الجمعة 17 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«المقهوي».. سفير الكرم

سيف الدهماني
5 ابريل 2022 01:26

لكبيرة التونسي (أبوظبي) 

أثناء الحديث عن القهوة العربية عنوان الكرم وحسن الضيافة، لا بد من ذكر دور «المقهوي»، وحرفته المتخمة بمشاهد من العادات والتقاليد، حيث يستحضر الوالد سيف راشد الدهماني صوراً ارتبطت بذاكرة أهل الإمارات ورافقت مجالسهم وحضرت في حلهم وترحالهم. وهذه الحرفة التي لطالما زيَّنت الجلسات الرمضانية، عكست سمة من أجمل سمات المجتمع المحلي ضمن طقوسها العريقة.

موقد ومنصة
من خلف موقده أكد سيف الدهماني أن مهنة «المقهوي» وطقوسها ومكان تحضير القهوة العربية «الحضيرة»، شكّلت مجتمعة منصة للفرح والتسامر وتبادل الأحاديث حول شؤون الحياة الاجتماعية. وكان «المقهوي» بكامل عدته شريكاً في تعزيز مظاهر المحبة والأخوة بين سكان «الفريج» قديماً حيث تُدار في المجالس مناقشة الأفكار وتوراد الأخبار من مختلف القبائل. وتحدث عن دور «المقهوي» وحضوره في مختلف الأوقات والمناسبات، ومساهمته من خلال تقديم القهوة بحسب الأصول، في مد جسور التواصل بين أبناء المنطقة، من خلال إقامة اللقاءات وتدريب الأجيال على المبادئ والقيم من قبل أصحاب الخبرة والحكمة. إذ كانت مجالس «الحضيرة» تحتضن مختلف الأعمار ضمن أصول العطف على الصغير وتوقير الكبير وتقديره. 

الحضيرة
سيف الدهماني لا يزال يمارس طقوس تحضير القهوة القديمة بالطريقة نفسها، في دلالة على أهمية الحفاظ على هذا الموروث، ويجلس في مكانه المفضل «الحضيرة» حيث تجتمع الممارسات التراثية من كرم وضيافة وسنع، ما يعكس تجربة حقيقية ويجسِّد عمق التقاليد التراثية وأصالتها. وفي مشهدية اجتماعية يبدأ تحضير القهوة باختيار أجود أنواعها، ومن ثم دقّها في «المنحاز»، موضحاً أن الصوت الصادر عنه يُعتبر دعوة للجيران والأصحاب لارتشاف فنجان قهوة. وذكر أن الفناجين كانت كبيرة، ومن العادات والتقاليد أن لا يتم ملء الفنجان إلا لربعه، لأن الفنجان قليل القهوة يُعتبر دليل معزّة ومودة، ودعوة ضمنية للبقاء لأطول مدة. أما الفنجان الممتلئ «الممزور» يعتبره البعض إهانة، واستعجالاً للرحيل، لافتاً إلى أن الضيف عندما يكتفي من القهوة يهزّ الفنجان، مردداً: أكرمكم الله. ومن سنع تقديم القهوة التي يحرص أهل الإمارات على الحفاظ عليها وتعليمها للأبناء، أن ضيافتها تبدأ من يمين المجلس، ويقدمها «المقهوي» باليد اليمني التي يحمل فيها الفناجين، فيما يحمل الدلّة باليد اليسرى. ويدور بعدها على باقي الضيوف، للتأكد مما إذا كان أحدهم يرغب بالمزيد، مع ضيافة التمر التي لا يخلو منها مجلس، بحيث تستقبل الضيوف من أهل الفريج، والذين يجتمعون في مختلف الأوقات، ولا سيما وقت الضحى وبعد صلاة العصر والمغرب وخلال شهر رمضان بعد صلاة التراويح.

مراحل 
وذكر الدهماني أن إعداد القهوة يتطلب اتباع طقوس محددة، حيث يوضع البن بعد دقِّه أو طحنه في دلة كبيرة. وكانت القهوة توضع قديماً في وعاء يسمى «الزمزمية»، وهو إناء من الفخار يحافظ على حرارتها وطعمها ولونها، أما الآن فتوضع في «دلة». والماء الذي يُضاف إلى البن المطحون، يجب أن يكون نظيفاً بحسب عادات أهل البدو. وأوضح أن دقّ حبوب القهوة يكون بأداة يُطلق عليها «الرشاد» أو «المنحاز»، وهي عبارة عن هاون ومدقّة يُصنعان من المعدن ويُستخدمان لدق حبوب القهوة والمكوِّنات الأخرى وطحنها. 
ويكون الغلي في دلة «الخمرة»، وهي الوعاء الذي يُستخدم في إعداد القهوة ويتسع حتى 4 ليترات من الماء ويُصنع من النحاس، ويُقدَّم في دلّة «المزلة»، وهو وعاء من النحاس يُستخدم لتقديم القهوة للضيوف. وضمن التقاليد المرتبطة بإعداد القهوة تُستخدَم الأدوات التقليدية، بدءاً من «حمس» حبوب القهوة باستخدام «التاوة» و«المحماس»، ومن ثم تبريدها ودقِّها وبعدها غلي مسحوق القهوة في الدلّة باستخدام «الكوار» و«المنفاخ»، وأخيراً تُقدَّم القهوة في دلة «المزلة» و«الفنيال»، أي الفنجان. 

كرم عربي
«الحضيرة» اسم مشتق من كلمة الحضور، حين يحضر الأهالي إلى المكان، ليحصلوا على جانب من الكرم العربي، باعتباره صفة فُطروا عليها، فالكرم يتمثل في تقديم ما يمتلك أصحاب المكان، وأهمه القهوة، للضيوف أولاً ومن ثم لأنفسهم، ليتشارك الجميع في تناولها، سواء في الزيارات المعتادة أو في الأعياد والمناسبات.

تراث إنساني
سجلت الإمارات 7 عناصر من موروثها على قائمة التراث الثقافي غير المادي لـ «اليونيسكو»، بينها القهوة العربية التي تتمتّع بمكانة خاصة في العادات والتقاليد.

«المحماس» 
تتميز القهوة العربية بنكهتها التي تعكس ذوق «المقهوي» ومنها القرنفل والهيل والزعفران وجوز الطيب وماء الورد. تحمَّص في المقلاة، وتُقلَّب بوساطة «المحماس».    

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©