بدأت صفقة الرئيس جو بايدن المعروفة باسم «قانون إعادة البناء الأفضل» بمبلغ 3.5 تريليون دولار. والآن أصبح المبلغ 1.75 تريليون دولار، ولم يعد يتضمن بنوداً تكفل عطلة أسرية مدفوعةَ الأجر أو أسعاراً مخفضة لعقاقير وصفات الأطباء العلاجية. ومازال هذا مبلغاً كبيراً. لكن مع حساب الكلفة الإجمالية على مدار عشر سنوات، ستبلغ الكلفة السنوية 175 مليار دولار فقط؛ أي أقل من 3% من الميزانية الاتحادية، وهذه الكلفة ستموّلها كليةً زيادة الضرائب. 
ويعلم «الجمهوريون» أن هناك قبولاً شعبياً لبنود معينة من مشروع «قانون إعادة البناء الأفضل»، مثل برامج رعاية ما قبل رياض الأطفال ورصيد ضرائب الأطفال والطاقة النظيفة. ويعلمون أيضاً أن معظم الناخبين لا يبالون كثيراً بشأن العجز في الموازنة. لكن الجمهوريين مازالوا يشعرون بأن عليهم معارضة تشريع «ديمقراطي» كبير بصرف النظر عن مزاياه. وللتشهير بمشروع القانون، لجأوا إلى وصفه بكلمة «الاشتراكية». ووصفه السناتور كيفين مكارثي، زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب، بأنه «مشروع قانون اشتراكي للإنفاق». وغرّد السناتور الجمهوري ماركو روبيو على تويتر قائلاً إن «خطة إعادة بناء اشتراكية بقيمة 1.75 تريليون دولار ما زالت اشتراكية تماماً كخطة بقيمة 3.5 تريليون دولار». وأعرب السناتور ميتش مكونيل، زعيم الأقلية الجمهوريين في مجلس الشيوخ، عن معارضته قائلاً: «الشعب الأميركي لم يصوت على تحول اشتراكي هائل». 
وأصبح «الجمهوريون» يستخدمون كلمة «اشتراكية» لوصف كل شيء. لكن مشروعات الإنفاق الجمهورية وزيادة الضرائب لا تعتبر بطريقة ما اشتراكية أبداً، بل لا يلحق هذا الوصف إلا بمشروعات القوانين «الديمقراطية». وهذه نغمة ليست جديدة تماماً، فالجمهوريون يتهمون الديمقراطيين بغرس الاشتراكية في الولايات المتحدة منذ ما يقرب من قرن. فقد ذكر المؤرخ كيفين كروز أن الرئيس هاري ترومان كان يشكو بالفعل في عام 1952 من أن الاشتراكية «كلمة ترهيب يلقون بها على أي تقدم حققه الشعب في السنوات العشرين الماضية»، بما في ذلك التأمين الاجتماعي والشركة الاتحادية لتأمين الودائع ودعم المحاصيل الزراعية والبرامج الأخرى ضمن «الصفقة الجديدة». 
وكتب كروز أنه حين اقترح «الديمقراطيون» في عام 1955 برنامجاً اتحادياً لإعطاء لقاح شلل الأطفال لكل أطفال المدارس، اعترضت أوفيتا كالب هوبي، التي شغلت منصب وزيرة في إدارة ايزنهاور، قائلةً: «هذا دواء اشتراكي الطابع يأتي من الباب الخلقي وليس الأمامي». ومن الطبيعي أن توصف برامج ميديكير وميديكآيد بأنها «دواء اشتراكي الطابع»!
وكل هذا يثير بعض الأسئلة الواضحة التي لم يطرحها الجمهوريون قط على أنفسهم. فإذا كانت الولايات المتحدة تسلك طريقَها إلى الاشتراكية منذ 90 عاماً، فكيف لم نصل قط إلى مقصدنا وما زال لدينا اقتصاد رأسمالي منتعش؟ وماذا يجعلهم يفكرون في أن كل مشروع قانون ديمقراطي سيدشن في نهاية المطاف كابوساً ماركسياً؟ 
اتهامات «الجمهوريين» تعتمد على خفة اليد الخطابية. فقد أُطلقت كلمة اشتراكية على دول الرفاهية الاجتماعية على الطراز الاسكندنافي، وهي دول ديمقراطية ورأسمالية، وأُطلقت أيضاً على الديكتاتوريات الماركسية، مثل اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية التي ليست ديمقراطية ولا رأسمالية. و«الجمهوريون» يعتمدون على أنصارهم الذين يغيب عنهم الفارق بين السويد وكوريا الشمالية في محاولة إقناعهم بأن مشروعات الرعاية الاجتماعية، مثل قانون «إعادة البناء الأفضل»، ستجعل أميركا أقرب إلى كوريا الشمالية وليس السويد. 
والحقيقة أنني لا أعرف أي مثال لدولة تحولت تدريجياً من نظام ديمقراطي يتبنى الرعاية الاجتماعية إلى ديكتاتورية ماركسية! والدول التي شهدت بالفعل ثورات شيوعية كانت دولاً شبه إقطاعية، مثل الصين القومية وروسيا القصيرية وكوبا في عهد باتيستا. فهذه الدول لم تقدِّم أي برامج تضارع ميديكير والتأمين الاجتماعي ولم توفر عطلة أسرية مدفوعة أو رعاية لجميع الأطفال قبل رياض الأطفال. وفي المقابل، نجد الدول الاسكندنافية لديها شبكات تأمين اجتماعي أقوى من الولايات المتحدة وفي الوقت نفسه تحتل مرتبة عالية في مؤشر الحرية الاقتصادية. 
لو حمَّل المحافظون أنفسَهم مشقةَ قراءة أحد نصوصهم المحورية، وهو كتاب «الطريق إلى العبودية» الصادر عام 1944، لرأوا التمييز المحوري الذي يقدّمه المفكر الاقتصادي النمساوي المؤيد لحرية الأسواق، فريدريش هايك، بين نوعين من الاشتراكية. ولم يجادل بأن الاشتراكية باعتبارها «العدل الاجتماعي والمساواة والأمن الأكبر» ستؤدي إلى الطغيان. والواقع أنه كتب يقول: «لا يوجد تناقض من حيث المبدأ بين تقديم الدولة لأمن أكبر» ضد المرض أو الحوادث و«بين المحافظة على الحرية الفردية». ولن يقود إلى الشمولية إلا «التخلص من المشروعات الخاصة وخلق نظام من الاقتصاد الموجهة». 
هل يقترح بايدن التخلص من الملكية الخاصة وجعل الصناعة تلتزم بخطة خمسية تضعها واشنطن؟ الإجابة بالنفي، وبالتالي فهو لا يقودنا إلى الماركسية. وللجمهوريين حرية معارضة قانون إعادة البناء الأفضل. لكن أرجوهم أن يتوقفوا عن وصف كل مشروع قانون ديمقراطي بأنه استهلال للاشتراكية. وبعد تحذيرهم الكاذب منذ 90 عاماً من الذئب الاشتراكي، لم يعد أحد يصدق الجمهوريين في هذا الشأن. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»