المفاوضات بين لبنان وإسرائيل كانت في البدء مقتصرة على الحدود البحرية، لكن في ما بعد جرى تطوير الفكرة لتصبح مفاوضات بحرية برية. وفكرة ترسيم الحدود ليست وليدة اليوم، بل اتفق عليها الطرفان في عام 2019، بحسب تصريح للجانب الإسرائيلي، لكن يبدو أنها ظلت بعيدة عن العلن. وفي عام 2018، وقّع لبنان عقداً للتنقيب البحري عن الغاز والنفط مع ثلاث شركات أجنبية أبرزها «توتال» الفرنسية، وهذا على الأرجح ليس له علاقة بالتعهد الفرنسي بإنقاذ لبنان من الانهيار. وفي الأول من أكتوبر الجاري أطلَّ رئيس مجلس النواب اللبناني رئيس مليشيا حركة «أمل»، نبيه بري، عبر شاشات التلفزة ليعلن، أن لبنان سيجري محادثات مع إسرائيل حول الحدود البرية والبحرية. لماذا جاء الإعلان عن حدث تاريخي من رئيس مجلس النواب وليس من رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية؟ لا تُعرف الأسباب، لأن اتفاق الإطار للمفاوضات بين الطرفين برعاية أممية ووساطة أميركية، كان قد شهده الثنائي («أمل» و«حزب الله») ووافقا عليه، وبالتالي فمن الأنسب أن يعلن أحدهما الحدث ليطيّر رسالة تطمين بأن الزمن قد تغير. وبدأت فعلياً الجولة الأولى من المفاوضات بين لبنان وإسرائيل في 14 أكتوبر الجاري في مقر قيادة القوات الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) بمنطقة الناقورة. وعبر جولة سريعة بين المواقع الإخبارية والفيديوهات ذات الصلة والاستماع إلى تحليلات لمعلقين سياسيين، فإن الإعلان اللبناني عن المفاوضات الثنائية بين الطرفين بوساطة أميركية، هو خطوة إذا ما تمت بسلاسة ودون معوقات أو عراقيل أو عنتيريات، فإنها ستغيّر عملياً مصطلح «حالة الحرب» إلى «حالة السلم» أو «حالة اللاحرب» كمصطلح ضبابي، كما اعتبر البعض أن المفاوضات الحدودية الجارية حالياً، تعتبر سياسياً اعترافاً لبنانياً بإسرائيل، أو أنها تندرج في إطار الاعتراف الرسمي بإسرائيل. والمسألة هنا ليست مستغربة أو مستنكرة، فأمر مهم كهذا يعود أولا وآخراً إلى الشعب والدولة اللبنانيين، لاسيما أن النظام العربي الرسمي أعلن في أكثر من مناسبة أن السلام خيار استراتيجي لدول المنطقة. لكن هناك في لبنان مَن بدأ يمارس «تدوير الزوايا» ويُطلق مسميات على المفاوضات الجارية، فتارة يسمِّيها «مفاوضات تقنية» وتارة أخرى يسميها «مفاوضات فنية محددة».. بهدف التضليل والمزايدة، فبعد هذه المفاوضات ستفقد بعض الأحزاب اللبنانية دورها.