يبدو قرار الرئيس جو بايدن الأسبوع الماضي بالانسحاب من أفغانستان مفاجئاً ومحتوماً. إنه لأمر مفاجئ لأن بايدن يخاطر بشكل كبير لم يفعله سوى رؤساء قليلين -ولهذا السبب أبقى سلفاه على القوات هناك على الرغم من رغبتهما في المغادرة. ويحذر كبار جنرالاتنا من أن الانسحاب قد يؤدي إلى «سقوط كابول في أيدي طالبان، واندفاع موجات من اللاجئين الأفغان إلى البلدان المجاورة وأوروبا، وعودة ظهور القاعدة كتهديد إرهابي قوي».
مهما كانت الكوارث التي قد تواجه بايدن الآن، فقد تولى مسؤولية الانسحاب وعواقبه. فما السبب؟ يبدو أن قراره مُحدد سلفاً لأنه ينبع من تحرره من وهم التزامنا بأفغانستان. عندما كان سيناتور، بدأ بايدن كمؤيد قوي للحرب التي تم شنها بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. ومثل العديد من «الديمقراطيين»، انتقد الرئيس جورج دبليو بوش في عام 2007 بسبب زيادة القوات في العراق بدلاً من أفغانستان. كانت نقطة التحول من وجهة نظر بايدن، كما قال في إعلانه عن الانسحاب، هي رحلته عام 2008 إلى أفغانستان مع اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ الآخرين. وقال بايدن إن ما رآه في تلك الرحلة أقنعه «بأن المزيد من القوة العسكرية الأميركية التي لا نهاية لها لا يمكن أن تنشئ أو تحافظ على حكومة أفغانية دائمة». وخاض، أثناء هذه الرحلة، مواجهة شهيرة مع الرئيس آنذاك «حامد كرزاي»، الذي نفى بشكل مخادع أن الفساد كان يمثل مشكلة. وشعر بايدن بالإحباط لدرجة أنه أنهى مأدبة العشاء.
ولكن حتى بعد عودته إلى الوطن في عام 2008، لم يجادل بايدن في التخلي عن أفغانستان. وقال بايدن لمجلس العلاقات الخارجية: «إذا فشلت أفغانستان ووقعت باكستان فريسة للأصولية، فإن كلا البلدين سيدفعان ثمناً باهظاً، وستعاني أميركا من نكسة استراتيجية رهيبة». خلال مراجعة سياسة الرئيس باراك أوباما بشأن أفغانستان في عام 2009، لم يحث بايدن على الانسحاب. لقد جادل من أجل «بديل أقل كثافة من حيث القوات، وأكثر قدرة على مكافحة الإرهاب» بدلاً من زيادة القوات التي اقترحها الجنرال ستانلي ماكريستال.
في ذلك الوقت اتفقت مع ماكريستال على أن بايدن كان محقاً: لم يكن لدى الولايات المتحدة القوة الباقية للقيام بمكافحة التمرد في أفغانستان. لذا، كان من المنطقي الحفاظ على وجود منخفض المستوى يركز على ملاحقة الإرهابيين ومساعدة قوات الأمن الأفغانية. في الواقع، أتمنى أن يكون الرئيس بايدن قد اتبع النصيحة التي قدمها بشأن أفغانستان عندما كان نائباً للرئيس.
على الرغم من وفاة أسامة بن لادن منذ فترة طويلة، فإن تنظيم القاعدة لا يزال موجوداً، بينما ينشط تنظيم داعش الآن في أفغانستان. ومع ذلك، فإن انسحاب القوات الأميركية سيستلزم تفكيك شبكات المخابرات الأميركية التي تم بناؤها على مدى عقدين من الزمن - وربما أيضاً التخلي عن «القوات الضاربة»، التي تديرها وكالة الاستخبارات المركزية من المقاتلين الأفغان. وقد حذر مدير وكالة الاستخبارات المركزية «وليام جيه بيرنز» الكونجرس الأسبوع الماضي، قائلاً: «عندما يحين وقت انسحاب الجيش الأميركي، فإن قدرة الحكومة الأميركية على جمع التهديدات والتصرف بشأنها ستتضاءل».
إن التكلفة الإنسانية لقرار بايدن أكبر من المخاطر الاستراتيجية. ماذا سيحدث لجميع الناس في أفغانستان - من الجنود إلى نشطاء المجتمع المدني - الذين آمنوا بوعود الولايات المتحدة بالحرية وخاطروا بحياتهم لتأمينها؟ كم عدد الذين سيتعرضون للاضطهاد بل وحتى الإعدام من قبل طالبان؟
وفقاً لكتاب جورج باكر «رجلنا.. ريتشارد هولبروك ونهاية القرن الأميركي»، فقد أثار «هولبروك»، الذي كان مبعوث أوباما إلى أفغانستان وباكستان، تكاليف التخلي عن «الأشخاص الذين وثقوا بنا» مع نائب الرئيس آنذاك بايدن في 2010. كان رد بايدن قاسياً بشكل صادم: «حسناً، لا داعي للقلق بشأن ذلك. لقد فعلنا ذلك في فيتنام، وأفلت نيكسون وكيسنجر بفعلتهما».
هل ما زال بايدن لديه نفس الشعور؟ لا أتمنى. حقيقي أن الرئيس ريتشارد نيكسون ووزير الخارجية هنري كيسنجر «أفلتا من العقاب» - ولكن بتكلفة باهظة لحلفائنا الفيتناميين الجنوبيين، بالإضافة إلى مكانة الولايات المتحدة في العالم. من غير المناسب أن يركز بايدن على إحياء التحالفات الأميركية، بينما يتخلى عن حلفائنا في أفغانستان.

ينبغي أن تملي السياسة الخارجية للولايات المتحدة بأقصى ما يمكننا القيام به بشكل معقول. لم يكن الاحتفاظ بـ 3.500 جندي في أفغانستان (0.25% من جيشنا في الخدمة الفعلية) التزاماً بعيد المنال. الآن يجب على بايدن ضمان استمرار الحكومة الأفغانية في تلقي التمويل الذي تحتاجه للبقاء مع توفير الدعم لحلفائنا المحليين.

يقول الفيلسوف «مايكل والزر»: «عندما نغادر، يجب أن نحضر معنا إلى الولايات المتحدة جميع الرجال والنساء المعرضين للاضطهاد أو السجن أو الموت بسبب غزونا لأنهم تعاونوا معنا، وبذلوا جهداً من أجل إرساء وإنشاء مدارس للفتيات تحت حمايتنا. هذا التزام أخلاقي مطلق».
يتحدث بايدن كثيراً وبحق عما ندين به للجنود الأميركيين -لكن يجب ألا ينسى أبدا أننا مدينون بشيء لأولئك الذين يعتمدون على قواتنا لبقائهم على قيد الحياة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»