بدأ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يوم الأربعاء زيارته الثانية إلى أوروبا خلال أسبوع، وذلك في إطار حرص إدارة بايدن على حضور المحافل والمنتديات الدولية واستعادة دور الزعامة العالمية لأميركا. فبعد أن انضم إلى الرئيس جو بايدن في اجتماعات مع الحلفاء الأوروبيين والحلفاء في «الناتو» هذا الشهر، وكذلك مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمضى بلينكن جزءاً من النصف الثاني من النهار هنا في برلين مع ممثلي تلك البلدان، وجزءاً أكبر في مؤتمر دولي حول ليبيا. ومن برلين، سيسافر بلينكن إلى فرنسا وإيطاليا من أجل محادثات حول الزعامة، واجتماعات متعددة الأطراف حول سوريا وتنظيم «داعش»، ومجموعة العشرين.

«إن أميركا عادت إلى الساحة الدولية ومتعددة الأطراف، ونحن سعداء للغاية بهذا»، هكذا قال وزير الخارجية الألماني هيكو ماس في مؤتمر صحفي مع بلينكن. ثم أضاف قائلا: «إن العالم لم يقف من دون حراك خلال السنوات القليلة الماضية»، في إشارة غير مباشرة إلى ازدراء إدارة ترامب العلني في كثير من الأحيان للجهود متعددة الأطراف.وبعد أن أظهرت أنها ستكون حاضرةً، فإن مهمة الإدارة تكمن الآن في إظهار أنها تستطيع إنجاز أشياء، باستخدام نفوذها لتحقيق أهداف متفق عليها.

وبعد أن رخّص الرئيس الأميركي باراك أوباما لتدخل عسكري أميركي دعماً للمنشقين الليبيين الذين انتفضوا ضد نظام معمر القذافي في عام 2011، لم توفّر إدارته لهذا البلد سوى دعم محدود، في وقت اكتسبت فيه المليشيات القوة وانهارت المؤسسات الحكومية. وفي عهد الرئيس ترامب، بقيت واشنطن على هامش النزاع الليبي الذي ما فتئ يزداد تعقداً، وأرسلت إدارتُه إشارات مختلطة بشأن أي طرف تدعم.

وكان وزير خارجية ترامب، مايك بومبيو، من آخر مَن وصلوا لحضور مؤتمر برلين حول ليبيا في يناير 2020، لكنه لم يضطلع بدور الزعامة في معالجة مشكلة وصفها بـ«المعقّدة». وفي نهاية ذاك الاجتماع، اتفق ممثلو 11 دولة لها مصالح في ليبيا على احترام حظر سلاح تفرضه الأمم المتحدة، وعلى الكف عن إرسال أسلحة إلى الأطراف الليبية المختلفة، ودعوا إلى وقف لإطلاق النار وسحب كل القوات الأجنبية والمرتزقة، ودعموا خريطة طريق أممية تفضي إلى السلام وانتخابات ديمقراطية.

لكن خلال الأشهر الأخيرة، كان هناك وقف هش لإطلاق النار. كما تواجه الحكومة المؤقتة التي انبثقت عن مؤتمر برلين الأول صعوبةً في تنظيم نفسها استعداداً لانتخابات ديسمبر المقبل. وفضلا عن ذلك، ما زالت القوات الأجنبية موجودة في البلاد. وفي الأثناء، يتحدى الوجودُ المتواصل لآلاف المقاتلين الأجانب حظرَ الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة ويغذّي انعدامَ الاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط. ويسعى الدبلوماسيون الأميركيون إلى إقناع كل من تركيا وروسيا بالانسحاب من ليبيا.

«إن السؤال هو: ما حجم الثقل السياسي الذي نستطيع توفيره؟»، يقول بن فيشمان، الباحث في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» والمسؤول السابق في البيت الأبيض، مضيفاً أنه إذا مارس بلينكن ضغطاً على الأمم المتحدة من أجل تسريع جهود التحضير للانتخابات وأشّر إلى اهتمامه بليبيا، فإن من شأن ذلك إرسال رسالة قوية إلى الدول الأخرى. وقال فيشمان: «هل سيكون ذلك كافياً لكسر حالة الجمود الحالية؟ وهل سيولي ليبيا الأولوية ويقدّمها على أي قضية أخرى؟ كلا، لكنه سيمثل إشارة كذلك إلى نيتنا الأكبر للتنسيق والتشاور مع الحلفاء من جديد».

وقال مسؤولون كبار في الإدارة إن الحكومة المؤقتة «ملتزمة كلياً» بإجراء انتخابات، وإن من شأن حكومة منتخبة لاحقة أن تكون في وضع أفضل بكثير للمطالبة برحيل الأجانب المسلحين. بلينكن وماس كلاهما أكّدا على أن المجال الوحيد في السياسة الخارجية الذي تختلف حوله الولايات المتحدة وألمانيا بشدة، وهو خط أنابيب «نور ستريم 2» الذي سينقل الغاز الطبيعي الروسي تحت بحر البلطيق إلى أوروبا، لن يكون سبباً في خصام بينهما. ويذكر هنا أن الكونجرس دفع بعقوبات على روسيا بسبب خط الأنابيب، وكان ترامب قد فرضها، على اعتبار أن من شأن ذلك إضعاف أوكرانيا كمحور لعبور الغاز، ومنح روسيا نفوذاً على إمدادات الطاقة الأوروبية.

والواقع أن بايدن أيضاً يعارض مشروع خط الأنابيب، الذي بلغت نسبة الأشغال فيه 90 في المئة الآن. ولكنه يرفض مناصبة حليف رئيسي العداء ويبحث عن طرق لتأمين ضمانات ضد السيطرة الروسية، مع التلويح في الوقت نفسه بعقوبات على الشركات الألمانية التي تشارك في أشغال البناء.

وحول هذا الموضوع قال بلينكن خلال المؤتمر الصحافي: «إننا مصممون على رؤية ما إن كنا نستطيع خلق شيء إيجابي من وضع صعب ورثناه»، مضيفاً: «إن هدفنا يظل هو ضمان ألا تستطيع روسيا استخدام خط الأنابيب كسلاح ووسيلة للإكراه ضد أوكرانيا أو أي بلد آخر في أوروبا». ومن جانبه قال ماس إن بلينكن «أكد لي من جديد» أن واشنطن تتوقع من ألمانيا القيام بما عليها «لضمان ألا تستخدم روسيا خط الأنابيب من أجل ممارسة ضغط سياسي على أوكرانيا». وقال ماس: «إننا واعون بهذا الأمر ونريد القيام بمساهمتنا الخاصة أيضاً فيه»، مضيفاً أن ألمانيا شرعت في ذلك عبر ضمان أن يكون هناك اتفاق بديل مع أوكرانيا حول عبور الغاز حتى في حال اكتمال أشغال إنشاء «نور ستريم 2» وانطلاق عمليات الاستغلال.

*كاتبة أميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»