السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«صمبريد».. رحل المكان وبقي الاسم !

أهل «صمبريد» عملوا بالصيد لوقوع الفريج على البحر
24 سبتمبر 2021 01:16

خولة علي (دبي)

بين طيات صفحات الماضي، نقف على الفرجان القديمة، التي اختفت ولم يبق إلا أثرها أمام ازدحام مظاهر الحياة العصرية، ذكرى عالقة في أذهان سكانها، مغروسة بدفء ولهفة أيام صيغة ببساطة الحياة وطيبة أهلها في تكاتفهم وتعاضدهم واستقبالهم للغريب بحفاوة وكرم، ضمن نسيج مجتمعي في فريج «صمبريد»، الذي تشكل ونمى ضمن فرجان منطقة دبا الفجيرة، والذي يعكس أثر البيئة وتضاريسها على حرفة السكان ومساعيهم في البحث عن الرزق من الأرض والبحر.
على ضفاف خليج عمان، تطل مزارع النخيل وأشجار الفواكه من على مرتفعات جبال دبا الفجيرة، في مشهد يحكي جهود الأهالي وسعيهم إلى بناء مجتمعاتهم، واستنهاض موارد الأرض وثرواتها، ففي فريج «صمبريد» بالتحديد، تأخذنا مريم الظنحاني «رئيسة مركز اللجنة النسائية» في دبا الفجيرة، لتسرد تفاصيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية فيها مشيرة إلى أن الفريج من الفرجان القديمة في دبا الفجيرة.

  • مريم الظنحاني تتحدث عن أيام الفريج (تصوير:  يوسف العدان)
    مريم الظنحاني تتحدث عن أيام الفريج (تصوير: يوسف العدان)

ولقد تضاربت الأقاويل حول معنى الاسم أو سبب التسمية، فوفقاً لحديث أجدادنا الذين عاصروا فترة الاستعمار البريطاني، أن جندياً كان يبيع بعضا من الخبز على الأهالي في الفريج، وكان يشير إليهم بتناول أو أخذ الخبز بلفظة «some bread» وهي تعني بالانجليزية بعض من الخبز، فالتصق الاسم بالمكان فأصبح يتداول بين الأهالي باسم «صمبريد»، وفي قول أو رواية أخرى، أن الفريج نظراً لوقوعه على البحر فكانت تشرق عليه الشمس أولاً، لذا سمي «صمبريد» أي «sun bright» ولكن الأقرب هي الرواية الأولى، وقد ظل هذا الاسم رائجاً بين الأهالي حتى اليوم، بالرغم تغير مسمى الفريج، ولكن يبقى القديم له رونقه وقيمته التاريخية.

حركة ونشاط 
وقالت الظنحاني: يتألف الفريج أو الحي في العادة من بيوت محدودة لا تتعدى الستة بيوت تخترقها السكيك والأزقة، التي تقود إلى فرجان وأحياء أخرى، أو إلى المزارع المنتشرة بين الجبال، ويضم الفريج أيضاً وادياً ينزل من أعالي الجبال ليندفع مسرعاً في طريقه حاملاً معه كل ما قد يعترض مجراه، لتكون نهايته في البحر، ولم يبق في وقتنا الحالي منه سوى آثار بسيطة جداً لا يعرفها سوى من شهد وعاصر تلك المرحلة وعاش في الفريج، كما أن على مقربة من الفريج أيضاً يقع طوي «الهمبوة» الذي كان مقصداً لنساء الفريج لجلب الماء، وغسل الملابس وغيرها من الأشياء، كما كان أهالي بعض المناطق يصيفون بالقرب منها نظراً لوقوعها على البحر، فتتوزع العرشان على مقربة من البحر، وكان الفريج ينعم بحركة ونشاط لا يتوقف من أهل الفريج والقادمين له من مناطق أخرى سواء لشراء الأسماك بأنواعها أو لتذوق ثمار المزارع. 

مخزون غذائي
ولفتت الظنحاني إلى أنه نظراً لغنى البحر بالخيرات، فكان الفائض من حاجة الأهالي من الأسماك يتم بيعه المناطق المجاورة، كما كان ينقل بعضها إلى مناطق أخرى، حيث تحفظ جيداً في أوعية، كما كان البعض يقومون بعملية تمليح السمك وتجفيفه، كمخزون غذائي لمواسم يصعب خلالها دخول البحر والصيد فيه، كما أن الأصداف التي تقذفها أمواج البحر على الشاطئ فهي أيضاً لها استخدام خاص عند الأهالي في عمل المكاحل.

وتؤكد: كان الخير وفيراً في أرض لا تتوقف عنها الأمطار، وتجري فيها الأودية، كما يشتد النشاط والعمل في القيظ لوفرة الثمار، التي تنتظر قطفها، فالكل يهب للمساعدة وبذل ما يستطيع من جهد في سبيل تقديم يد العون والمساعدة، والتعاون لإنجاز أعمال المزرعة، فتعلمنا من الأهالي قديماً الكثير من أعمال الزراعة، من الصباح الباكر حتى سطوع شمس الظهيرة وبعدها يأتي وقت الاستراحة تحت ظلال الأشجار الوارفة وهبوب النسيم العليل بين ثناياه، وعند المساء يعود المزارعون إلى منازلهم محملين بكل ما تجود به المزارع من ثمار، ويتم توزيع بعضه على الجيران والأهل، حيث كانت البيوت عامرة بالخير من الأرض والبحر، ولم تشتك من الجوع أبداً. 

  • الزراعة ازدهرت في الفريج لكثرة الأودية ووفرة المياه
    الزراعة ازدهرت في الفريج لكثرة الأودية ووفرة المياه

ملامح الحياة
وكان الفريج  بالرغم من تغير اسمه واختفاء ملاحمه خلف مظاهر المباني العصرية، إلا أن المسمى القديم مازال متداولاً خصوصاً على مجرى «وادي صمبريد» الذي تم رصفه وتحويله إلى شارع، لكنه نظراً لأن ملامح التمدن بدأت تظهر وتطغى على كل ما هو قديم، فلم يعد المكان كما في السابق، فالمزارع مسورة، والبحر حُجبت أجزء منه، وقالت: كنا نستشعر جمال الماضي وذكرياته في لحظات الجلوس تحت أشجار النخيل الباسقة التي كانت مصدراً للكثير من المنتجات السعفية، وأيضاً التواجد على شاطئ البحر، الذي كان متنزهاً ومقصداً لشراء الأسماك وما قد يفد من بضائع على متن السفن الراسية، ضمن حياة عنوانها البساطة والألفة والمحبة بين أهالي الفريج، في حقبة زمنية لم تبق منها سوى الذكريات.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©