ما إن ظهر الأمير بندر بن سلطان على شاشة قناة العربية، في حديث وثائقي بشهادته على العصر، حتى انفجرت التصريحات والهجوم على سموه وعلى المملكة العربية السعودية، ممن تعودوا منا الصمت على مواقفهم الناكرة والمخزية إزاء قضيتهم الكبرى التي تحملت المملكة ودول الخليج جزءاً كبيراً منها، وهو الجزء الجاد من الجهود والرحلات المكوكية، بغية حل القضية، بينما تحمّل الإخوة في السلطة الفلسطينية الجزء المماطل واللامبالي من قضية العصر، التي هي قضيتهم!
منذ توقيع الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين معاهدة السلام مع إسرائيل، والتي كان أهم بنودها وقف ضم الأراضي الفلسطينية، كبداية لحل شامل وعادل للقضية يفضي إلى تطبيق «حل الدولتين»، والهجمات لم تتوقف ضد دول الخليج الثلاث، السعودية والإمارات والبحرين. وقد تطورت هذه الهجمات، فوجهت من السلطة نفسها وسفرائها، بما في ذلك التصريحات الكاذبة التي أطلقها سفير فلسطين لدى فرنسا سلمان الهرفي. وهذا ما استنكره معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، الثلاثاء الماضي، حيث كتب معاليه، عبر حسابه في تويتر: «لم يفاجئني حديث السفير الفلسطيني لدى باريس وتناوله الجاحد للإمارات، تعودنا قلة الوفاء ونكران العرفان»، قبل أن يختم: «نحن نمضي واثقين نحو المستقبل بخطواتنا وقناعاتنا».
لقد كثرت الإساءات، وفاض الكيل من هذا الجحود الذي لا تفسير له، سوى كرمنا في السعودية والإمارات نحو القضية الفلسطينية، وتبني قيادتنا لهذه القضية الشائكة، على مدى أكثر من سبعة عقود، والوقوف مع الشعب الفلسطيني بكل مقدراتنا وجهودنا السياسية والدبلوماسية المتاحة، وسئمنا من هذا النكران المتزايد مع كل حراك سياسي في المنطقة، فنحن متهمون على الدوام دون دليل، ونحن متنصلون دون برهان، في الوقت الذي لا تزال الجهود هي ذاتها لحل القضية، والمساعدات هي ذاتها لدعم السلطة والشعب الفلسطينيين، فما العمل مع مَن تمد له يدك فينهشها؟!
كان لخروج الأمير بندر بن سلطان آل سعود بعد أربعة عقود من الصمت، وقعٌ كبير على المستوى السياسي والشعبي على حد سواء، فالأمير هو الدبلوماسي، رجل المهمات الصعبة وسفير المملكة لدى واشنطن، منذ عام 1983م وحتى عام 2005، والطيار الحربي الذي ترك العسكرية بعد إصابته البليغة، منتقلاً إلى العمل الدبلوماسي، كسادس سفير سعودي لدى الولايات المتحدة، وأحد أبرز عرابي القضية الفلسطينية، بحكم شخصيته المؤثرة، ودهائه السياسي، وقربه من صناع الرأي والسياسة في أميركا وعلاقاته الوطيدة مع الساسة هناك، حيث كان لجهوده أثر كبير على سير القضية، ومواقف متعددة لتقريب وجهات النظر بين الجانب الفلسطيني والرأي العام العالمي حول القضية، فالشهادات والوثائق التاريخية، كلها تبرهن وتثبت ما تفضل به من تصريحات شجاعة ومشافهة تاريخية، واضعاً النقاط على الحروف، ومبيناً دور المملكة ودول الخليج في القضية الفلسطينية التي اكتشفنا بعد عقود وجهود وعمل سياسي مضن، أنه لم يسئ لها تاريخياً أكثر من أصحابها!
كانت القيادات السياسية الفلسطينية تراهن على الصمت السعودي إزاء هذه الإساءات والإهانات المتكررة، لكنها لم تتوقع يوماً أن يخرج أكثر الأشخاص إلماماً بقضيتهم لينسف رهانهم، ويكشف ما كان يدور في الدهاليز السياسية من لملمة لتنصلاتهم، وتحملاً لإخفاقاتهم وإهمالهم وتضييعهم للفرص التاريخية، التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الحل، لولا أنهم أنفسهم من أوصل فلسطين إلى ما هي عليه اليوم. فقد أظهرت المكاشفة أن معرقلات القضية الفلسطينية لم تكن سوى السلطة الفلسطينية نفسها! 
لملمة الإساءات لترقيع «قميص عثمان» لم تعد مجدية، والشق بات أكبر من الرقعة، والحل لم يعد بيد سلطة لا تجيد إلا رمي إخفاقاتها وعثراتها التاريخية على دول الخليج وتأجيج الشارع الفلسطيني ضد قياداته وشعوبه، بل الحل هو «حل السلطة» ليتسنى تجديد المساعي لحل الدولتين دون مزايدات.

*كاتبة سعودية