السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عبدالحميد الأرقش: ثقافة التسامح.. الرهان الرابح

عبدالحميد الأرقش: ثقافة التسامح.. الرهان الرابح
15 يوليو 2021 01:10

ساسي جبيل

عبدالحميد الأرقش مؤرخ جامعي وأستاذ متميّز في جامعة منوبة بتونس، أسّس مخبر البحث في التراث الثقافي والطبيعي، وأسس لدراسات الماجستير والدكتوراه في مناهج التراث، ومثّل الدولة التونسية لدى لجنة التراث العالمي باليونسكو. وهو عضو باللجنة الدائمة للثقافة العربية بالألكسو.
عن التجربة الإماراتية النموذجية في التسامح والتعايش والتنوع، وبحوثه حول تعايش الأقليات، والتسامح اليوم في العالمين العربي والإسلامي، وعدد من المحاور الفكرية المهمة الأخرى، كان لـ«الاتحاد الثقافي» معه هذا اللقاء..

التجربة المتفردة
ما رأيكم في تجربة الإمارات في التعايش من خلال إحداث وزارة للتسامح؟
هي تجربة متميزة وريادية، خاصّة ونحن نواكب بلورة استراتيجية مبنية على رؤية استشرافية وسياسات عملية ومبادرات جسورة، فمختلف الفعاليات التي نراها في المجال الثقافي والفكري والفنّي مثلاً على طريق ترسيخ ثقافة التسامح لها أبعاد رمزية ستؤثر حتماً بطريقة إيجابية في ذهنية الشباب وفي وعيهم، وقد نجحت دولة الإمارات في دفع هذا التوجه التنويري النوعي، لأنّ المجتمع الإماراتي يتميز عن العديد من المجتمعات العربية والإسلامية الأخرى بعمق تنوعه وانفتاح أفقه الثقافي وحركيّته الدائمة في اتجاه مواكبة العصر والحداثة.
كما أن الثورة التقنية والاقتصادية التي تشهدها الإمارات مهدت للتطور الثقافي، فعندما ننظر إلى المكانة العالمية لمدن الإمارات نفهم أنها قد أخذت مكاناً متميزاً في المخيال الجمعي في العالم العربي وخارجه، ففي سبعينيات القرن الماضي، مثلاً، كان حلم الشباب المغاربي هو الرحلة إلى بيروت بعد باريس، أما اليوم فالرحلة إلى دبي، وغيرها من مدن الإمارات، أصبحت هي حلم الشباب العامل والمثقف حتى قبل باريس.

الأقليات والتعايش
نظراً إلى اشتغالكم، في كثير من دراساتكم وبحوثكم على الأقلّيات وعلى المهمّشين في المجتمع، فلابدّ أنّ مسألة التّسامح قد واجهتكم؟ فكيف تجلت لكم؟
درستُ طويلاً عالم الأقليات العرقية والدينية في المجتمعات المغاربية ما قبل الرأسمالية، واكتشفت شروط التعايش التي كانت متوفرة بين المجموعات البشرية المختلفة. وإن كانت هناك تراتبيّة اجتماعية حادّة وقاسية أحياناً، فإن التسامح مثّل السمة البارزة والرهان الرابح دائماً في السلوك مع الأقليات ولاسيما في عالم المدينة وبالخصوص المدن التجارية.
ومن أهم الاستنتاجات التي توصّلت إليها من خلال مجمل الأبحاث التاريخية التي أنجزتها، أو التي أشرفت عليها، أن المدّ الفكري التجديدي في الأقطار الإسلامية، الذي انطلق منذ منتصف القرن التاسع عشر، قد مهّدت له نهضة فكرية وسياسية كانت لمسألة التسامح والقبول بالاختلاف مكانة محورية فيها.
هل لك أن ترسم لنا صورة ولو مختصرة عن التّسامح في العالميْن العربيّ والإسلاميّ اليوم في ظل كل هذه الصراعات والتباينات القائمة الآن؟
فكرة التسامح والانفتاح على الآخر ارتبطت في عالمنا العربي والإسلامي بمرحلة النهضة واكتشاف الآخر ولاسيما عبر الغرب الذي مثل المرآة التي عكست أيضاً سلبياتنا.
ومثال ذلك في كتب الرحلة من رحلة الطهطاوي إلى باريس إلى رحلة خير الدين التونسي إلى أوروبا، وصولاً إلى رحلة طه حسين وما جلبه من باريس من أفكار جديدة. فالنّخب العربية هي التي تبنّت مبدأ التسامح وتغيير النظرة إلى الآخر للبحث عن البعد الإنساني المشترك. ولم يكن ذلك بمعزل عن موازين القوى التي تغيرت على صعيد عالمي.
غير أنه لابدّ أيضاً من الإقرار بالمأزق الحضاري الذي تعيشه اليوم أوطان عربية عديدة بسبب انتشار نزعات الانغلاق والانطواء لدى قطاعات من الشباب العربي عبر تفشي الإيديولوجيات والنزعات الهوويّة المتطرفة التي تغذّي رفض الآخر والتطرف وتؤسّس للعنف. فإمّا أن تنتصر ثقافة التسامح وتنتشر كبديل ثقافي متكامل أو نخرج من التاريخ. والشعوب التي تطمح لتعظيم فرص النجاح أمامها لابدّ أن تعي اتجاه التاريخ. فالعالم لم يعد مجالاً للصراعات الهامشية، بل صار مجالاً للتنافس النزيه والتعاون والإبداع. والعولمة المتسارعة لن تترك لنا مجالاً لمزيد من الانتظار.

الشباب والاندماج
* هل إنّ انغلاق كثير من شرائح الجالية العربيّة المسلمة، وخاصّة المغاربيّة منها، في فرنسا راجع إلى انخفاض منسوب التّسامح إزاء خصوصيّتهم الثّقافيّة؟
-المسألة معقدة ولا تحتمل التبسيط في رأيي. فحالة الانغلاق السلبية التي تشقّ صفوف الشباب المسلم في أوروبا هي نتيجة لفشل سياسات الإدماج بأبعادها المختلفة في المجتمعات الغربية. في حين نرى أيضاً، في المقابل، العديد من أبناء تلك الجاليات قد نجحوا في الاندماج والتألّق في تلك المجتمعات نفسها. وهناك بعد آخر، وهو بالأساس ثقافي بالمعنى الأنثروبولوجي للمفهوم. فالمجتمعات الأوروبية تشهد انتقالاً نحو حالة من التنوع العرقي الثقافي. ولست أتحدّث هنا عن الدين كمعتقد، بل الانتماء الثقافي للدين. فالإسلام الأوروبي هو ظاهرة حديثة نسبياً في أوروبا الغربية، غير أن تلك المجتمعات لم تستوعب ذلك التنوع وتغير سلوكها وسياساتها الثقافية والاجتماعية بصفة تعكس هذا التنوع وتسمح لكل التعبيرات الثقافية بالتعايش في انسجام. وفي اعتقادي أن مفهوم العلمانية اللائكية في فرنسا لم يتطور ليتكيّف مع الأوضاع الجديدة. ففي بداية القرن العشرين مثلت اللائكية حلاً سياسياً وثقافياً لفكّ الارتباط نهائياً بين الكنيسة والسياسة. أما اليوم فهو لا يعني بالنسبة لجزء واسع من الشباب الفرنسي المسلم سوى شعار الهوية العرقية الفرنسية الرافضة لثقافته بكافة خصوصياتها. وعندما نلاحظ أن التيارات اليمينية المتطرفة تبنت اللاّئكية كسلاح في وجه التعدّد الثقافي، نعي مدى عمق الأزمة المجتمعية في الغرب.
ومن جهتها، فإن التيارات المتطرفة حاضرة بشكل مثير للقلق، وتستغلّ هذه الأزمة لتستوعب جزءاً من الشباب المسلم، فتغذي لديه نزعات التطرف والتمرّد والعنف باسم الإسلام، وقد رأينا النتائج المدمّرة لمثل تلك النزعات.
هل تكفي ثقافة التّسامح اليوم لمواجهة التّعصّب الديني والتطرف؟
ثقافة التسامح هي منظومة متكاملة تتأسّس على وعي حادّ، وعلى رصيد معرفي وحقوقي متطور، وهي من ثقافة النخب أساساً، وحتى تنتصر ثقافة التسامح وتسلك طريقها في المجتمع لابدّ أن تستند إلى دولة عادلة وقوية، فالدولة القوية هي وحدها القادرة في الوقت نفسه على التربية المواطنية المتوازنة، وعلى ردع نزعات التطرّف وما يتبعها من عنف وتهديد للنسيج الاجتماعي، والدولة العادلة هي الكفيلة بصون المجتمع وضمان ازدهاره وتهيئته للقبول بالاختلاف والتعايش مع الآخر.
ومجتمعاتنا العربية والإسلامية في أشدّ الحاجة اليوم لدول وطنية قوية وقادرة على التخطيط والانخراط في العالمية بروح المبادرة والتأثير. وكلّ ما دعت إليه منذ عقود نخب النهضة العربية، من الكواكبي إلى خير الدين إلى سلامة موسى وغيرهم، ما زال مطروحاً اليوم بشكل أكثر حدّة، لأن العالم لا ينتظر الشعوب، إن لم تواكب تطوراته وتحولاته.

نحو تقنين التسامح
هل الأنسب التّعاطي مع التّسامح باعتباره موقفاً أخلاقياً (أثيقيّاً) فحسب، أم أنه ينبغي تحويله إلى مؤسّسة قانونيّة حتّى يكتسب الفعاليّة المطلوبة؟
لا أعتبر التسامح موقفاً فلسفياً تأمّلياً فحسب وإن كان مصدره فلسفياً. التسامح قيمة سلوكية مجتمعية وينبني على استبطان لشروط العقد الاجتماعي المعاصر والمستجيب للحداثة. والعقد الاجتماعي الذي يؤسّس للتسامح يقوم على جملة من النظم القانونية الحديثة. والفلاسفة الأوروبيون الذين أسسوا نظرياتهم الاجتماعية على مبدأ التسامح، مثل جون لوك وفولتير وغيرهم، إنما أسّسوا نسقاً متكاملاً أوجد بعض النظم السياسية المعاصرة والمؤسسات التي نحتكم إليها اليوم. فإعلان المبادئ حول التسامح كقيمة عليا الذي صدر عن اليونسكو منذ ربع قرن هو ميثاق أخلاقي وثقافي وقانوني ذو أبعاد كونية.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©