الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

العلاقات الثقافية الإماراتية العُمانية.. إبداعات تضيء على تراث مشترك

العلاقات الثقافية الإماراتية العُمانية.. إبداعات تضيء على تراث مشترك
27 سبتمبر 2022 03:47

محمد عبدالسميع (الشارقة)

تتجلّى العلاقات الثقافيّة الإماراتيّة العُمانيّة بأبهى صورة لبلدين بينهما من وشائج القربى في الثقافة والعادات والتقاليد وطرق التعبير عنها، ما يجعلهما نموذجاً ناصعاً في الأصالة والتراث المشترك، فكان هذا التواشج الجميل في كلّ مفردات الأدب والفنون والتراث والرؤية الاحتفائيّة الواحدة، أحد أهمّ مظاهر ما نراه يوميّاً وبشكلٍ تلقائيّ في الحضور والفاعليّة القائمة على الأخوّة والمحبّة في كلّ الأنشطة والاستضافات ومجالات التعبير الثقافي والإبداعي.
وليس الأمر مقتصراً على استضافات فنيّة وثقافيّة، بل إنّ سمة التشاركيّة لبلدين ينهلان من موروث عميقٍ وأصيل، وهي سمةٌ تجعل كلّ صور التواصل والتعاون الثقافي والإبداعي بينهما ناجحةً بامتياز، بل وتتأسس على فهم وثقة من طرف الشاعر والتشكيلي والمسرحي والروائي والمفكّر والموسيقي وكلّ مبدعي الفنون الأدائيّة الفلكلورية والغنائيّة، لهذا الإرث المشترك والقرب الجغرافي الذي يعكس علاقات تاريخية راسخة.
ولو تأمّلنا أيّ مقطعٍ تراثيٍّ بين البلدين، وليكن الشّعر على سبيل المثال لا الحصر، فإنّ الرحلات المتبادلة بين الإمارات وعُمان قديماً كانت تؤكّد هذا التداخل الإنساني الفريد وتشي بآفاق الكلمة الشعريّة والجغرافيا القريبة من بعضها بعضاً، وبالشعراء الذين كانوا يجوبون كلّ هذا الرحب من المكان، فيكتبون ويؤرّخون لقصائدهم ورحلاتهم وأعمالهم، حتى لقد ورد تأصيل هذا المكان واضحاً في السِّيَر التي خطّها الروّاد وهم يسيرون في فضائهم الجميل الذي نتفيأ ظلاله وثماره اليوم، فقد كانت الإمارات وعُمان فضاء رحباً لحكايات وقصائد ورحلات ما نزال نحتفي بها اليوم في استذكارنا واستعادتنا لكلّ ذلك الزمان.
ولذلك، فليس غريباً أن يتشارك الجهد الثقافيّ الإماراتيّ والعُمانيّ في مجال التراث، حيث تم إدراج فنّ التغرودة وفنّ العيّالة في قائمة التراث الثقافيّ غير الماديّ في اليونسكو، بما يضيفه هذا الشعور من قوّة المفردة التراثيّة والحرص عليها وعلى مزاياها في حفظ تاريخ الشعوب وبيان حضورها الإنسانيّ والحضاريّ، حيث إن فنّ التغرودة وفنّ العيّالة في الطليعة من التراث الأصيل للإمارات وعُمان، ويجسّدان كلّ معاني البطولة والفروسيّة والأصالة وحياة البادية كموضوع، ويحملان كذلك الخصائص ذاتها التي تنسحب على كثيرٍ من الفنون في كلا البلدين.

ألقٌ أصيل  
إذا كان التراث الأصيل يضيء على عمق ورسوخ العلاقة الثنائية التاريخية بين الإمارات وعُمان، فإنّ المؤسسة الثقافيّة في الإمارات ظلَّت دائماً وأبداً وفيّةً لكل هذا الغنى والتكامل في أكثر من عنصرٍ تراثيٍّ، فكانت مهرجانات الشعر النبطيّ على سبيل المثال حاضنةً قويّةً للهجة القريبة من بعضها بعضاً بخصائص رائعة، إذ يشدو الشعراء العُمانيّون جنباً إلى جنب مع إخوانهم الإماراتيين والخليجيين والعرب في مهرجان «شاعر المليون» والشارقة للشعر الشعبي والنبطي كلّ عام، بل ويُكرّمون وتُطبع دواوينهم ويتمّ إشهارها في لوحةٍ جامعةٍ رائعة مكللة بكلّ جماليات الإبداع.
ولهذا، تبدو اللهجة الأصيلة في صدارة جذور هذا التقارب الثقافيّ بين البلدين، كتقاربٍ ثقافيٍّ تحمله الشعوب والأفراد وتحمله البيئة الصحراوية والبحريّة أيضاً، إذ تتجلى البادية بكلّ خطوات سكانها وأهازيجهم وفنونهم القوليّة وأناشيدهم في عُمان والإمارات، مثلما يظهر البحر بقوّة في فنون الغوص وما يلقيه هذا البحر من تجارب وثقافية احتفى بها ملتقى الشارقة الدولي للراوي مؤخراً في إبراز هذه الثقافة المشتركة القائمة على علاقة الإنسان بالبحر وبثّه أغانيه، بما في ذلك من حكايات وقصص وأشعار تروى وتُوثّق كأنّها اليوم.

مشاركات فاعلة
لقد ظل هذا الحضور التلقائيّ للشراكة الثقافية القوية بين البلدين حاضراً على الدوام في الإمارات خلال معارض الكتاب، على سبيل المثال، في أبوظبي والشارقة، وبالمقابل في معرض مسقط الدولي للكتاب، الذي تشارك فيه المؤسسات والجهات الثقافية الإماراتية، كتبادل ثقافي مُعبَّرٍ عنه بالكتاب والإصدارات التي حملت في عناوين بارزة منها التاريخ والجغرافيا والرموز المكانيّة والنقوش والدلالات الأثريّة وحركة التجارة في المنطقة وفي منطقة الخليج ككل بتفاصيل عديدة، ولهذا فإنّ عُمان التي شاركت بجناح رائع وممثل لها ولحضارتها وطموحاتها في معرض إكسبو 2022 بدبي، تحرص كلّ الحرص على المشاركة الفاعلة في كلّ المناشط الثقافيّة والأسابيع التراثيّة المتبادلة.

روابط عميقة
ولا يخلو مهرجانٌ تراثيٌّ أو معرضٌ تشكيلي أو ملتقى للخطّ العربيّ في الإمارات من أن يكون الإبداع العُماني ممثّلاً فيه وحاضراً بقوة، استناداً إلى روابط ثقافيّة واجتماعيّة عميقة على مستوى العلاقات الأسريّة والأزياء والفنون والتراث المشترك، وبالطبع فإنّ المجلات الإماراتيّة الثقافيّة كمحتوى تراثي وإبداعي احتفت وتحتفي بشكلٍ منتظم بالشخصيّات الرياديّة العُمانيّة، حيث قرأت أغلب الشعراء الشعبيين في عُمان ودرست أساليبهم في الكتابة وخصائصهم في التعبير، مثل شعر الميدان الشعبي العُماني، وفنون كثيرة كانت ذات حضور واضح واستضافات عديدة.
وتستضيف الصالونات الثقافيّة والمنتديات في الإمارات مبدعي الرواية العُمانيّة، وهو ما ينسحب بالطبع على استضافات عديدة وحقول ثقافيّة متنوعة عُمانيّة في مؤسسات ثقافيّة متنوعة في الإمارات.
وأخيراً، فإنّ هذه الهويّة الثقافية المتجانسة لبلدين اشتركا في الجغرافيا والثقافة والحضارة، إنّما تجسد في جوهرها الروابط العميقة والأصيلة بين البلدين الشقيقين عبر التاريخ.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©