لم يعد التعليم لأجل تزويد الفاعلين الاجتماعيين والمستقبليين بالمعرفة والمهارات والقيم، فقد أظهرت تداعيات «كوفيد-19» أن التعليم أبعد من ذلك بكثير، فهو عمليات معقدة خفية وظاهرة لأجل العدل والمساواة وبناء رأس المال البشري والتنظيم الاجتماعي واستيعاب التحولات الكبرى في الموارد والتكنولوجيا، ثم تأثيراتها في السياسة والاجتماع، بل وأيضاً ضمان الرعاية الصحية والتغذوية للأطفال، إذ أنه ببساطة تضمن هذه الرعاية المدرسية للأطفال (في التغذية والصحة) أن يعيشوا عمراً أطول وفي صحة أفضل، ومن ثم يكونون أكثر قدرةً وفاعليةً في المشاركة الاقتصادية والاجتماعية، وأن يحصلوا على فرص عادلة قبل فوات الأوان في التنافس والمشاركة والانتماء.

ويقدّر البنك الدولي أن حصول الأطفال على تغذية جيدة ومناسبة في المرحلة العمرية (3 – 7) يزيد فرصهم في المستقبل في المساواة وفي الحصول على منافع التنمية والخدمات بنسبة 25 في المائة، والعكس صحيح أيضاً إذ أن الأشخاص الذين حُرِموا في طفولتهم المبكرة من الغذاء الجيد والرعاية الصحية يتعرضون لإصابات دائمة في صحتهم وقدراتهم تمنعهم إلى الأبد من القدرة على المشاركة وتحسين حياتهم.

وهكذا فإن التعليم يمكن أن يضمن -بموارد وجهود تقدر عليها جميع الأمم، مهما كان مستواها الاقتصادي- لأطفال اليوم فرصاً جيدة في تحسين حياتهم وتخطيط مستقبلهم على نحو يكون أفضل من الحاضر. ويفترض أن يؤدي التقدم في التعليم والتكنولوجيا إلى تقدم اقتصادي وتنموي، فالعلم والتكنولوجيا كانا على الدوام أساساً لتحسين الحياة والأسواق والأعمال وتطوير المجتمعات والمدن والدول.

ويجب أن تسائل جميعُ الأمم نفسَها عندما تشهد تراجعاً اقتصادياً وتنموياً على الرغم من التقدم المفترض في التعليم والتكنولوجيا، لماذا لم تحسِّن التكنولوجيا المستخدمة على نطاق واسع حياتَنا وفرصَنا وأعمالَنا؟ لماذا نشهد تراجعاً اجتماعياً في السلوك والحياة اليومية رغم انتشار وتطور التعليم والمدارس والجامعات؟

لماذا نشهد ظواهر من عدم الثقة وضعف الإتقان في الأعمال والمؤسسات العامة والتجارية؟ لماذا نمضي عكس التاريخ؟ ساهمت الحوسبة في جميع دول العالم في تخفيض كلفة الأعمال والمؤسسات وتطوير التعليم والتدريب والتواصل الاجتماعي، إذ في مقدورنا اليوم أن نحصل على أفضل مستويات التعليم بتكاليف منخفضة. وهكذا يجب أن تواجه الأمم، وخاصة البلاد العربية، السؤال المهم: لماذا لم يحوسب التعليم في المدارس والجامعات على النحو الذي يتيح لجميع الطلاب فرص التعلّم وبمستويات متقدمة وتكاليف منخفضة؟

لماذا لم تنشأ منصات تعليمية واسعة بديلة أو مشاركة للمدارس؟ لماذا لم تتطور قدرات الأسر والمعلّمين والمشرفين لتحسين التعليم ورفع مستوياته؟ ويمكن بالحوسبة تطوير الخدمات الحكومية وتفعيلها مع خفض التكاليف. فلماذا لم تنشأ خدمات إلكترونية واسعة لتسهيل أعمال ومعاملات الأفراد والمؤسسات وتقليل التكلفة على الخزينة؟ يمكن تطوير أنظمة التشبيك بتكلفة منخفضة في تحسين العطاءات وشراء وتنظيم الأدوية واللوازم حسب الحاجة والاستهلاك.. لماذا لم يحدث ذلك؟ ويمكن تطوير وتفعيل أنظمة التأمين الصحي والخدمات الأساسية والاجتماعية بتكلفة أقل وفاعلية كبيرة.. لماذا لم يحدث ذلك؟ لماذا لم تنخفض النفقات العامة والشخصية بسبب التكنولوجيا؟

لماذا لم يحسِّن التعليم أعمال الناس ومواردهم ومهنهم وحِرفَهم؟ لماذا لم ينشئ التدفق الهائل في المعلومات والمعرفة زيادةً في الخبرات والأعمال السياسية والاجتماعية على النحو الذي يطوِّر العملَ العام ويدفع إلى اختيار أفضل الكفاءات؟ لماذا لم تنشئ الشبكية التكنولوجية شبكيةً اجتماعيةً وسياسيةً وثقافيةً تمكن الأفراد من التواصل والعمل معاً لأجل زيادة كفاءة الأعمال والمشاركة والرقابة على المؤسسات والأسواق، وحماية المستهلكين، وتطوير وتفعيل الجودة والمواصفات في الأعمال والخدمات والسلع؟

*كاتب أردني