عادت قضية زراعة الأعضاء الحيوانية كبديل للأعضاء البشرية لدائرة الضوء مرة أخرى، بعد تناقل وسائل الإعلام الأسبوع الماضي لخبر زراعة قلب خنزير، معدل وراثياً، لمريض يبلغ من العمر 57 عاماً، في أحد مستشفيات جامعة ميريلاند الأميركية. ولجأ الأطباء لهذا الخيار بعد حصولهم على موافقة خاصة من هيئة الأغذية والعقاقير، كملاذ أخير، لعدم وجود بدائل أخرى للإبقاء على حياة المريض لفترة أطول، لحين الحصول على قلب صالح للزراعة، في وقت يسجل فيه المتوفر من الأعضاء البشرية نقصاً وشحاً شديدين. ويتضح حجم هذا الشح من حقيقة أنه في الولايات المتحدة وحدها، يوجد أكثر من 100 ألف مريض على قوائم الانتظار لنقل وزراعة الأعضاء، نتيجة فشل أحد أعضائهم الحيوية، ومن بين هؤلاء يلقى 17 شخصاً حتفهم يومياً، وهم على قوائم الانتظار تلك، نتيجةَ عدم توفر عضو مناسب لإنقاذ حياتهم. ويعود جزء كبير من هذا النقص إلى حقيقة أن 3% فقط من الوفيات في الولايات المتحدة، هو نتيجة وفاة دماغية، مما يجعل الغالبية العظمى من الوفيات غير صالحة وغير مقبولة للزراعة، لأسباب قانونية أو لاعتبارات فنية. هذا الوضع ينطبق على غالبية دول العالم، التي تتوفر بها الإمكانيات الفنية لزراعة الأعضاء، وهو ما يعتبر أيضاً المحرك الرئيسي للتجارة غير الشرعية في مجال الأعضاء البشرية. وهذا ما يجعل استخدام أنسجة وأعضاء من حيوانات الخيار الوحيد أحياناً. وبالفعل من الشائع حالياً استخدام صمامات القلب من الأبقار والخنازير كبديل لصمامات القلب التالفة في البشر. وقبل زراعة القلب الأخيرة، قام جراحون في أحد مستشفيات نيويورك، أكتوبر الماضي، بزراعة كلية خنزير في جسد مريض كتجربة ليست إلا، كون المريض متوفى دماغياً بالفعل، وبدون أمل في استعادته لوعيه. وحالياً يقوم العلماء بتجارب لزراعة خلايا البنكرياس المستخلصة من أسماك معدلة وراثياً، كأسلوب محتمل لعلاج مرضى السكري.
ورغم الآمال الكبيرة المعلَّقة على الأعضاء الحيوانية كبديل للأعضاء البشرية، إلا أنها ما زالت تعتبر من الأساليب العلاجية الخطرة، وذلك لعدة أسباب، منها رفض الجسم للعضو المزروع نتيجة الاختلافات الوراثية الجينية بين خلايا الإنسان وخلايا الحيوان، واحتمال انتقال أمراض حيوانية إلى جسد الشخص المنقول إليه العضو. وهناك أيضاً احتمال عدم التوافق الوظيفي، بمعنى أن العضو الحيواني قد لا يؤدي نفس الوظيفة أو بنفس كفاءة العضو البشري المفترض أن يحل محله. ولذا لا يمكن وصف عملية زراعة قلب الخنزير الأسبوع الماضي في صدر رجل بأنها عملية ناجحة، بل مجرد تجربة، ما زالت تبعاتها ونتائجها غير معروفة، وقد تحمل في طياتها دروساً عدةً سيُستفاد منها في تطوير هذا المجال الواعد.


كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية