في العلاقات الدولية الراهنة، فإن المتغيرات القادمة هي وشيكة الحدوث بأسرع مما نتصور، والتموضع الجديد في زوايا تلك العلاقات يعتمد على الحكمة والعقلانية أكثر من الصوت المرتفع.
في الشرق الأوسط، نحن أمام متغيرات متسارعة في التحالفات والتشابكات الإقليمية، وحسب ما رشح عن إدارة الرئيس جو بايدن الدبلوماسية والسياسية في القسم المعني بالشرق الأوسط، فإن التعاطي مع إيران ومعالجة الموقف «المتشنج» مع حوزة الحكم، سيكون عنوان الأجندة «الواشنطونية» في المرحلة القادمة، وعليه فإن غالبية أزمات ذلك الشرق الأوسط ستكون مرتهنة بالعنوان الإيراني الكبير، ومن ضمن ذلك القضية الفلسطينية، التي وإنْ لا يزال «الإنشائيون» يرون فيها جوهر الصراع في المنطقة، إلا أنها في جدول أعمال سيد البيت الأبيض ليست أهم من الأزمة التاريخية مع إيران وحوزة الملالي الحاكمة.
في السنوات الأربع الماضية، تعرضت القضية الفلسطينية لهزات هائلة من خلال سياسات الرئيس السابق «ترامب»، ومع التصور بأن سياسات واشنطن الترامبية قد خدمت اليمين الإسرائيلي بقوة، فإن هذا لا ينفي حقيقة موازية مفادها أن سياسات إدارة ترامب أيضاً خدمت «التطرف السياسي» المتمثل في معسكر المقاومة المتوهم والوهمي بكل أساساته، وهو وهمي لأنه كان يتغذى على تلك السياسات اليمينية الداعمة لحكومة نتنياهو ويمينه المتطرف، ويبرع بعدها بإنتاج ما يتميز به من إنشائيات وشعارات قادرة «بالصوت المرتفع وحده» أن تطيل عمر وجودها، تلك الإنتاجات الإنشائية ذاتها هي التي جعلت حركات متطرفة مثل «حماس» من جهة و«حزب الله» من جهة مقابلة، تتعلق بالوهم الخطابي دون أي تغيير ملموس على الأرض في حياة الفلسطيني (والسوري واللبناني بالضرورة والتبعية).
فيا نخبة السلطة في رام الله، إليكم الخبر الجديد:
الدنيا تغيرت منذ اليوم، والكرة في ملعبكم. لا يمكن أن تتقدم فكرة السلام ما دامت التغذية متوفرة للتطرف، ولا يمكن للغة الخشبية التي يعتمدها معسكر «المقاومة» أن تتلاشى من دون تحرك فلسطيني جاد نحو الأمام باتجاه ابتكار المبادرة السلمية، ووضع حقوق الفلسطيني في العيش بكرامة قبل أي شعارات مضللة يستغلها ويوظفها محترفو التضليل الإنشائي والدوغمائي في بؤر التطرف من طهران حتى أنقرة.
آن للسلطة في رام الله، أن تتفهم معادلات الوضع الإقليمي التي أخذت بالتبلور النهائي، وعلى السيد محمود عباس أن يأخذ رسائل التمنيات من خلال عمّان والقاهرة والتي وصلته مؤخراً على محمل الجد، ويسحب البساط من متسلقي القضية الفلسطينية مرة واحدة وإلى الأبد.
عملياً، وفي ظل إدارة أميركية جديدة وانتخابات إسرائيلية قادمة وفلسطينية تتبعها، فإن رام الله مطالبة بأن تتصالح مع قضيتها أولاً، ثم محيطها الإقليمي بالضرورة، لعل وعسى أن نصل إلى شرق أوسط منسجم المصالح والعيش المشترك، ولا يمكن لكل ذلك أن يحدث دون مراجعة ذاتية تنتهي بقرارات شجاعة وحاسمة بلا فذلكات «كهول وشيوخ النضال الوطني»، وتمهد لقيادات فلسطينية جديدة غير مترهلة، تكون فعلاً بمسؤوليتها السياسية والوطنية شريكاً حقيقياً لسلام مدعوم عربياً ودولياً بلا تردد، قيادات ممكنة بالمعرفة ووجودها وحده يكفي لتلاشي كافة قوى التطرف التي تختطف القضية من أصحابها.
*كاتب أردني مقيم في بلجيكا