تتواصل قمة المناخ التي تستضيفها مدينة غلاسكو الاسكتلندية، على مدار أسبوعين، لبحث سبل التقليل من الانبعاثات بحلول عام 2030 والمساعدة في تحسين الحياة على كوكب الأرض، ولمناقشة الاستجابة الدولية لأزمة المناخ وسط تحديات بيئية غير مسبوقة أظهرتها الكوارث الطبيعية التي عصفت بمناطق عدة حول العالم منذ بداية العام الجاري 2021.
وكجزء من اتفاقية باريس للمناخ المبرمة في عام 2015، اتفقت الدول على الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية والحد من زيادة درجة حرارة الأرض في القرن الحادي والعشرين إلى درجتين مئويتين، قياساً بعصر ما قبل الثورة الصناعية، ومتابعة الجهود والعمل على حصرها عند حدود 1.5 درجة، ذلك أن الأرض تتعرض لموجات حر أكثر شدة من أي وقت مضى، ولفيضانات وعواصف استوائية تتسبب في ارتفاع منسوب مياه البحار.
لا خلاف على أن قادة العالم في القمة الأخيرة يرغبون في الحد من انبعاثات الكربون. وقد ظهر ذلك في توقيعهم الثلاثاء، ثاني أيام القمة، على اتفاق اعتبرته الحكومة البريطانية «تاريخياً»، لحماية واستعادة غابات الأرض، حيث التزم القادة (أكثر من 120 زعيماً) الذين تغطي بلادهم 85% من غابات العالم، بوقف وعكس اتجاه إزالة الغابات وتدهور الأراضي بحلول عام 2030. ولقد أعلنت الحكومة البريطانية أن هذه التعهدات تأتي مدعومة بـ8.75 مليار جنيه إسترليني من التمويل العام، إلى جانب 5.3 مليار جنيه إسترليني أخرى من الاستثمارات الخاصة.
هذا الاتفاق لقي ترحيباً، لاسيما وأن من بين الدول التي ستوقِّعه البرازيل وروسيا (أسرع إزالة للغابات تحدث على أراضيهما)، بالإضافة إلى كل من الولايات المتحدة والصين وأستراليا وفرنسا، آملين تجاوز فشل المؤتمرات الـ25 السابقة في إيقاف غازات الاحتباس الحراري التي تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية، حيث أصبحت الأرض الآن أسخن بمقدار 1.1 درجة مئوية على الأقل من مستوى ما قبل الصناعة، وهي سخونة آخذة في الارتفاع.
وقد تسببت الفيضانات هذا العام في مقتل 200 شخص في ألمانيا، وضربت موجات الحر كندا الباردة والقطب الشمالي السيبيري. وبحسب ألوك شارما، رئيس قمة المناخ، فإن «هذه مهمة القادة، وعليهم أن يقدموا المبادرات، وعلينا أن نتفق بصورة جماعية على كيفية تحقيق هذا الهدف.. القمة هي الفرصة الحقيقة للقادة لإظهار قيادتهم».
هذا من جهة، أما فيما يخص الملف الساخن الآخر المطروح في القمة، وهو تقديم المساعدات للدول الفقيرة على صعيد المناخ، فتكثر الدعوات لإقراره، وبخاصة أن تداعيات الأزمة المناخية تتفاقم مع موجات جفاف وحرائق ضخمة وفيضانات. ويأمل المتفائلون بعطاء أكبر، ذلك أن بقاء الالتزامات المالية على حالها، سيؤدي إلى احترار بمقدار 2.7 درجة مئوية، وفق للأمم المتحدة. وهو ما عبّرت عنه صراحةً مسؤولةُ البيئة في المنظمة الدولية (باتريسيا إسبينوزا) بقولها إن «البشرية تواجه خيارات صعبة لكنها واضحة»، خاصة أن «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية» أفادت بأن «السنوات من 2015 إلى 2021 كانت الأشد حراً على الإطلاق». فهل تلتزم الدول بتجاوز هذه «الخيارات الصعبة والواضحة»؟ هذا ما نأمله ويأمله العقلاء على امتداد العالم. 

كاتب وباحث سياسي