الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

التشكيلي إبراهيم غزالة لـ«الاتحاد»: لا نهاية للفن.. والإحساس باللون أساس الإبداع

إبراهيم غزالة بجوار إحدى لوحاته (من المصدر)
11 فبراير 2024 01:11

محمد عبد السميع (الشارقة)

الدخول إلى عالم الفنان التشكيلي المصري إبراهيم غزالة، يؤكد الأصالة التي يتمتع بها الفنان وسكنت داخله، منذ أن فتح عينه على طبيعة البيئة المصرية الريفيّة، كبيئة غنَّاء ألهمت الكثير من المبدعين بطبيعة التكوين والحركة الضاجّة بالجمال. ويشعر غزالة بعين الوفاء إلى البيئة الريفيّة التي ولد فيها «بحيره المنزلة»، كريف جميل مفتوح على بحر أو بحيرة. لهذا يؤكد أنّ الجو البصري كان هواء يتنفسه وثروةً لا تقدر بثمن لفنان نشأ على هذه الحركة اليومية التي تضطرم في داخله.
ويقول الفنان غزالة: «إنّ الإحساس باللون هو أساس الإبداع اللوني، وله في ذلك فلسفة جميلة وأصيلة، قياساً إلى فلسفات اليوم من الحداثة، التي ربما لا يفهمها من أراد هضم هذا المفهوم سريعاً، لمجرد أن يقال عنه إنّه فنان حداثي». ولذلك، يحرص غزالة على أن ينتقي حتى من التعابير ما يحمل هذا «اليقين» الفني داخله، حيث «تربّى في داخل إحساس غني باللون، فمن المؤكد أنّ الإحساس سينعدم باللون إذا نشأ المرء في مكان لا لون فيه، ليكون ذلك شيئاً تجريديّاً». ويتابع الفنان غزالة الإفصاح عن اللون كأساس لتجربته الفنية، بأنّ هذا اللون ينمو مع الإنسان ويكبر معه وله ذكرياته، متمثّلاً بزهرة الرمان، على سبيل المثال، التي علقت في ذهنه وأبت أن تفارقه في طفولته حين رآها في أحد بيوت الأقارب، وكذلك البرتقال وباقي معطيات البيئة الريفية الجميلة.
التنوع اللوني  
ومن هذا، ينطلق الفنان غزالة من أنّ الزراعة كمفهوم، مرتبطة أشدّ الارتباط باللون، بل ويجب أن يكتسبها الأطفال، وهم يتعلمون ذلك في مدارسهم، فهي نوع من أنواع الفن، لأنّ الحركة الرائعة بحكم نموّ الأزهار والبذور تعطي إحساساً لافتاً، وتجعل من العين تعتاد وتألف وتكون أرضيةً رائعة للرسم والمعالجة الفنية، وفي ذلك يتمثل الفنان غزالة بحضارات قديمة، من مثل مصر والعراق والصين والهند كانت الزراعة والحقول فيها ذات أثر في أن تتعزز قوة الملاحظة والعلاقة الحميمة مع ألوان الفواكه والخضراوات، ووفق ظاهرة التنوع اللوني التي تغمض عليها العين لاستثمارها في عالم الإبداع والفن.
وفي هذا يقارن الفنان غزالة بين التنوع اللوني واللونين الوحيدين الأبيض والأسود، ومع أنّ هذا يمكن أن يكون ذا آراء فنية عميقة، وخاصة بالنظر إلى أصل الأشياء وفلسفتها في هذين اللونين، إلا أنّ غزالة يرى أنّ حضور اللون وتنوعه لدى الطفل هو مصدر غنى وعطاء فني في المستقبل، إذا ما قُدّر له أن يسير في عالم الفن.
 وللفنان غزالة اهتمام انطلق من بيئته نحو الوطن ككل، من خلال مقترحاته الوطنية التي توخّى من خلالها إفادة الأجيال وترسيخ معالم الوطن الجميلة، ذاكراً مشروع «مصر في عيون مصرية»، الذي بدأت فكرته كمقترح قديم طرحه على هيئة قصور الثقافة في عمل أفواج من الفنانين التشكيليين يرسمون مصر كوصف فني، بحيث يتوزعون في مناطق يسافرون إليها على شكل مجموعات، في الأقصر وأسوان وسيوة، فتكون الحصيلة أعمالاً فنيةً ومعارض تعكس هذا التجوال الفني، وقد كان لذلك أثره بالفعل في معارض رأى غزالة أنها ثرية تحتضنها هيئة قصور الثقافة، لتتجدد الفكرة تحت مسمى «مصر الجميلة»، فكانت أفواج تشكيليّة تتوجه إلى الأقصر والإسكندرية والقاهرة، وهي مشروعات يرى غزالة أنها تظل مرهونةً بمدى إيمان المسؤول وقناعته بذلك.
الواقعي والتجريدي  
ولأنّ للفنان دائماً، أي فنان، رؤيته ما بين القديم والحديث أو الأصيل والطارئ أو غير ذلك من المسميات التي درجت في عقول الدارسين ونشأوا على المقارنة بينها والاتجاه فيما بينها أيضاً، فإنّ الفنان غزالة لم يكن استثناءً من ذلك، معبِّراً عن قناعته بأنّ الناس دائماً تركض أو تلهث وراء الجديد، وفق تسميات بين «قديم» و«حديث»، متسائلاً حول العمل الفني هذا العام على سبيل المثال، هل يكون قديماً في سنة 2050 مثلاً؟!.. وهل بعد عدد كبير من السنين سنشهد نهاية الفن؟ 
ومن ذلك، يرى غزالة أن الفن هو فن بمقوماته الحقيقية، إذ تظلّ هذه القيمة ترافق وتحدد درجة إبداعه، كما في التفرقة بين الفن المصري القديم، والفن اليوناني، والفن الروماني، وهكذا، فالفن فنٌّ سواء في القرن العشرين، أو القرن الخامس عشر، أو في القرن التاسع عشر.
ويطرح الفنان غزالة قضيّةً مهمّةً جدّاً، لأنّ كثيراً من الناس يعتقدون أنّ الفن التشكيلي هو تجريدي، انطلاقاً من عدم فهم أو صعوبة فهم «التجريد»، وهو ما يصححه غزالة، معرباً عن أسفه لأن تقتنع الفئات المثقفة والمسؤولة بهذا الرأي، إذ في اعتقادهم أنّ اللوحة العادية هي فنّ فقط، في حين أنّ الفن التشكيلي يكمن في التجريد. ويشرح غزالة وجهة نظره بأنّ الذي يقيّم العمل الفني هو القيمة التشكيلية البصرية ودرجة اللون، حيث الرؤية البصرية هي المعبّرة عن العمل الفني، انطلاقاً من أنّ لكل جنس فني أو أدبي أساليبه ومدرسته. وفي الحديث عن هذا المحور يأخذ الفنان غزالة الحنين إلى فترات قديمة كان الخط العربي فيها وأساسيات الفنّ تدرّس للأطفال والناشئة بمزيد من العناية والاهتمام.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©