الأحد 28 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

د. شريف عرفة يكتب: تربية أم ترويض؟

د. شريف عرفة يكتب: تربية أم ترويض؟
11 فبراير 2023 01:54

حين يأتي الحديث عن التربية، عادة ما تقسم الأبوة/ الأمومة إلى: 
* التربية التسلطية «حيث الأولوية للتحكم»
* والتربية المتساهلة «حيث الأولوية لدفء العلاقة» 
* والتربية التشاركية «حيث يزيد كل من التحكم ودفء العلاقة». 
وغالباً ما يتم الترويج للنوع الأخير الذي تكشف الأبحاث عن أنه مفيد فعلاً في صقل شخصية الطفل.. لكن.. هناك نوع آخر وجدوا أنه ليس سيئاً! انظر للقائمة السابقة وحاول أن تخمن.. أيهم؟ 
هل انتهيت؟ حسناً.. بالطبع، الإفراط في التسلط على الطفل سوف يسحق شخصيته.. بينما تشير دراسات إلى أن التربية المتساهلة ليست بالسوء الذي يظنه البعض!
على سبيل المثال، في دراسة إسبانية شملت 2131 شخصاً، تحمل عنوان «أساليب الأبوة/ الأمومة وعلاقاتها بالتكيف الشخصي والاجتماعي بعد المراهقة: هل الأدلة الحالية كافية؟» تقول الباحثة صوفيا جيمينيز سيرانو وزملاؤها من جامعة فالينسيا، ما مفاده: 
«الأطفال من العائلات المتساهلة سجلوا درجات أعلى في التعاطف مع الذات، وكانوا أقل في العدوانية الجنسية، وأقل عصبية من غيرهم. وتتساءل نتائجنا بجدية عما إذا كانت صرامة التربية ضرورية في مرحلة الطفولة وبعد فترة المراهقة..». 
تتكرر هذه النتيجة العجيبة في دراسات بدول مثل تركيا والمكسيك والبرازيل، حيث توضع التربية التساهلية جنباً إلى جنب مع التربية التشاركية، في تحقيق أهداف تربوية مثل: تحسين التقدير الذاتي والتوافق النفسي الاجتماعي والكفاءة الشخصية والابتعاد عن السلوكيات المنحرفة... إلخ.
كان يمكنني - ببساطة - تجاهل هذه النتائج وألا أقدمها للقارئ، كما يفعل أغلب الكتاب.. لكن تعال نفكر معاً.. ما تفسير هذه النتائج العجيبة؟
لو لاحظت النطاق الجغرافي لهذه الدراسات، تجد أننا نتحدث عن شعوب أميركا اللاتينية وحوض البحر المتوسط.. شعوب عاطفية.. حميمة.. دافئة.. هذه الخصوصية الثقافية ربما تخلق الاحتياج النفسي للتعبير عن المشاعر للأبناء أكثر من الشعوب الفردية التي لا تعطي الوزن نفسه للعلاقة الأسرية.. هل ينطبق هذا على الثقافة العربية؟ يبدو ذلك.. وجدتُ دراسة تقارن نمط التربية في الأسر العربية التقليدية من ناحية، والأسر الإسرائيلية الغربية من ناحية أخرى، ووجد الباحثون تفضيلاً عند الأسر العربية للتربية المتساهلة أكثر من المجموعة الأخرى «أسنات دور وزملاؤها، 2010، جورنال أوف أدالت ديفيلوبمينت».
بالطبع، المبالغة في التساهل مع الطفل لدرجة التدليل المطلق وتلبية رغباته كافة دون مساءلة أو عواقب هو الطريقة المثلى لإفساد شخصيته وقدراته على مواجهة الحياة.. لا خلاف في ذلك.. لكن هل الأولوية لدفء العلاقة أم التحكم؟ في ميزان العلاقة، هل الكفتين بالوزن نفسه أم هناك تفضيل لإحداها؟ 
يرى باحثون، أن ترجيح كفة دفء العلاقة - في بعض الثقافات - يخلق بيئة منزلية إيجابية وداعمة تقلل من التوتر وتعزز النمو الصحي وتقدير الذات.. كما أن عدم الإفراط في التحكم قد يسمح لهم باتخاذ قراراتهم الخاصة والتعلم من تجاربهم وتحمل المسؤولية!
علاقتك بأبنائك ليست مجرد تربية وتدريب.. بل يحتاج الأبناء للشعور بقوة العلاقة التي تربطهم بوالديهم وأنهم مصدر أمان وثقة.. لا مجرد ثواب وعقاب.
خلاصة القول.. 
«أساليب التربية الحديثة» التي تقرأها في كتب أميركية غالباً، لا ينبغي أن تنزع من سياقها الثقافي لنطبقها في مجتمعات أخرى أكثر ترابطاً اجتماعياً في الأساس.. 
حسب نتائج الدراسات - وليس رأيي - فإن التربية التساهلية «أي ترجيح كفة دفء العلاقة وعدم التركيز على التحكم فقط» أمر مفيد في بعض الثقافات.. وضع ضوابط لا ينبغي أن يتعارض مع بعض التساهل المفيد للعلاقة ذاتها، دون إفراط بالطبع..
أضف إلى ذلك، أن الغاية من تربية طفل، تختلف عن الهدف من ترويض حيوان!
ألا تتفق معي في هذا؟

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©