عدد اليوم
عبد الله أبو ضيف (القاهرة)
عبر شعره في المرحلة الأولى عن خاطرته، ففي بداية أي شاعر يكون مشغولاً بالصراخ في وجه العالم، ثم بعد ذلك يهدأ محاولاً أن يكتب متأملاً كما هو، لا كما ينبغي له أن يكون، واستند الشاعر المصري محمود خير الله في دواوين شعره على المواجهة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، حينها اختار كتابة قصيدة النثر، التي كانت تعد نوعاً من معاداة الذوق العام.
في مدينة سيت الفرنسية كان لخير الله نقلة روحية في شعره بعد صمت دام 4 سنوات -حسبما يذكر لـ«الاتحاد»- حينما تمت دعوته لمهرجان شعراء دول البحر المتوسط، فقد منحته تجربة السفر وإلقاء الشعر بشكل يومي فهماً جديداً، عاد منها بروح شغوفة وجارفة للكتابة والعمل لتبدأ مرحلة ثانية مع الشعر هي مرحلة الانصات للعالم.
وجاءت المرحلة الثانية في تجربة خير الله المتميزة، فكتب «الأيام حين تعبر خائفة» العام 2019، وديوان «بشر بأحجام دقيقة يكرون في تجاعيدي»، فيما يعكف في هذه الفترة على كتابة «العصفور الذي يُشبه وجهك».
ويقول: «في رحلتي إلى مدينة سيت الفرنسية ألقيت قصائدي وسط شعراء من بلدان مختلفة لجمهور لا يعرف العربية إلا عبر مُترجم، ورأيت قيمة أن تكون نفسك وأن تمثل ناسك وأحلامهم وأحزانهم، كيف تكتب عن أحزان أمك وتتفاعل أمهات فرنسيات معها عبر نصوصك، هناك تعلمت قيمة أن تعبر عن ذاتك شعراً وألا تترك فرصة مواتية للكتابة إلا وتقتنصها، تعلمت ألا أضيّع وقتاً لأن الإنجاز هو ما يتبقى منك».
مفهوم الشعرية
قام خير الله بإعداد مختارات من شعر الشاعر الفلسطيني طه محمد علي (1934 2011) من أعماله الكاملة لتعريف الناس به. أما «الأيام حين تعبر خائفة»، فهو واحد من أكثر أعمال خير الله انتشاراً، حيث يشير إلى أن العنوان فيه جزء من روحه، وقتها كان الرجل الذي يمضي نصف عمره وسط الناس وفي دروب العمل وعلى الأرصفة والمقاهي، حيث يمكنك الاستماع إلى نبض العالم ونحيبه، وبالتالي على القصيدة أن تحمل شيئاً من هذا النبض، فيما يرجع الفضل إلى انتشاره إلكترونياً إلى فيروس كورونا الذي دفع الكثيرين للقراءة بشكل أكبر.
وعن أزمة شعر النثر، يرى خير الله أنها تكمن في تصورات المؤسّسات النقدية للشعر العربي، تلك التي بات عليها أن تعترف اليوم أن قصيدة النثر هي الأمل الباقي للشعرية العربية بعدما أصبحت ذروة التجريب في هذه القصيدة العربية.
ويعتقد أن الأزمة تكمن في صياغة «مفهوم الشعرية» لدى الخطاب النقدي المعاصر، بعضهم لا يزال يعتقد أن الشعر «كلام موزون مقفى»، وتصورات المؤسسات النقدية لا تدرك أن قصيدة النثر أصبحت ضرورة عصرية ملحة في زمن التطور المذهل للصورة السينمائية والفوتوغرافية، ولم يطور النقاد أدواتهم البحثية بالطريقة التي تناسب تطور القصيدة.
السيرة والشعر
ويعكف خير الله على كتابة سيرته الذاتية، ومع ذلك لا يرى الأمر خيانة للشعر وإنما مجرد سيرة حياتية لشاعر مصري، مشيرًا إلى أهمية السير الذاتية للأدباء والفنانين في تعليم الأجيال التالية، وأنه يكتب سيرته بما يخدم الشعر، فبدأها منذ 2017 ونشر منها فصولاً وقارب على الانتهاء من الجزء الأول «قطار بطيء إلى القاهرة».
«العصفور الذي يشبه وجهك» ديوان قادم لخير الله، عبارة عن مقاطع شعرية قصيرة، يأمل أن ينتهي منه هذا العام، ليتفرغ لمشروع كتابه الشعري «طائرٌ فزِعٌ بين الأغصان مختارات من قصيدة النثر العربية»، يجمعها رابط واحد هو انحياز النص للإنسان وهمومه ومعضلاته. كما يعكف خير الله على كتابة «أمنا الغولة» للحديث عن أشهر الأساطير العربية التي مرت علينا دون فهم مغزاها.
