الأربعاء 1 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

إصلاح نظم الغذاء.. ضرورة عالمية في مواجهة التغيرات المناخية

إصلاح نظم الغذاء.. ضرورة عالمية في مواجهة التغيرات المناخية
19 فبراير 2024 00:45

شعبان بلال (القاهرة) 

يمثل إصلاح نظم الغذاء العالمية، ضرورة في مواجهة التغيرات المناخية المتفاقمة، حيث تبدأ من خلال التعاون المجتمعي والعمل سويةً بدءاً من المنتج وانتهاء بالمستهلك النهائي حيث يمكن اتخاذ خيارات غذائية صحية أفضل تزيد من الطلب على المنتجات المصنعة من مصادر المستدامة.
ويعتبر تعزيز أنظمة الزراعة التي تستخدم الأساليب المراعية لتغير المناخ وتنتج مزيجاً متنوعاً من المواد الغذائية لتحسين قدرة أنظمة الغذاء على الصمود، وزيادة الدخل المادي للمزارعين وتوفُّر المزيد من المواد الغذائية الغنية بالمغذيات وميسورة التكلفة.
وتقدر القيمة السوقية لأنظمة الغذاء العالمية بنحو 10 تريليونات دولار سنوياً، ومع هذا فإنها تكبد ما بين 6 تريليونات إلى 12 تريليون دولار سنوياً في شكل تكاليف اجتماعية واقتصادية وبيئية خفية.
ووفقاً لتحليل البنك الدولي للدعم الحكومي في 79 بلداً، تنفق الحكومات نحو 570 مليار دولار سنوياً في دعم إنتاج الغذاء، وبشكل أساسي في هيئة دعم للأسعار والمستلزمات، والدفع المباشر للمنتجين. 
ورغم أن بعض هذه الأموال توجه للبحوث والتطوير وسلامة الغذاء والبرامج البيئية، فإنها تظل قدراً ضئيلاً، وثمة مجال لمزيد من التدقيق في توجيه الإنفاق العام من أجل تحقيق الأهداف الإنمائية.
ومن أجل إطعام سكان العالم المتزايدين، وتوفير الأساس للنمو الاقتصادي والحد من الفقر، يجب أن تشهد الزراعة تحولاً كبيراً، وستصبح هذه المهمة أكثر صعوبةً بفعل تغيُّر المناخ.
وتركت الظواهر المناخية الأشدّ قسوة وازدياد عدم القدرة على التنبؤ بأنماط الطقس أثراً على الزراعة والأمن الغذائي، مما أدّى إلى انخفاض الإنتاج وتراجُع الدخول في المناطق المعرَّضة للضرر.
انخفاض الإنتاج
اعتبر أستاذ الموارد المائية وخبير المياه الدولي، الدكتور أسامة سلام، أن التقديرات تشير إلى أن تغير المناخ قد يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية العالمية بنسبة 2% - 10% بحلول 2050، وقد تكلف الأضرار التي لحقت بالزراعة بسبب تغير المناخ 20 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2050.
وتوقع سلام في تصريح لـ «الاتحاد»، أن يزداد نقص المياه في العديد من المناطق، مما يؤثر على الزراعة وإنتاج الغذاء، بخلاف تغير أنماط الطقس من موجات الجفاف والفيضانات والأعاصير التي تؤدي إلى تلف المحاصيل وتعطيل سلاسل التوريد الغذائية، لافتاً إلى أن درجات الحرارة المرتفعة تؤدي أيضاً إلى انتشار الآفات والأمراض التي تؤثر على المحاصيل والثروة الحيوانية. 
وحول المناطق الأكثر تأثراً بتغير المناخ، أوضح سلام، أن المناطق الجافة وشبه الجافة وهي أكثر عرضة للآثار السلبية لتغير المناخ، مثل الجفاف ونقص المياه، وكذلك المناطق الساحلية التي تواجه خطراً متزايداً من الفيضانات وارتفاع مستوى سطح البحر، مما يؤثر على الزراعة وصيد الأسماك، بالإضافة إلى المناطق الجبلية والتي شهدت ذوبان الأنهار الجليدية وتغير أنماط هطول الأمطار، مما يؤثر على الزراعة وإمدادات المياه.
تهديدات البشر
وبحسب سلام فإن نقص الغذاء يؤدي إلى تفاقم الجوع وسوء التغذية، خاصة بين الفئات الضعيفة مثل الأطفال والنساء، مشيراً إلى أن ندرة المياه والغذاء يؤدي إلى تفشي الأمراض المعدية، وأن هذه الأزمات قد تؤدي لنزوح السكان والصراعات على الموارد.
عوامل مواجهة
وحدد أستاذ الموارد المائية عدة عوامل لمواجهة تداعيات تغير المناخ على الأمن الغذائي، أولها الاستثمار في تقنيات الزراعة المقاومة للمناخ، وتحسين إدارة الموارد المائية، وبناء أنظمة غذائية أكثر مرونة، بالإضافة إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من خلال الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة وتحسين كفاءة الطاقة، وأخيراً العمل الجماعي لتطوير حلول عالمية لمواجهة تحديات تغير المناخ والأمن الغذائي.
تأثيرات مباشرة 
وبحسب نائب مدير مكتب تغير المناخ والتنوع البيولوجي والبيئة في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو» زيتوني ولد دادا، فإن لتغير المناخ تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على نظم الأغذية الزراعية بسبب تغير أنماط هطول الأمطار ودرجات الحرارة التي لا يمكن التنبؤ بها، وارتفاع معدل حدوث الظواهر الجوية المتطرفة والكوارث مثل الجفاف والفيضانات وتفشي الآفات والأمراض وتحمض المحيطات، لافتاً إلى أن تغير المناخ يؤدي إلى زيادة تواتر وشدة ومدة الظواهر الجوية المتطرفة مثل الجفاف والفيضانات والعواصف الرملية التي تؤثر على إنتاج الغذاء والأمن الغذائي وسبل العيش الريفية. 
وأوضح زيتوني ولد دادا في تصريح لـ «الاتحاد»، أن النتائج الأخيرة لحالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم، أن 735 مليون شخص واجهوا نقص التغذية في عام 2022، وهو ما يزيد على 122 مليون شخص عن عام 2019، والدوافع الرئيسية هي وباء كورونا وتغير المناخ والصراعات بما في ذلك الأزمة في أوكرانيا.
وذكرت «الفاو» أن معالجة أزمة الأمن الغذائي الناتج عن تغير المناخ تتطلب اتخاذ إجراءات حاسمة عبر النظام الزراعي والغذائي، بما في ذلك سلاسل التوريد الزراعية، واعتماد نهج الزراعة الذكية مناخياً وممارسات إدارة موارد الأراضي والمياه وممارسات تكيّف ضرورية للزراعة وسبل العيش في المنطقة، بالإضافة إلى تدابير التخفيف. 
خسائر كبيرة
خسائر غير مسبوقة تكبدها الفلاح المصري راقي بسيس، في زراعته لمحصول القمح نتيجة تذبذب درجات الحرارة والتقلبات الجوية التي أثرت على المحصول، وتسببت في انخفاضه بنسبة تزيد عن 50%، والذي يعد أحد أهم المحاصيل الاستراتيجية بالنسبة للأمن الغذائي. 
وأصيب محصول القمح الذي زرعه بسيس خلال عام 2023 بأمراض «الصدأ الأصفر والرقاد» نتيجة موجات الصقيع وارتفاع وانخفاض درجات الحرارة بطريقة غير متوقعة نتيجة تغير المناخ الذي زادت تأثيراته على القطاع الزراعي العالمي خلال السنوات الأخيرة وهدد ملايين المزارعين الذين يمثلون عاملاً أساسياً في إنتاج المحاصيل الزراعية التي تدعم الأمن الغذائي لتلك الدول. 
ذات الخسائر التي يعيشها بسيس، يواجهها أيضاً ملايين المزارعين في دول عربية وأفريقية وغربية عديدة كتونس والمغرب واليمن والصومال والسودان وغيرهم، إذ تأثر إنتاج المحاصيل نتيجة عوامل مختلفة من تغير المناخ كارتفاع وانخفاض درجات الحرارة بشكل غير متوقع وموجات الجفاف والصقيع وعدم توافر المياه وارتفاع مناسيب مياه البحر وغيرها من العوامل الأخرى. 
وتؤكد دراسات علمية أن الارتفاع والانخفاض في درجات الحرارة وانخفاض نسب توافر المياه وهطول الأمطار المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية، تقلل من صافي الإنتاجية للمحاصيل الزراعية، وسوف تتسبب في زيادة الآفات وأمراض النبات مع تأثيرات مباشرة على تدمير المحصول نتيجة توافر الظروف المناسبة لـ«العقد والتزهير» وهي المراحل الأولى لتكوين المحصول. 
وبحسب منظمة الأغذية والزراعة «الفاو»، في أن تغيُّرات المناخ تهدد القدرة على تحقيق الأمن الغذائي العالمي، والقضاء على الفقر، وتحقيق التنمية المستدامة، موضحةً أن انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن النشاط البشري تعد محركاً رئيسياً لهذه التغيرات. 
وأوضحت أن للتغير المناخي آثاراً مباشرة وغير مباشرة على الإنتاجية الزراعية، تتضمن تغيُّر أنماط هطول الأمطار، والجفاف، والفيضانات، وإعادة التوزيع الجغرافي للآفات والأمراض، وإن الكميات الهائلة من «ثاني أكسيد الكربون» التي تمتصها المحيطات تتسبب في التحمُّض، مما يؤثر على صحة محيطاتنا وأولئك الذين تعتمد سبل عيشهم وتغذيتهم عليها. 
ما تعرض له بسيس وغيره من المزارعين المصريين تعرض له أيضاً الفلاح التونسي بيرم حمادة، الذي يعمل كعضو مجلس نقابة المزارعين في تونس أيضاً، والذي أكد أن أزمة الجفاف وارتفاع الحرارة ونشوب الحرائق وندرة المياه تسببت في خفض المساحات المزروعة وتراجع المحاصيل، مما كبد المزارعين خسائر مالية كبيرة وخسائر في الإنتاج تتجاوز 50% في عدة زراعات بسبب شح المياه والتغيرات المناخية. 

انخفاض الإنتاج
تشير بيانات وزارة الزراعة التونسية إلى أنه تم جمع 2.7 مليون قنطار من الحبوب فقط في موسم 2022، مقابل 7.5 مليون قنطار في الموسم السابق، و15 مليوناً في 2020، ما يهدد الأمن الغذائي لما يقرب من 2.7 مليون أسرة في تونس يعانون نقصاً في الخبز الذي يعتمد في الأساس على القمح. 
حمادة يؤكد أن جميع الزراعات في تونس من محاصيل وخضر وفاكهة قد تأثرت سلباً بصورة بالغة الخطورة نتيجة تداعيات تغير المناخ ما يهدد الأمن الغذائي والاقتصاد أيضاً نتيجة زيادة عمليات الاستيراد من الخارج لتغطية الاحتياجات الداخلية الأساسية للأهالي. 
وهو ما أكده الدكتور محمد الزمرلي، المسؤول بوزارة البيئة التونسية، موضحاً أن مظاهر التغير المناخي وتداعياته تشهد نسقاً متسارعاً بتونس، التي تعد إحدى الدول الأشد تضرراً من تأثيرات التغيرات المناخية، مضيفاً أن هذه التغيرات تتمثل في ارتفاع معدلات درجات الحرارة والتي فاقت 1.6 درجة مئوية مقارنة ببداية القرن العشرين، وهي معدلات فاقت بكثير ارتفاع معدلات درجة الحرارة على المستوى العالمي. وأشار الزمرلي إلى تقلص واضح في مستوى تساقط الأمطار وتفاقم الكوارث الطبيعية خاصة الفيضانات والحرائق، والفقدان التدريجي للرمال وانجراف الشريط الساحلي بأكثر من 15%.
موجات جفاف
وتتضاعف تداعيات تغير المناخ في الصومال الذي شهد موجات جفاف غير مسبوقة تسببت في معاناة ما يقرب من 5 ملايين شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد بحسب تقارير الأمم المتحدة، الذي أكد أن الفيضانات والجفاف الشديد والتصحر أثر على الإنتاجية الزراعية وصادرات الثروة الحيوانية ورفع معدلات البطالة والفقر في المناطق الريفية. 
وتوفر الزراعة والثروة الحيوانية سبل الكسب لأعداد كبيرة من الصوماليين، بمن فيهم العديد من النساء، ولكن بالنسبة للكثير من الرعاة من مربي الأغنام والماشية، أدت مواسم الأمطار القليلة الأخيرة إلى تدمير مصدر دخلهم الوحيد، حيث يعد الصومال من بين ثلاث دول في القرن الأفريقي تواجه أزمة الجفاف، وتعتبر موطناً لنحو 70% من الأشخاص الأكثر معاناة من انعدام الأمن الغذائي في العالم، وهي إثيوبيا وكينيا والصومال. 
تحكي المزارعة الصومالية عبادة في منطقة «أودال» في غرب أرض الصومال، وهي أم لـ 7 أطفال تبلغ من العمر 54 عاماً، معاناتها في إطعام وتوفير الماء لقطيع الماعز الذي تملكه ويمثل المصدر الوحيد للتكسب بشكل آمن ومستقر، موضحةً أن الجفاف الذي طال أمده في الصومال جعلها غير قادرة على إطعام أو توفير الماء لقطيعها. 
ويشير تقرير للأمم المتحدة إلى نفوق أعداد كبيرة من الماشية بسبب الجفاف في جميع أنحاء الصومال هذا العام، حيث هلكت قطعان الماشية – التي غالباً ما تكون المصدر الوحيد للدخل والغذاء للعديد من الأسر الصومالية، ويؤدي ذلك إلى تفاقم الصراع والنزوح والتنافس على الموارد الطبيعية المحدودة من أجل البقاء على قيد الحياة. 
آثار سلبية
لم يختلف الوضع كثيراً في اليمن، إذ تأثر المزارعون بصورة بالغة الخطورة نتيجة تغير المناخ، إذ أوضح مستشار هيئة حماية البيئة لشؤون التغيرات المناخية في اليمن المهندس فهمي عبدالهادي بن شبراق، أن العديد من المناطق اليمنية تتعرض إلى ارتفاع درجات الحرارة، والجفاف الطويل، وتذبذب سقوط الأمطار، وتغير في مواعيد مواسم الزراعة والحصاد المرتبطة بالمواسم المطرية أو العواصف والأعاصير والسيول الجارفة وتدهور التربة الزراعية بشكل كبير ونضوب وتلوث مصادر المياه. 
وأشار لـ «الاتحاد»، إلى تفاقم الآثار السلبية الناتجة عن تغير المناخ على اليمن المتمثلة بشكل رئيسي في ازدياد ظاهرة الجفاف ونقص الأمطار، تسبب في حدوث استنزاف كبير في مساحة الغابات والأراضي الحراجية، وبالتالي تعرية التربة وتصحرها، مشيراً إلى أن الغطاء النباتي يمثل غطاء حماية طبيعي ضد تعرية التربة الزراعية وانجرافها بفعل حركة المياه أو الرياح، كما يمثل جدار صد فعال ضد زحف الرمال والكثبان الرملية على الأراضي الزراعية والحراجية. 
وبين تقرير رسمي للبنك الدولي ارتفاع عدد الذين يعانون من الجوع باليمن إلى 17 مليون شخص في 2023 من 10.6 مليون في عام 2014، نتيجة تأثر جميع المناطق الزراعية في اليمن من ظروف الجفاف مع ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة خلال الأعوام الماضية، وارتفاع نسبة التصحر من 90% عام 2014 إلى 97% عام 2022، الأمر الذي أدى إلى خسارة سنوية تتراوح بين ثلاث وخمس بالمئة من الأراضي الصالحة للزراعة. 
الأكثر تأثراً
وتمتد تداعيات تغير المناخ على الأمن الغذائي في مختلف دول العالم بنسب متباينة، لكن نحو 80% من سكان العالم الأكثر عرضة لمخاطر تلف المحاصيل والجوع بسبب تغيّر المناخ يعيشون في أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا بحسب تقرير للبنك الدولي. 
وفي تلك المناطق ترتفع معدلات الفقر والمعاناة بين الأسر العاملة في مجال الزراعة بدرجة أكبر من غيرها، ويمكن لوقوع موجة جفاف شديدة بسبب ظاهرة «النينيو» المناخية أو تغيّر المناخ أن تدفع ملايين آخرين إلى براثن الفقر، فبلدان مثل الفلبين وفيتنام، تتمتع بدخل مرتفع نسبياً، لكن المزارعين غالباً ما يعيشون على حافة الفقر، وتؤثر زيادات أسعار المواد الغذائية تأثيراً كبيراً على المستهلكين الفقراء في المناطق الحضرية.
ويوضح أستاذ التغيرات المناخية المصري الدكتور محمد علي فهيم، أن تغير المناخ له تداعيات مباشرة على الأمن الغذائي نتيجة نقص إنتاجية المحاصيل الزراعية واضطرار الدول إلى تعويضها بالاستيراد، فالتغير المناخي ليس في صالح ميزان الأمن الغذائي لأي دولة. 
ويضيف فهيم لـ «الاتحاد»، أن هناك أمثلة كثيرة لتداعيات تغير المناخ المتمثلة في موجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة وانخفاضها موجات الصقيع وطول أيام الشتاء أو الصيف، موضحاً أن هذه التداعيات تؤدي إلى «تشوه» النظام المناخي وتعيق حصول النبات على احتياجاته من البرودة والحرارة والمياه ما يؤدي لنقص الإنتاجية أو عدم جودة المحصول. 
وتشمل تداعيات تغير المناخ بحسب فهيم، الكوارث الطبيعية من حرائق وفيضانات وأمطار غزيرة وسيول وعواصف تؤدي لتدمير الزراعة بالكامل بشكل مباشر وليس فقط نقص إنتاجية المحصول بنسب معينة، موضحاً أن أزمة تغير المناخ ظاهرة عالمية ذات تأثيرات محلية، وغير عادلة، فهي تؤثر على الأماكن الأضعف.
وما لم تُحل هذه المشكلة، فإن انخفاض غلة المحاصيل، لاسيما في مناطق العالم الأشدّ معاناة من انعدام الأمن الغذائي، سيؤدي إلى سقوط المزيد من الناس في براثن الفقر - ومن الممكن أن يسقط نتيجة لذلك ما يقدر بنحو 43 مليون شخص في أفريقيا وحدها تحت خط الفقر بحلول عام 2030، بحسب البنك الدولي.
تحذيرات دولية
تقول منظمة «الفاو»، أن البيانات المستقاة من تقييمات أجريت في أعقاب الكوارث بين عامي 2007 و2022 أشارت إلى أن الخسائر الزراعية شكلت نسبة 23% من إجمالي الأثر الناجم عن الكوارث في جميع القطاعات، موضحة أن موجات الجفاف وحدها تسببت بأكثر من 65% من الخسائر في قطاع الزراعة خلال تلك الفترة، وتقدر قيمة تلك الخسائر بمبلغ 3.8 تريليون دولار من إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية خلال الثلاثين عامًا الماضية.
وأوضحت «الفاو»، في تقرير لها نهاية ديسمبر 2023، أن الزراعة تعد القطاع الأكثر تضررا، حيث أفادت نسبة 40% من البلدان عن خسائر اقتصادية مرتبطة بصورة مباشرة بالزراعة، مؤكدة الحاجة الماسة إلى بذل جهود موجهة نحو معالجة مواطن الضعف في النظم الزراعية والغذائية، لدورها المحوري بالنسبة إلى سبل العيش والتنمية المستدامة.

الإمارات.. دعم متواصل للأمن الغذائي العالمي
تلعب دولة الإمارات العربية المتحدة دوراً رائداً في دعم الأمن الغذائي العالمي عبر طرح الحلول وإطلاق المبادرات، ودعم المشاريع التي تسهم في تحسين إنتاج الغذاء وتأمين استدامة سلاسل توريد المواد الغذائية ومكافحة الجوع في العالم.
وأطلقت الإمارات عدة مبادرات لتسريع التحول في النظم الغذائية وصولاً إلى تحقيق ثاني أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في القضاء التام على الجوع بحلول عام 2030، وعلى رأسها مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ بالشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية. 
وانضمت الإمارات أيضاً إلى مبادرة التطور الزراعي بقيادة المملكة المتحدة، والتي تسعى بشكل أساسي إلى جعل الزراعة المستدامة المقاومة للمناخ الخيار الأكثر جاذبية واعتماداً لدى المزارعين في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2030. 
وتمثل الإمارات أحد أهم الشركاء الاستراتيجيين لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأم المتحدة «الفاو»، وهو ما تجلى في العديد من المساهمات التي قدمتها الدولة لدعم مساعي المنظمة في تعزيز الأمن الغذائي المستدام للمناطق الأكثر احتياجاً في المنطقة والعالم. 
واعتبر خبراء أن دولة الإمارات تشكل نموذجاً يحتذى به في تعزيز أمنها الغذائي بأكثر التقنيات والوسائل المستدامة، والتي تساهم في الحد من المتغيرات المناخية والمحافظة على البيئة على المستوى الوطني والعالمي. 
ونجحت الإمارات خلال مؤتمر «COP28» في حشد 134 دولة وقّعت على إعلان «COP28» بشأن الزراعة المستدامة والنظم الغذائية المرنة والعمل المناخي، الأول من نوعه، كما أعلنت عن حشد ما يزيد على 2.5 مليار دولار لدعم الأمن الغذائي في إطار مواجهة تغير المناخ، وتضم الدول الـ 134 الموقعة على إعلان «COP28» بشأن الزراعة المستدامة والنظم الغذائية المرنة والعمل المناخي، أكثر من 5.7 مليار شخص ونحو 500 مليون مزارع، كما تنتج 70% من الغذاء، ومسؤولة عن 76% من إجمالي انبعاثات النظم الغذائية العالمية، و25% من إجمالي الانبعاثات العالمية، وسيساهم التوافق على الإعلان في تعزيز النظم الغذائية، وبناء المرونة المناخية، والحد من الانبعاثات العالمية، ودعم الجهود العالمية للتصدي للجوع، بما يتماشى مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
وعقدت الإمارات ومؤسسة «بيل وميليندا غيتس» شراكة بقيمة 735 مليون درهم لدعم النظم الغذائية، والابتكار الزراعي، والعمل المناخي. وتهدف الشراكة إلى توسيع نطاق البحوث والابتكارات الزراعية وتوفير التمويل اللازم لدعم التعاون التقني لتنفيذ أهداف الإعلان. 
ورأى خبير التنمية المستدامة الدكتور أسامة سلام أن الإمارات تلعب دوراً محورياً في دعم الأمن الغذائي العالمي، موضحاً أن إطلاق مبادرة «الابتكار الزراعي للمناخ» تعتبر مثالاً واضحاً للدور الإماراتي في زيادة الاستثمارات في النظم الغذائية العالمية المستدامة والمبتكرة والمقاومة لعوامل التغير المناخي. 
وأوضح الدكتور أسامة سلام، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن هذا الدور المحوري للإمارات يأتي في إطار التزامها القوي بتعزيز الأمن الغذائي العالمي، حيث تمتلك الدولة خبرة واسعة في هذا المجال، حيث تتمتع ببنية تحتية زراعية متطورة واستثمارات ضخمة في مجال البحث والتطوير الزراعي. 
وأوضح سلام أن الإمارات من خلال مبادراتها المتنوعة تهدف إلى تعزيز القدرات الزراعية في الدول النامية والبلدان الجزرية الصغيرة النامية، ودعم جهودها الرامية إلى تحقيق الأمن الغذائي المستدام، كما تهدف إلى تشجيع الاستثمارات في التقنيات الزراعية الجديدة والمبتكرة، بما في ذلك تقنيات الري الذكية والزراعة الدقيقة والزراعة المستدامة.
وشدد خبير التنمية المستدامة على أن هذه الجهود من المتوقع أن تساهم في تحسين الإنتاجية الزراعية في الدول النامية والبلدان الجزرية الصغيرة النامية، بالإضافة والحد من تأثير التغير المناخي على النظم الغذائية العالمية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©