الجمعة 3 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«بيت فاطمة بن سباع».. البيوت الإماراتية معارض إبداعية

«بيت فاطمة بن سباع».. البيوت الإماراتية معارض إبداعية
3 يوليو 2023 00:54

نوف الموسى (دبي) 
اختيار القيّمة الفنية فاطمة السويدي، بيت جدتها «فاطمة بن سباع»، وجدها أحمد بن هاشم، رحمهما الله، اللذين عاشا مع أبنائهما الـ9 في منطقة جميرا بمدينة دبي، لافتتاح معرض فني، يأتي احتفاءً بـ3 أجيال لـ«7 عائلات» تناقلت بين 9 غرف مقسمة في البيت، الذي بُني في عام 1993، ويحمل الهوية المعمارية ذات الارتباط الزمني بفترة «الثمانينيات» و«التسعينيات» ما يمثل مشهدية توثيقية أنجزتها القيّمة فاطمة السويدي، للحفاظ على الذاكرة الجمعية للعائلة، والذاكرة المجتمعية لأهل الإمارات، وذلك في رسالة ودعاء للبيت الذي قررت العائلة بيعه، باعتباره «ورثاً»، وجب فيه توزيع الحقوق المالية بين أفراد الأسرة. 
وتضمن المعرض الفني، مجموعة من الأعمال الإبداعية في قطاعات فنية مختلفة مثل «العمارة» و«الفوتوغرافيا» و«الرسم» و«الكولاج»، وجميعها أبدعها وأنجزها 3 من أبناء «فاطمة بن سباع»: محمد أحمد بن هاشم، ومروان أحمد بن هاشم، وأسماء أحمد بن هاشم. وقد تموضعت الأعمال للمشاهدة عبر مختلف الغرف الشخصية، وامتدت فوتوغرافيا العائلة على طول صالة الجلوس، مثبتة بغطاء زجاجي شفاف على طاولة خشبية، مثلت رمزية لمكان جلوس العائلة، حيث تفترش الأرض ليتناول الجميع الطعام أيام الجمعة، وفي الأعياد السنوية، والمناسبات المجتمعية. 

وداعاً جميرا القديمة
وجاء تنظيم المعرض من قبل «وداعاً جميرا القديمة»، وهي مجموعة بحثية بدأت في شهر يوليو من عام 2021، بأرشفة المنازل القديمة وأشجارها في منطقة جميرا، لاستحضار ذاكرة المنطقة والاحتفاظ بجماليات أثرها في المكون الاجتماعي المحلي بدولة الإمارات، وتسعى المجموعة إلى أن تكون مصدراً معرفياً للمهتمين في مجال بحوث ذاكرة الأمكنة ومناقشتها وتوثيقها. ومن اللافت فيما أوضحت القيّمة الفنية فاطمة السويدي في حوارها مع «الاتحاد» أن علينا أن نبدأ في توثيق ذاكرة بيوتنا وتفاصيل حياتنا اليومية، ففي اللحظة التي تجمعنا فيها ببيت الجدة والجد، تولدت تجارب حيواتنا الأولى، وبنيت تجاربنا الإنسانية، على مستوى علاقتنا بذواتنا وبالعائلة، وكذلك تواصلنا المباشر مع المحيط الخارجي وتحديداً عمارة تلك البيوت القديمة، وأثر مساحاتها الداخلية، قائلةً حول ذلك: «لنا أن نتخيل أن والدتي أسماء أحمد بن هاشم، وهي فنانة عملت في مجال التعليم الفني على مدى 20 عاماً، هي من رسمت مخطط البيت، وأعطته وقتها لجدي ليقوم ببنائه. فعلياً هي ليست مهندسة معمارية، ولكن بالنسبة لي تأثير هذا الفعل العفوي هو جوهر فعل بناء البيوت قديماً، التي تمثل امتداداً لهوية أُناسها وقاطنيها، هناك دائماً ما يعكس وجودهم في هذه المساحة العائلية المشتركة». درست فاطمة السويدي هندسة معمارية، وتحصلت على ماجستير في إدارة حفظ التراث الثقافي، ويقوم عملها في وزارة الثقافة والشباب، على دراسة وتوثيق العمارة الحديثة في دولة الإمارات، مبينةً أن هذا الاهتمام الخاص بالثقافة والفنون، ألهمها نحو إحداث تجربة مجتمعية، تسمح من خلالها لجمهور المجتمع الفني، والناس من مختلف الاهتمامات والثقافات، بزيارة بيت العائلة الكبير. وأضافت: «تزوجت أمي وذهبت إلى الشارقة، تاركةً غرفتها في البيت، تلك التي نضع فيها الآن أعمالها من الكولاج. وعلى رغم أني ولدت في الشارقة، إلا أن الزيارات المستمرة لبيت جدتي، جعلتني أتأمل التغيرات المهولة التي شهدتها مناطق وسط المدينة، مرحلة ما قبل وبعد بناء المراكز التجارية الكبرى مثل ‹دبي مول› و›سيتي ووك›، لأعود مجدداً للعيش بمدينة دبي في منطقة البرشاء، وأستقر أخيراً بمنطقة الورقاء».
 وتابعت السويدي: «ما يأخذ بعين الاعتبار في التأمل المجتمعي هو الانتقال الداخلي لأفراد العائلة أنفسهم في البيت، فمتى ما استجدت ظروف جديدة، مرتبطة بالزواج والعمل، تبدأ حياة الأشخاص في داخل البيت بالتحول والتغير، فمثلاً عند وفاة خالي مروان أحمد بن هاشم، رحمه الله، الذي نعرض لوحاته الفنية في المعرض، ظلت زوجة خالي تقطن البيت مع ابنتيها -آخر من سكن في البيت- وعندما كبرت ابنتاها قليلاً، انتقلوا للعيش في الغرف المجاورة، إلى أن ذهبوا إلى بيتهم الجديد مؤخراً، وبينما كنت أرسم مخطط البيت، وجدت كيف تداول أفراد الأسرة مساحاتهم الخاصة بشكل اجتماعي ينسجم مع الحراك الخارجي للحياة الكبيرة في المدينة المنفتحة على العالم». 

تحولات بصرية
وفي مشروعها البحثي، تواصلت فاطمة السويدي مع أغلب أفراد أسرتها، واستمرت في السؤال عن تفاصيل التأثيث الداخلي للبيت، وسبب اختيارهم ألوان السجاد، وغيرها من تفاصيل التصميم والذوق السائد وقتها، ما جعلها توثق المراحل المتتالية للتحولات البصرية والحسية من خلال تعاونها مع المصور المعماري الإماراتي حسين الموسوي، موضحةً ملاحظة مهمة أبداها المصور حسين، حول مسألة تصويره للمباني ذات الدلالة المعمارية من الخارج، وكيف كانت تترك لديه أسئلة حول أصحاب تلك المباني وقاطني تلك الشقق السكنية، شاعراً بأن هناك دائماً حاجزاً بينه وبينها، بينما في تجربة تصويره لـ«بيت فاطمة بن سباع»، وقد استشعر بحميمية وقرب من أهل البيت، حين يدخل للغرف ويقف عند الممرات، ويتحرك في «الحوش» ويتواصل مع الأشجار وتداخلها مع الفارغات المفتوحة بجانب الكتل الشكلية للبيت. ما يجعلنا نتفكر جميعاً في أهمية «الثقافة المجتمعية»، من خلال أن نفتح أبواب بيوتنا ونتشارك تجاربنا الإنسانية، مصححين نمطية التفكير بالبيوت القديمة في كونها مفهوماً مرتبطاً بـ«النوستالجيا» فقط، إلى اعتبارها مصدراً مهماً يغذي الهوية الحسية والتناغم الشعوري للمجتمع المحلي. وأعتقد هذه النوعية من المشاريع، تهدينا طريقة مغايرة، في إعادة اكتشاف ثقافة العائلة، وأثرها في تشكيل الوعي العام، فعندما تتحدث القيّمة فاطمة السويدي، أنها لم تكن تعلم عن طبيعة الإنتاجات الفنية لعائلتها، وتفاجأت ببعضها عند تحضيرها للمعرض الفني، ومنها الأعمال الفوتوغرافية لخالها محمد أحمد بن هاشم، الذي يمتلك أكثر من 1000 صورة فوتوغرافية، وثق فيها التحولات في مدينة دبي في «السبعينيات» و«الثمانينيات»، ويعتبر محمد أحمد بن هاشم، من أوائل من امتلكوا فوتوغرافيا وثقت الاحتفاء بطاقم طيران الإمارات، في أول هبوط لهم بمطار هيثرو في العاصمة البريطانية لندن، ومن بين أعماله المشاركة في المعرض أيضاً صورة ساحرة لمبنى مركز دبي التجاري العالمي المعروف قديماً باسم «برج الشيخ راشد» وقت الغروب، يظهر فيها خور الماء بوضوح لافت، ولا يُمكن تصويره في الوقت الحالي، بالفضاء المفتوح ذاته، بعد التطور الكبير لتنامي الإنشاءات في المنطقة المحيطة بالبرج، حيث يصعب فيها التقاط لحظة تزامن الخور بالبرج، إضافة إلى مجموعة من الفوتوغرافيات التي تحتفي بالمهن والعمارة التقليدية. 

توثيق الذاكرة الوطنية
حول رد فعل أفراد العائلة، وتفاعلهم مع المشاركة المجتمعية لأعمالهم الإبداعية، أشار المصور الفوتوغرافي محمد أحمد بن هاشم، إلى أن رؤيته لأعماله معلقة بحميمية في البيت وتفاعل الجمهور معها، حفزه نحو العودة للتصوير والبحث عن مساحات عرض لمجموعته الفوتوغرافية، التي يرى أنها نوعية في كونها توثق مرحلة مهمة من الذاكرة الوطنية، مبيناً أن كل شيء لديه بدأ بالرسم، قبل حضور الكاميرا، وكان يريد حينها أن يحفظ جمالية ما يرى، قائلاً: «عندما كنت بعمر 7 سنوات تقريباً، أتمشى بصحبة أسرتي، بعد أن تهطل الأمطار وينمو العشب الكثيف، تحديداً في منطقة الجافلية، كان يراودني رغم سني الصغير، تساؤل حول إمكانية أن أحفظ روعة هذا المشهد بداخلي، ومن هنا بدأت علاقتي مع المكان والصورة». وبالنسبة للأعمال الفنية للراحل مروان أحمد بن هاشم، رحمه الله، الذي توفي في عام 2002، فقد قررت القيّمة فاطمة السويدي استخراجها من صناديق قديمة، احتفظت فيها زوجة مروان بالأعمال التي كان بعض منها غير مكتمل، وبعض آخر مهترئاً وتآكل مع السنين، موضحة كيف أن تنظيم هذا المعرض العائلي، جعلها تبحث في تخصصات جديدة مثل آلية ترميم اللوحات الفنية، لمعالجة الأعمال وتحضيرها للعرض النهائي، إلى جانب إدراكها لقيمة التعلم من خلال التجربة العملية في بناء مساحة فنية.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©