بينما تتم كتابة هذه الكلمات تجري إزالة الجثث من شوارع بوتشا بأوكرانيا بعد انسحاب القوات الروسية من ضاحية كييف. لكن مصير أوكرانيا ربما يتوقف الآن على مسألة تتعلق بالسياسة الدولية. إلى متى يمكن لواشنطن وشركائها الأوروبيين الحفاظ على اتحادهم في دعم أوكرانيا؟ يأمل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وكذلك مؤيدوه الغربيون، في إنهاء الحرب بأسرع ما يمكن. لكن يبدو أن روسيا تراهن على أنه كلما طال أمد الحرب سيجد أنصار زيلينسكي صعوبةً في تحمل الآثار غير المباشرة لمقاطعة روسيا اقتصادياً في بلدانهم، ولذا فتحالفهم سيتحطم حتماً.

ومن المرجح أن يتبين مَن الجانب الذي سيسود في غضون الأشهر المقبلة. ومع ذلك فقد تعطينا مناقشات الحلفاء رفيعة المستوى خلال الأيام القليلة المقبلة بعضَ المؤشرات حول درجة تصميم الغرب. وفي الوقت الحالي، لا يزال دافع الحلفاء قوياً، لأسباب ليس أقلها الأدلة التي تم اكتشافها خلال عطلة نهاية الأسبوع في بوتشا وأماكن أخرى، والتي تشير إلى وجود ضحايا مدنيين كثُر للحرب، مما أرعب الرأي العام الأوروبي.

لقد استنكر القادة الأميركيون والأوروبيون، الغاضبون من التقارير الأخيرة عن مقتل مدنيين، ما وصفوه بـ«جرائم الحرب»، وهددوا بمزيد من العقوبات رداً على ذلك. ويقال إن واشنطن تقترب من فكرة أنه يتعين على شركائها الأوروبيين في «الناتو» تزويد أوكرانيا بأسلحة إضافية مطلوبة بشكل عاجل، وقد تشمل دبابات قتالية من الحقبة السوفييتية وبطارياتٍ أقوى مضادةٍ للطائرات. وكان الرئيس زيلينسكي صريحاً في دعوة الحكومات الأوروبية إلى التوقف عن شراء النفط والغاز الروسيين، وبالتالي التوقف عن دفع ثمن آلة الحرب التي يمتلكها موسكو. وترفض ألمانيا، القوة الاقتصادية الرئيسية للاتحاد الأوروبي والمستورد الرئيسي للغاز الروسي، حتى الآن الذهاب إلى أبعد من ذلك.

وفي ردٍ على التقارير حول الآثار الإنسانية للحرب، ألمحت برلين إلى أنها قد تعيد النظر في موقفها. ومع ذلك، فإن مسألة حظر الغاز هي جزء من تحدٍ أوسع طويل الأمد لحملة الضغط التي يمارسها الحلفاء الغربيون ضد روسيا. وتفرض العقوبات التي تقوّض الاقتصاد الروسي أيضاً تكاليف غير مباشرة في الدول الأوروبية التي ما تزال تتعامل مع الآثار الاقتصادية اللاحقة لوباء كورونا. وكان ارتفاع أسعار الطاقة، الذي عززه في البداية تجديد الطلب في ظل تخفيف القيود المفروضة بسبب الجائحة، مدفوعاً بدرجة أكبر بسبب توتر السوق بشأن أوكرانيا. ومجرد احتمال توقف صادرات الطاقة الروسية إلى أوروبا الغربية جعل الأمور أسوأ. وتعلم ألمانيا جيداً، نظراً لأنها تعتمد على الغاز الروسي في أكثر من نصف احتياجاتها، بأن التأثير الاقتصادي للمقاطعة الشاملة سيكون كبيراً، مما يقلل الإمدادات المتوفرة للمنازل والمصانع.

وتحمل تلك التكاليف الاقتصادية المرتبطة بأوكرانيا تكاليف سياسية أيضاً على الحكومات الغربية. ففي فرنسا خاض الرئيس إيمانويل ماكرون إعادة انتخابه، وقد قلصت منافسته اليمينية مارين لوبان من تقدمه. وفعلت ذلك ليس من خلال التركيز على الحرب، ولكن بالأحرى على تكلفة المعيشة والتضخم. كما اندلعت الاحتجاجات بسبب ارتفاع الأسعار في دول أوروبية أخرى، بما في ذلك إسبانيا وإيطاليا واليونان. ويدرك الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي سعى للسيطرة على ارتفاع أسعار البنزين من خلال الاعتماد على احتياطيات النفط الاستراتيجية لبلاده، مخاطرَ التضخم قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في شهر نوفمبر المقبل. والسؤال الرئيسي هو: إلى أي مدى ستكون الدول الغربية مستعدةً لتقديم تضحية من أجل مساعدة أوكرانيا؟ حتى الآن، تشير استطلاعات الرأي إلى أن الغضب الشعبي إزاء ما يحدث في أوكرانيا والشعور بالتضامن مع شعبها ظل قوياً. ومن المرجح أن تعزز مشاهد الحرب هناك مثل هذه المشاعر.

نيد تيمكو*

*صحفي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»