الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

فلسفة البناء.. الريادة الإماراتية

فلسفة البناء.. الريادة الإماراتية
30 سبتمبر 2021 01:47

عزالدين بوركة

لا يمكن أن نفصل بين الجانب الفني والثقافي والتقدم والتطور المجتمعي الواقع في أي أمة مهما كانت، فالفن و«الثقافة بمنزلة روح المجتمع»، وعلى هذا الأساس يمكن النظر إلى الإنتاج الفني بوصفه تعبيراً عن أعراف وتقاليد وأفكار المجتمع، وليس تعبيراً ذاتياً للفنان فحسب، فالأعمال الفنية تندرج ضمن الثقافة والجغرافيا التي أنتجت فيها، وبهذا المعنى فلا يمكن فصل الجوانب المجتمعية: الهوياتية والسياسية والاجتماعية والثقافية، عن بعضها بعضاً.
وقد أدركت دولة الإمارات العربية المتحدة هذا التداخل ودوره الفعال في بناء ما يمكن أن نسميه «المواطن الجمالي»، وذلك منذ سبعينيات القرن الماضي، في تسارع مدهش ومذهل، منقطع النظير، حيث حظي قطاع الفنون برعاية قيادة الدولة ومؤسساتها المختصة التي لعبت دوراً أساسياً في تطوير الحركة الفنية، ومهدت الطريق للفنان الإماراتي ليلعب دوراً ريادياً في العالم العربي.
إن العلاقة بين الفن والمجتمع علاقة مركبة، يمكن النظر إليها من زوايا متعددة، اقتصادية وسياسية واجتماعية نفسية وتاريخية وثقافية، ما يجعل من الصعب الحسم فيها والوقوف عند كل هذه الجوانب وإغفال الأخرى، ولكن ما يهمنا هنا هو ذلك الدور الفعال مجتمعياً الذي قامت بها سياسات الدولة في الإمارات، لتطوير الفنون من حيث إنها جزء أساسي من العمود الفقري للمجتمع، ومن المؤكد أن الفن في مجتمع ما هو نتاج لتراكمات حققها أفراده بمختلف أدوارهم ومسؤولياتهم، «ونحن نبدأ بالتسليم بأن الفن لا يزدهر إلا في جو مواتٍ من الرحابة الاجتماعية والطموح الثقافي».. بحسب تعبير الناقد هربرت ريد، ولكن في الوقت ذاته، لا يمكن أن يحدث هذا الازدهار دونما وجود إرادة سياسية فعالة ترعى هوية المجتمع وتجعله منفتحاً على كل نوافذ المستقبل، في الآن نفسه، وهو نفسه ما نلمسه في سياسات دولة الإمارات في الشأن الفني والثقافي، وهذا ما نقرؤه في كلام معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، إذ قال معاليه إن للثقافة والفنون أثرها الصادق على مسيرة الشعوب فهي المحرك الحيوي في توجيه أفكار المجتمع في الاتجاه السليم ونمو وازدهار المجتمعات وبناء مجتمع يدرك ما يدور حوله من أحداث وتحديات.

ذاكرة الوطن
ومن بين السياسات التي انتهجتها الدولة في الشق الفني والثقافي، اهتمامها برعاية الهوية الإماراتية عبر استحداث متاحف للفنون الشعبية والتقليدية، وأخرى تختص بالفنون الحديثة والمعاصرة، إلى جانب بيناليات ودور عرض متنوعة، من حيث إن المتاحف تعد ذاكرة ومرآة الوطن والأمة، حضارياً وفنياً وثقافياً، ومن المسلَّم به بأن تطور الفنون، وخاصة الاهتمام بالفن المعاصر الذي شكلت فيه الإمارات الريادة العربية، قد تزامن وبناء الدولة.. لتقف اليوم شامخة عالية منافسة أقوى دول العالم بإنجازاتها المستمرة، ليكبر الطموح يوماً بعد يوم، وتتوالى النجاحات والمبادرات التي لا تنتهي، فكل يوم هناك قصة نجاح جديدة، في بلاد تكتنز تاريخاً ضارباً في القدم، يشهد على علاقة المجتمع في هذه الجغرافيا بالفن، إذ تمثل الفنون الشعبية ثقافات البلاد والمجتمع الإماراتي المتنوع، وأسلوب الحياة المختلف على مر العصور، والحفاظ عليها يندرج ضمن الحفاظ على الهوية وتماسك المجتمع وبناء الأجيال القادمة.  وقد وعى القادة الإماراتيون هذا الدور، منذ الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، إذ يقول «لقد أسهم الآباء في بناء هذا الوطن وواجبنا أن نبني للأجيال القادمة وأن نواصل مسيرة الأسلاف»، مضيفاً في موقف آخر «إن العلم والثقافة أساس تقدم الأمة وأساس الحضارة وحجر الأساس في بناء الأمم»، ما يبرز الاهتمام منذ زمن التأسيس بدور الثقافة والفن في تنشئة الأجيال وبناء المجتمع، وهو ما تؤكده مقولته الشهيرة «الثروة الحقيقية هي ثروة الرجال وليس المال والنفط، ولا فائدة في المال إذا لم يسخر لخدمة الشعب».

وجهة رائدة
لقد استثمرت دولة الإمارات في الفرد ذاتاً ووعياً، جاعلة من البلاد كلها حقلاً فنياً مفتوحاً على السماء، ومعرضاً جمالياً يتسع لكل الجغرافيا الإماراتية، من حيث إن «الفن هو أكبر مثير للحياة»، كما يخبرنا نيتشه، وكما هو معروف فمنذ تسعينيات القرن الماضي، سعت الإمارات للترويج لنفسها كمركز للامتياز الثقافي، فبدأت في تأسيس مشاريع ثقافية كبيرة، كالهيئات الثقافية والفنية والمتاحف ومراكز الأبحاث، وإعطاء كل جانب حضوره اللافت، بشكل يراعي الجمع بين الأصالة والمعاصرة، الهوية والانفتاح على الحاضر والتطلع إلى المستقبل.
لقد اجتذبت الآفاق التي توفرها الإمارات، سواء من الناحية المالية أو من حيث إمكانيات التنمية الثقافية والبشرية والاقتصادية والسياسية... العديد من المبدعين والخبراء والباحثين في عالم الفن، القادمين من جميع أنحاء العالم، ما دعم بالتالي، إنشاء سوق فنية تتطور بسرعة، جاعلة من هذه الجغرافيا العربية قطباً من أقطاب الفن، ومركزاً أساسياً من مراكز اقتصاد الإبداع والفن المعاصر.
ولاشك أن الإمارات قد شكلت نموذجاً ريادياً عربياً، في الربط بين الإرادة السياسية والاقتصادية الرسمية وإرادة المجتمع للحفاظ على تقاليده والانفتاح على حاضره ودوره الفني كشرط رئيس في هذه العملية الجوهرية، حيث أدرك المسؤولون الإماراتيون منذ عقود، تلك العلاقة الجامعة بين الاقتصاد والثقافة والفن لبناء المجتمع، مستثمرين في الثقافة والفنون ما جعلها وجهة رائدة على المستوى الثقافي والفني إقليمياً ودولياً، وسعت الدولة أيضاً إلى تحقيق العوائد الاقتصادية من عالم الفن، ما يجعله جزءاً من رأسمالها المادي (الاقتصادي) واللامادي (المجتمعي) في الآن نفسه.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©