كتبت هذه المقالة في وقت سابق قبل وفاة المغفور له الشيخ صباح الأحمد الجابر أمير دولة الكويت الراحل، طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته، ولكن نظراً للنبأ الأليم بوفاته تم تأجيل نشرها إلى هذا الوقت.
وفي خطوة نادرة لافتة للانتباه منح رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب وسام الاستحقاق بدرجة قائد أعلى للمرحوم أمير دولة الكويت الشقيقة التي نكن لها في دول الخليج العربي كل تقدير واحترام ومودة صادقة وحب عميق.
إن منح الأمير الراحل مثل هذا الوسام الرفيع، هو تشريف لعرب الخليج يشكر عليه الرئيس ترامب، لأنه منحه لقائد خليجي فذ كان ولا يزال له حب عميق صادق في قلوب المواطنين الخليجيين ولدى العديد من شعوب الأرض الذي وصلت أياديه الخيرة البيضاء إليهم، فهو فارس من فرسان السلام الحقيقيين في عالم اليوم.
إن وسام الاستحقاق الأميركي بدرجة قائد أعلى هو وسام عالي الدرجة نادراً ما تمنحه الولايات المتحدة، ولا يُمنح سوى من قبل رؤسائها لقادة الدول الذين يقدمون خدمات جليلة لشعوبهم وللإنسانية ضمن تعزيز علاقات بلادهم بالولايات المتحدة، ومنحه لأمير الكويت الراحل، طيب الله ثراه، يأتي تقديراً مستحقاً له في خدمة البشرية.
كان الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، شخصية غنية عن التعريف، فقد عمل في خدمة وطنه وأهل الخليج العربي جميعاً لعقود طويلة دون كلل أو ملل، وفي هذه العجالة أود طرح صورة مشرفة لما كان يكنه ذلك الشيخ الجليل لأهل الخليج العربي ولأهل الإمارات دولة وقيادة وشعباً بشكل خاص.
لقد جمعتني به ظروف عملي وجهاً لوجه معه مرة واحدة في حياتي، كان ذلك عام 1978 في منزل سفير دولة الكويت آنذاك في العاصمة السودانية الخرطوم محمد سالم البلهان الذي قدمني إليه كقائم بأعمال سفارة دولة الإمارات وأحد خريجي جامعة الكويت.
كان اللقاء يضم عددا قليلا من المدعوين، فكانت الفرصة متاحة لي لكي يتحدث إليّ الأمير الراحل لفترة أطول مما كنت أتوقعها.
وعندما سمع رحمه الله اسم دولة الإمارات وبأن من يمثلها في السودان هو أحد خريجي جامعة الكويت انفرجت أساريره وشعرت بأنه كان سعيداً جداً بما سمعه.
بعد الغداء، جلس إلينا لكي يحدثنا في أمور السياسة وحول علاقات دول الخليج العربي بالسودان، ووفقاً لأصول العرف الديبلوماسي والآداب المتبعة في مثل هذه اللقاءات، وكان الأمير الراحل وقتها وزيراً للخارجية يقوم بزيارة رسمية للسودان، جلست بعيداً عن صدر المجلس تأدباً واحتراماً لشخصه الكريم، فما كان منه إلا أن أشار إليّ بيده لكي أقترب منه حيث يجلس وأكون إلى جانبه، ففعلت، فبادرني بالسؤال: كيف هم أهلنا في الإمارات، فنحن نسمع بأن الأمور تسير من حسن إلى الأحسن؟ فأجبته بأدب: نعم يا طويل العمر الإمارات وأهلها بألف خير طالما أن من يقودها هو الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وطالما أن أشقائنا في دولة الكويت ودول الخليج العربي الأخرى يشدون أزرنا، لكن الطريق لا يزال طويلاً أمامنا، فلم يمضي على تأسيسها سوى سنوات قليلة.
فرد عليّ: «نعم هو وقت، لكن ما أتوقعه لدولة الإمارات، هو أنها ستصبح دولة عصرية قوية ورائدة قريباً، فهي لديها كافة الإمكانيات المطلوبة، خاصة في ظل قيادة صاحب السمو الشيخ زايد وبقية إخوانه حكام الإمارات الآخرين حفظهم الله جميعاً».
والمهم أنه، رحمه الله، أسهب في شرح العديد من الجوانب التي ستتمكن دولة الإمارات من تحقيقها في زمن قياسي نظراً لما لديها من إمكانيات، وكان حديثه مفعماً بحب الإمارات وقيادتها وشعبها، وكانت نظرته إلى مستقبلها ثاقبة فيها الكثير من الإلمام والمعرفة بما كان يحمله المستقبل للإمارات.
لذلك فنحن في الإمارات نحمل في قلوبنا حباً صادقاً ووفاءً للذكرى العطرة لأمير الكويت الراحل، ونرى بأن تكريمه من قبل رئيس الدولة العظمى الوحيدة في عالم اليوم أتى اعترافاً بجهوده الجبارة التي قام بها في خدمة الكويت والخليج العربي والعالم العربي والإنسانية جمعاء وتتويجاً لجهود شخصية فذة نادراً ما سيتواجد مثلها على مدى الدهور القادمة.
رحم الله الشيخ صباح الأحمد الجابر رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وعزاؤنا الحار لوطنه الكويت ولشعبها الأبي ولنا جميعاً نحن عرب الخليج العربي.
*كاتب إماراتي