الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الكِتاب الورقي.. والتحدي الرقمي!

الكِتاب الورقي.. والتحدي الرقمي!
23 نوفمبر 2023 00:54

محمد عبدالسميع (الشارقة)

مع كلّ معرض كتاب، تتجدد النظرة نحو الكتاب الورقي ومدى إسهامه ووقوفه صامداً، بل ومؤثراً، على رغم كلّ المتغيرات التكنولوجية والإلكترونية الجارية، فمعرض بحجم معرض الشارقة الدولي للكتاب، فتح شهية الزوار والكتاب والقراء لأن يعيدوا حساباتهم، وينظروا من جديد في الكتاب الورقي: هل لا يزال فعلاً يدخل كلّ بيت، وماذا بخصوص دعاوى تتردد منذ فترة بأنّ شمسه قد آذنت بالغروب؟!.. وإذا كانت أمامه تحديات طُرحت مراراً وتكراراً، فهل يمكن تجاوزها؟!.. وحتى الكتاب الإلكتروني، هل هو أيضاً من المثالية أو العملية بحيث يكون قادراً على أن يحلّ محلّ الكتاب الورقي.. هكذا دون أيّة انتقادات أو عيوب تُذكر؟!..
وفي ظلّ حركة النشر الكبيرة في معارض الكتاب العالميّة، هل امتُحن الكتاب الإلكتروني بالتغذية العكسيّة أو الراجعة من تقييمات فئة الباحثين والأدباء والقراء؟!.. وما هي المحاذير التي يحملها الفضاء الرقمي، ليس فقط في سهولة التصفّح والاقتناء، بل وفيما قد يحمله أيضاً من أفكار غير ملائمة أو رؤى تدخل إلينا عبر ميزة السهولة والوصول خلال المنصات الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي؟!
ومن جهة أخرى، حتى لو سلّمنا بأنّ الكتاب الورقي هو الأهم الذي يعود إليه المخلصون للعلم والثقافة والمعرفة، وأنه وسيلة مهمة للحماية من القرصنة الإلكترونيه واختلاط الكاتب أو المتخصص الحقيقيّ بغير الحقيقيّ، فهل يكون نشر هذا الكتاب الورقي خلواً هو الآخر من تحديات في الطباعة والتكاليف والإقبال وفرص الانتشار؟!
هذه جميعها أسئلة وهواجس أجاب لـ«الاتحاد» عنها عدد من الناشرين وجمهور المتلقين والأدباء، وهي بمثابة رؤية للتكامل بين كل حواضن المعرفة والعلوم والآداب، دون أن نلغي وسيلة نشر إن ثبتت جدواها، لصالح وسيلة نشر أخرى.

الشهرة السريعة
ترى الشاعرة سكينة جوهر، عضو اتحاد كُتاب مصر، أنّ الكتاب الورقي ستظل له أهميته، وسيظلّ منافساً للكتاب الإلكتروني، لأسباب، منها أنه متاحٌ أكثر من الكتاب الإلكتروني، في أي وقت وفي أي مكان، مشيرةً إلى أهمية وجود أمهات الكتب من المراجع، في المكتبات العامة للقراءة والاستعارة، بالمقارنة مع الكتاب الإلكتروني الذي يحتاج الحصول عليه إلى اشتراك بصفحة الشبكة الإلكترونية، والخبرة بإعداداتها، مع أنّ البعض من المثقفين قد لا يتقنون هذه الخبرات، في ظلّ تحذير أطباء العيون من أضرار القراءة على شاشات الموبايل أو التابلت وغيرها من أجهزه التصفح الإلكتروني، إضافةً إلى المعاناة من صغر الخط الإلكتروني الذي قد يفسد متعة الاسترسال في القراءة وتدوين الملاحظات المطلوبة. وحتى لو كان الكتاب مسموعاً، فقد يتشتت الذهن المنصرف إلى السماع أكثر من التركيز ومتابعة الفهم. وتشير الشاعرة جوهر إلى أنّ النشر الإلكتروني، الذي ربما يكون سبباً في الشهرة السريعة، سيكون سريع التجاهل بمجرد طي تلك الصفحات، بينما تظلّ للكتاب الورقي شهرته الخالدة، أمام ظاهرة السرقات الأدبية والعلمية المحتملة، عبر القصّ واللصق والنسخ.

آفاق جديدة
وترى الأديبة اليمنيّة ليلى جمل الليل، أنّ الإنترنت أحدث تغييرات في نمط القراءة والكتابة، مع اعترافها بميزات كلٍّ من الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني، فالكتاب الإلكتروني، نظراً لسهولة اقتنائه ومجانيّته وميزاته الكثيرة، انتشر مؤخراً أكثر من نظيره الورقيّ. كما تشير إلى إشكاليات أخرى للكتاب الإلكتروني، رغم انتشاره، منها مواضيعه الاستهلاكية أحياناً التي قد لا تمتّ في معظمها للأدب والفنّ والثقافة بأيّة صلة، إضافةً إلى المحتوى والصياغة واللغة. كما تعترف، بأنّ الكتاب الورقي هُضم حقّه في عصر الكتاب الإلكتروني، على رغم تكاليفه المادية أيضاً، التي قد تعيق الكتّاب المبتدئين، وترى أنّ التسهيلات في الطباعة الورقيّة من شأنها أن تسهم في العودة إلى الكتاب الورقي، إضافةً إلى فرض رقابة على الكتاب الإلكتروني، وكل ذلك يفتح آفاقاً جديدة للنشر من وجهة نظر المهتمين. ومع هذا ترى أنّ الكتاب الإلكتروني أسهم في التعرّف إلى الثقافة الغربية ونشرِها وفتْح آفاق جديدة على الأدب الغربي والعالمي.

عصر الرقمنة
أمّا الشاعر عصام بدر، عضو اتحاد كُتاب مصر، فيرى أنّ عصر الرقمنة بات مهيمناً بشكل كبير على الساحة الأدبية والعلمية، ووسيلة انتشار في نقل المعرفة من خلال الشبكات العنكبوتيّة والإلكترونية، وهو ما بات يهدد النشر الورقي الذي تراجع بشكل كبير وملحوظ، ما جعل الكثير من الكُتاب والناشرين يلجأون إلى النشر الإلكتروني، كطريق سريع للشهرة وتحقيق الربح، في ظل استخدام الكثير من منصات التواصل الاجتماعي المختلفة لترويج ونشر الإبداع الأدبي.
ومع ذلك، يؤكد الشاعر بدر أنّ الكتاب الورقي ستبقى له قيمته ومكانته الأصيلة، في الحفاظ على الهوية وتوثيق النتاج الإبداعي بمختلف أنواعه في العصر الحديث، اعتماداً على العلاقة الراسخة بين المبدع والكتاب، وصمود المكتبات الورقية، بسبب تعبير الكتاب عن الهوية الثقافية أمام احتمالية الأعطال الإلكترونية التي ربما تفصل الإنسان عن التواصل مع العالم الافتراضي، فيكون للكتاب الورقي دوره في ذلك لعدم ارتباطه بالعالم الافتراضي.

تفضيلات الشباب
وتشير الأديبة اللبنانية ابتسام دامرجي إلى منافسة الكتاب المسموع للكتاب الورقي والإلكتروني أيضاً، معترفةً بأنّ النشر الورقي لم يعد يلاقي رغبةً من الشباب، وخصوصاً بعد أن أصبحت له مواقع كثيرة، في ظل كون اللغة الإنجليزية لغةً أولى لدى دول عربية، وتفضيل الشباب قراءة الكتب الأجنبية. وتقول دامرجي إنّ التشويق في المحتوى والعنوان من الأمور المهمة في ذلك، لافتةً إلى انتشار ظاهرة سرقات الأفكار ومختلف صور الإبداع الأدبي والفكري في ظل النشر الإلكتروني.

الكتاب المسموع
وتطمئنّ الكاتبة والناشرة الفلسطينية نور عرب إلى أنّ عصر الكتاب الورقي لم ولن ينتهي، مبينةً أنّ الكتب الإلكترونية موجودة في السوق منذ عقود، ولم تُلغِ الكتاب الورقي أو تحلّ محله، لافتةً في هذا المقام إلى جائحة «كوفيد» التي جعلت دور الكتاب الورقي يتراجع في خضمّها ويعود للانتشار بعد زوالها.
كما أشارت الكاتبة نور عرب أيضاً إلى طقوس قراءة الكتاب الورقي، واستخدامات الكتب الصوتية المسموعة في أوقات سريعة، كالسيارة مثلاً. ودعت الأهل إلى غرس ثقافة التعلق بالكتاب الورقي في قلوب الأطفال وتنشئتهم على حب القراءة والاطلاع.

جهود جبارة
وتقول الكاتبة الإماراتيّة مريم المزروعي، إنّ الكتاب يستمد تعريفه من المحتوى، وليس من المادة المصنوعة. كما أشارت إلى تراجع الإقبال عليه في ظلّ العصر الرقمي وتقدم التكنولوجيا وسرعة تبادل المعلومات، وفي المقابل تذكر المزروعي الجهود التي تقوم بها دولة الإمارات العربية المتحدة في دعم الكتاب الورقي وهي جهود جبارة، مثل معرض الشارقة الدولي للكتاب، ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب، ومشروع تحدي القراءة العربي بدبي.
وتذكر المزروعي من إشكاليات النشر الورقي والإلكتروني جائحة كورونا وانخفاض مبيعات الكتاب الورقي خلالها، وانتشار الكتاب الإلكتروني عالميّاً، فقد تكونت مكتبات إلكترونية رقمية متنقلة، ومع ذلك بقيت المشكلة الكبرى في النشر الإلكتروني، هي السرقات الأدبية والقرصنة وعدم ضمان حقوق الملكية الفكرية.

سهولة التخزين
أما الكاتب المغربي هشام أركيض فيرى من مميزات الكتاب الإلكتروني مقارنةً بالكتاب الورقي، أنه أسهل في الحمل والتخزين، ومتاحٌ للقراء عن طريق استعمال أجهزة الهواتف المحمولة، كما أنه سهل التخزين لعدد كبير من الكتب، ويمكن بيع عدد كبير من نسخه دون نفاد الكمية، إضافةً إلى قلة التكلفة في الطباعة والحبر والورق ومصاريف النقل، لأنها أصلاً غير موجودة إلا في الكتاب الورقي. ولذا فإن الكتاب الرقمي أكثر عملية في زمننا هذا وأقل تكلفة في الغالب أيضاً.

ميزة التكامل
ومن جهته، يرى الكاتب المصري الدكتور إسلام عاصم بيومي أنّ الكتاب الورقي والكتاب الرقمي لا يتنافسان، بل يتكاملان، فوجودهما معاً ضروري، ولكل منهما طرق تصفح وخصائص تختلف عن الآخر، وعلى سبيل المثال لا الحصر فكاتب الرواية يمكنه أن يتصفح الكتاب الإلكتروني، بينما يكون الأمر صعباً على الباحث في فتح أكثر من كتاب إلكتروني في الوقت نفسه، لإجراء مقارنة حول موضوع ما، ومثل هذا التزامن في التصفح مهم بالنسبة له، وهذا مجرد مثال على حالة قد تبدو في الظاهر شكلية لكنها أيضاً من الناحية العملية مهمة.

السرقات الإلكترونيّة
تؤكد الكاتبة المصرية الدكتورة سميرة شرف أنّ عصر الكتب الورقية لم ينتهِ بعد، معترفةً بتكاليف الورق وتأثير الصورة، عن طريق الإعلام و«الميديا»، على هذا الكتاب، وبالنسبة للكتاب الإلكتروني، تشير إلى تحدي ظاهرة السرقات الأدبية المنتشرة بفعل مميزات الفضاءات الإلكترونية، وعدم التوثيق بأرقام الإيداع أو الترقيم الدولي. وتقول إنّ ذلك أدى أحياناً إلى صعوبة التمييز بين الكاتب وغير الكاتب في عصر النشر الإلكتروني، فاختلطت المفاهيم بطريقة عشوائية، على رغم ما أسمته «الشهرة الزائفة» لدى كثير من الكُتاب ذوي الانتشار الواسع في الفضاءات والمنصات الرقمية اليوم.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©