. يتساءل العالم من حولنا عن السر وراء أزمة الطاقة، تلك التي ضربت القارة الأوروبية أول الأمر، ومن ثم ظهرت تبعاتها السلبية في روسيا الاتحادية، ثم لم تلبث أن أصابت الولايات المتحدة الأميركية. والشاهد أن جماعة المحللين، سواء الذين تتماس خطوطهم مع التحليل السياسي، أو تتقابل خيوطهم مع التدقيق الاقتصادي، يقدمون لنا طائفة من الأسباب، وفي مقدمها عودة العالم إلى دوران عجلته الاقتصادية مرة أخرى بعد ركود نحو عامين بسبب جائحة كوفيد-19 المستجد.

غير أن واقع الحال يستدعي منا التوقف أمام عدة نقاط جوهرية، ينبغي التنبه لبعضها والحذر من الأخرى، وبخاصة على مشارف شتاء يتوقع العلماء أن يكون الأكثر قساوة والأشد وطأة على البشرية منذ مائة عام. يمكن القطع بداية بأن قضية التغيرات المناخية لم تعد مسألة ترف أو أحاديث غناء، فما أحدثته اضطرابات البيئة والمناخ الصيف الماضي، سوف يجمع حصاده في الشتاء الآني، وبنوع خاص بعدما ضربت الأعاصير ساحل خليج المكسيك الأمر الذي ترك تأثيراً واضحاً على إنتاج النفط والغاز، ما رفع أسعار الطاقة في الداخل الأميركي بشكل غير مسبوق.

تجئ الأزمة والعالم على عتبات مؤتمر غلاسكو للمناخ في أسكتلندا بعد نحو أسبوع، ما يعني أنه على قادة العالم التفكر والتدبر ملياً في مستقبل الكرة الأرضية ومآلاتها إذ ظلت ظاهرة الاحتباس الحراري ماضية قدماً على النحو المخيف الذي نراه.

الأمر الثاني في ماورائيات الأزمة موصول بحال التناحر السياسي حول العالم، وتجاوز مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وما يجري في منطقة المحيط الهادئ، يكاد يقطع بأن المواجهات الساخنة تقترب. تنظر الصين وروسيا إلى الاتفاقيات الأميركية الأخيرة مع أستراليا والهند واليابان، نظرة لا تخلو من الشكوك التي تصل إلى حد الحقائق، في شأن الأهداف التي تقف وراءها، ما دعا بكين إلى التهديد باللجوء إلى السلاح النووي إذا لزم الأمر. على الجانب الروسي، تجلت واضحة قدرات الرئيس بوتين، والذي بعث برسالة للاتحاد الأوروبي، لم يغفل الجميع هناك عن قراءتها، فهو المانح للغاز الطبيعي، وبنفس القدر هو المانع أيضاً حال أراد، وفي الأمرين تبقى أوروبا فريسة للأطماع الروسية كما يرى اليمين الأوروبي، أما المعتدلين في القارة العجوز، وأنصار الطرح الأوراسي، فيرون في القصة مدعاة للعودة من جديد إلى حديث التعاون الأوروبي الروسي، وهو التيار الذي كانت تتزعمه ألمانيا في زمن المستشارة المنتهية ولايتها أنجيلا ميركل، وإن كانت هناك شكوك في أن يمضي من بعدها الألمان في ذات الاتجاه. في الرؤية التحليلية لما وراء أزمة الطاقة، يعيد العالم اكتشاف مساحة الوهم وأبعاد الحقيقة، ما بين الطاقة الأحفورية التقليدية، والطاقة النظيفة المرجوة، وهنا يبدو المشهد قريباً جداً من ثنائية متقابلة بشكل محير.

باختصار أثبت حديث الطاقة المتجددة كالماء والهواء والشمس وغيرها، أنه غير قادر على تلبية طموحات الاقتصاد العالمي في العقود الحالية، وعليه تظل الحاجة إلى الفحم والنفط والغاز لعقود، رغم تأثيراتها السلبية على مناخ الأرض. الأزمة ربما تكون فرصة لدول الشرق الأوسط والخليج العربي، إذ عليها أن تعيد تقييم أهمية الثروة المتاحة وتعظيم استخداماتها في الحال والاستقبال.

* كاتب مصري