، وهناك نتناول وجباتنا: كان الفصل صيفاً، 
وكل شيء قد نضج دفعة واحدة.
وفي حرارة شديدة اضطجعنا بلا غطاء.
تهب الريح لماماً لتنحني شجرة الصفصاف على النافذة.
لكننا كنا مفقودين بطريقة ما، ألم تشعر بذلك؟
أضحى السرير عوّامةً أشعرتني بالانجراف
بعيداً عن طبيعتنا، نحو مكان لم نكتشف فيه شيئاً.
أولاً الشمس ثم القمر في شظايا، وحجر قرب شجرة الصفصاف.
أشياء يمكن لأيّ شخص رؤيتها.
إلى أن أُغلقت العيون، ورويداً رويداً صارت الليالي باردة.
كأوراق شجرة الصفصاف المتدلّية التي اصفرت وسقطت.
وانبعثت منا عزلة غامضة، ولو أننا لم نتحدث عنها مطلقاً، 
ولا عن غياب وندم، فقد أبدعنا مرة أخرى
وكان باستطاعتنا استئناف الرحلة يا قريني.

«أغنية الصيف»
ويليام كارلوس ويليامز (1883-1963)
يبتسمُ القمر المتسكّع
ابتسامة ساخرة وواهنة
في لمعانه المبلل بالنّدى
وأنا في صباح صيفي، 
مفككٌ وغير مبالٍ بالنعاس
ابتسم ابتسامة متسكع، 
إذما ألزمتُ باقتناء قميصٍ
يحمل لونك وأضعُ ربطة عنق زرقاء كالسماء
فإلى أين سيأخذاني؟

«اهتزاز العشب»
يانيس ن. هارينغتون (و. 1956)
تعودُ إليّ أشباحي مساءً
مثل دجاج أحمر يتسلّلُ إلى فروع شجرة
أو إلى أقفاصه السلكية، زُقاء وزقاءٌ...
تحشرُ رؤوسها أسفل الأجنحة للنوم أخيراً.
يتراءى لي حقل العشب حيث استلقيت مرة، 
بين «أوماها ولينكولن». أعتقد أن الفصل كان صيفاً، 
للهواء رائحة خضراء، وصوالج خضراء تتأرجحُ
تتأرجح فوقي، وأنا مستلقية على عشب أخضر
مثل أفعى البراري لتدفئني الشمس.
في ماذا تفكر فتاة بمفردها؟ في حقل من العشب، تحت سماء ساطعة
مثل ثوب عيد الفصح، وسط ريح خضراء.
ربما لم أهز العشب. وكل ما يحدث باطلٌ.
ربما لم أنهض أبداً من الحقل الأخضر. وكل ما يحدث باطل.
ربما لم أقم بشيء أكثر من كتم أنفاس عميقة
قبل إفراغها في قصّةٍ: وكل ما يحدث باطلٌ.
ربما أصغيت إلى أنين الرّيح وارتجفت، 
وأنا أستدير، وأستديرُ وسط العشب
إلى أن صارت أهدابي خضراء

«نجوم الصيف»
كارل ساندبيرغ (1878-1967)
انحنِ لليلة نجوم الصيف مجدداً
إنك قريب من سماء نجوم الصيف، 
قريبٌ، ويمكن لرجل بذراع طويلة التقاط النجوم، 
التقاط ما يريده من وعاء السماء، 
قريبٌ جداً من نجوم الصيف، 
قريبٌ جداً من العزف، والعزف
وخاملٌ أثناء العزف الصاخب.

«أغنية ليوم صيفي»
سيلفيا بلاث (1932-1963)
أتنزّهُ عبر بركة وأراضٍ زراعية
حاملة حبي لبلدي، لمحتُ قطيع أبقار يتحرك
هياكلٌ بيضاء تمضي في طوافها اليومي، 
تشقُّ طريقاً على العشب الأخّاذ في المرعى.
كان الأثير صافياً للنظر: إلى أقصى درجة عالية في الزرقة
حيث تسرح الغيوم في وجهة لامعة، 
وعصافير القبّرة تمرحُ في نشاط صاخب، جاءت لتمجد حبّي.
سلبتني خبطة لمعان شمس الظهيرة قلبي
كما لو أني كنت ورقة خضراء مقلوبة
متوهجة بسبب عشقي الباهر كنار محتدمة.
وهكذا تبادلنا الحديث عن جمال طقس الأحد
تنزّهنا (وواصلنا التنزه في الخارج نتلقّى خبطات الشمس)
إلى أن جاء الليلُ برذاذهِ المنشر.

«يونيو»
جون أبدايك (1932-2009)

الشمس ثريةٌ
وبسرور تدفع أموالاً بساعات من ذهب، 
وأيّام من فضة وأسابيع خضراء مديدة
كأنها لن تنتهي.
وبعيداً عن المدرسة، إنه وقتنا لنقضيه
في دوري مصغر، نتسلى بالحَجْلة عند الينبوع
وبعد وجبة العشاء نلعب الغُمَّيْضَة.
فيما الضوء يطولُ كحلم يحدِثُ بُقعاً
كالذباب على القشدة.

«أغنية الصيف»
جورج باركر (1913-1991)
فكّرتُ في قلبي لأكتبَ ووجدتُ صحراءً.
وحالما نظرت مرة أخرى سمعت عواء
وتباهٍ في كل كلمة، وضبعٌ بائسٌ.
شمس الصيف العظيمة، شمس الصيف العظيمة، 
حيث الخسارة تحترقُ وتصير كنصب تذكاري، 
وأسفلَ مُلاءة السماء الباردة يضطجع عشاق من الأبدية
كأسماك الخفاش ينشرون القبلَ كبلوى

«ضوء يونيو» ريتشارد ويلبر (1921-2017)
صوتك، من موقع جلي في أيام يونيو، 
وصلني عبر النافذة.
كنتِ هناك ضوءٌ في طور التأليف، 
كما هو الحال أثناء التّحديق بِحيرةٍ
خلال صيف بلا ريب، ترتفع كل الأشياء
بوضوح إلى أن تبدو في الهواء مكشوفة.
حتى حبك لي تجلّى بسيطاً وخالصاً
مثل الكمثرى المقطوفة التي رميتِ لي
ووجهك مقروء كقشرتها المرقّطة والمخططة، 
يعِدُ دائماً بالنبيذ والنار المزركشة والحاسمة
مثل هبة بشرية.

«أمّي في أمسية أواخر الصيف»
مارك ستراند (1934-2014)
تدخلُ أمي البيتَ
وتتركُ الحقول بحجارتها العارية
تنجرف بسلام كمخلوقات صغيرة.
سينام الفأر الرشيق في الجهة المقابلةِ للبيت
وسيصعد الصرصار وحيداً إلى ألواح الشرفة البالية، 
ليكرّر خطابه الفريد والصاخب للبحر الذي يحافظ على مكانه
وللشاشات المهشمة، وللأثير، ولظلام بلا حد
لماذا على أمي الاستيقاظ؟
والأرض لم تعد بستاناً بعدُ، وعلى وشك أن تستديرَ.
والنجوم لم تعد أجراساً ترنُّ في الليل للشخص المنسيّ، 
فقد فات الأوان.

«شارع (بليكر)، صيفا» 
ديريك والكوت (1930-2017)
صيف النثر والليمون والعري والتراخي، 
بسبب العطالة الأبدية والعودة المتخيّلة، 
لمزامير نادرة وأقدام حافية، وغرفة نوم تسمّى أغسطس
حيث المُلاءات مبعثرة، وملح الأحد صوت الكمان!
ولمّا اقتحمُ أوقات الغسق الصيفية
في شهر أكورديون الشوارع
ورشاشات تلقي ماء على الغبار، 
تتجنبني الظّلال الصّغيرة.

«حرائق الصيف المتجددة»
ليس موراي (1938-2019)
سطحُ المراعي أسود
وكل ما تبقى دخان طافحُ، 
ينبعث من جروح حمراء قاتمة.
يحدُثُ بياض هذا القحط كلعبة على ملعب صلب.
وغالباً، الحطب الذي يطلق دخاناً
بقايا مواشٍ مقلوبة وثخينة
وجذوع الأشجار أفرانٌ ثائرةٌ
تُضرَبُ بمضخة يدوية طيلة يوم يمرّ بطيئاً.
وقبل الغسق، تقود عائلة قطيع أغنامها
في العراء عبر اللون الأصفر لراية «الأبورجينيين».

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©