كل عام وأنتم بخير، فمازلنا نعيش فرحة عيد الفطر السعيد، أسأل الله أن يتقبل عنا أحسن ما عملنا، وأن يتجاوز عن الزلل منا، لم أجد في مخيلتي موضوعاً يصلح للنشر مع العيد مثل التطرق للمسلسلات الخليجية التي عُرضت علينا خلال شهر رمضان، وبما أن الإعلام يحمل على عاتقه مسؤولية وطنية في الترفيه البناء، فإن من حقنا كمتابعين أن نبدي ملاحظاتنا من أجل إعلام هادف.
لو قال لك شخص ما، إن جل الأسرة الخليجية مكونة من زوج جشع خائن، وزوجة مرتابة حاقدة، وبنات مترفات مارقات، وشباب مسرف على نفسه في الملذات، وأواصر أسرية محورها المؤامرات، فهل ستقبل كخليجي منه هذه الصفات؟
أهل الخليج العربي تجمعهم سمات الإسلام الوسطي الذي يرفض التطرف من جانب لكنه لا يقبل الانحلال الأخلاقي، ونحن عرب لنا هويتنا الأخلاقية التي ورثناها عبر الزمن، سواء كنا من البادية أو الحضر، ولا تقبل أخلاقنا أن تروج بعض هذه المسلسلات لقيم تتعارض مع ديننا وأعرافنا وتقاليدنا، لأننا دون خصوصيتنا الأخلاقية سيجرفنا طوفان العالمية، ويرمي بنا في وسط نكون فيه مفعولاً به منصوب الإرادة بدلاً من أن نكون فاعلاً مرفوع الرأس.
ما أزعجني من هذه الدراما، بعدها النفسي الخفي، فهي تغرس في نفوس الأجيال القادمة سوء الحياة الأسرية، ويطرح الشباب على أنفسهم تساؤلات ملخصها أن كان هذا فعلاً هو واقع الحياة الزوجية فلِم أقدم على مغامرة الزواج؟ كلنا يدرك خطورة هذا المنزلق على القيم الأخلاقية والتركيبة السكانية، إن الدراما الخليجية يحمل بعضها منهاجاً خفياً يدفع الشباب للتفكير أكثر من مرة في الإقدام على بناء لبنة صالحة قوامها المودة والرحمة، وحصنها الأسرة الممتدة التي تفرح معها في السراء وتدعمها عند البلاء، كما أن هذه المسلسلات تعزز الريبة وتدعو إلى الشك، فقد نسفت كل قيم الفطرة السوية التي أنعم الله بها علينا، فكأننا مرضى بحاجة ماسة لعلاج نفسي قبل أن يأمنَ بعضُنا الآخر!
البديل في تصوري متاح، فأهل الخليج لهم تاريخهم الذي يفتخرون به، وبالإمكان البحث في ثنايا هذا التاريخ عن قصص نجاح يقتدي بها الجيل القادم، كما أن سجلنا المعاصر به إنجازات نفخر بها، فنستطيع مثلاً تحويل قصص الشباب الذين فازوا بجائزة «تحدي القراءة العربي» إلى مسلسل درامي إيجابي، يحث على القراءة، ومن قصص صناع الأمل روافد أخرى لدراما واقعية تلخص مفهوم البذل والعطاء.
للأسف الشديد هذه بعض الرسائل النفسية السلبية التي حملتها بعض المسلسلات الخليجية، كونت هذه الملاحظات بمتابعة بعض الحلقات، لذلك أدعو الزملاء الكرام في أقسام الإعلام وعلم النفس والاجتماع في جامعات مجلس التعاون الخليجي للتداعي إلى مؤتمر علمي ندرس فيه الآثار النفسية والاجتماعية التي تنتج عن مثل هذه الدراما، ويخلص المؤتمر في توصياته إلى معايير تسهم في إجازة النص أو السيناريو قبل تحوله إلى عمل درامي، لأن أجهزة الرقابة تنقصها مثل هذه المعايير المجتمعية العلمية.