توصل صانعو السياسة الأوروبيون إلى اتفاق، يوم 23 أبريل الجاري في بروكسل، بشأن قانون جديد شامل يلزم كبرى شركات التكنولوجيا في العالم بمراقبة منصاتها على نحو أكثر صرامةً لتعقّب المحتوى غير القانوني. وهذا يمهد الطريق لواحدة من أكثر اللوائح توسعاً حتى الآن لمعالجة مجموعة واسعة من الأضرار الناتجة عن شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع التسوق ومحركات البحث. ويفرض التشريع الذي يطلق عليه «قانون الخدمات الرقمية» التزامات جديدة بشأن الشفافية على الشركات، مما يجبرها على تقديم معلومات للجهات التنظيمية وللباحثين من خارجها حول طريقة عمل الخوارزميات (اللوغاريتمات أو أكواد البرمجة) التي تتحكم في ما يراه الناس على مواقعها. كما أنه ينشئ لوائح جديدة حول كيفية توجيه الشركات للإعلانات عبر الإنترنت. 
والاتفاق يدعم خطةً مؤلفةً من مشروعين لقانونين، وتشمل أيضاً قانونَ الأسواق الرقمية، وهو قانون خاص بالمنافسة يضع قواعد جديدة لمنع «حراس البوابة» من إساءة استخدام سلطتهم لسحق المنافسين الأصغر. وينتظر مشروعَا القانونين تصويتَ البرلمان وصناع القرار من 27 دولة في الاتحاد، وهو ما يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه إجراء شكلي. وكتبت مارجريت فيستاجر، نائبة الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية المعنية بتكيف أوروبا مع العصر الرقمي، في تغريدة على تويتر تقول: «قانون الخدمات الرقمية سيضمن أن ما هو غير قانوني خارج الإنترنت سيعتبر ويتم التعامل معه على أنه غير قانوني على الإنترنت أيضاً! مع حماية حرية التعبير دائماً!» وجاء الاتفاق بعد 16 ساعة من المشاورات التي امتدت حتى ساعات مبكرة من يوم السبت في بروكسل. 
لكن المشرّعين في واشنطن لم يفلحوا في إقرار تشريعات تكنولوجية شاملة، رغم سنوات من الوعود بتضييق الخناق على الصناعة الرقمية، حيث جمعت آبل وفيسبوك وجوجل وأمازون السلطةَ والنفوذَ لعقود في ظل حد أدنى من اللوائح المنظِّمة. ولم يكن هذا هو الحال في الاتحاد الأوروبي الذي يتوقع الآن أن تؤثر قوانينُه على النقاش الخاص باللوائح التنظيمية في الولايات المتحدة. فقد أقرت أوروبا أول قانون تاريخي للخصوصية قبل نصف عقد. وعلى الرغم من قلة الإجراءات، دعم الحزبان وضع لوائح لمكافحة الاحتكار، لا سيما مشروع قانون لمنع شركات التكنولوجيا من إعطاء منتجاتها وخدماتها مزايا على منصاتها على حساب المنافسين الأصغر. وقدم مشرعون أيضاً مشروعاتِ قوانين مدعومةً من الحزبين لمعالجة سلامة الأطفال، وفرض مزيد من الشفافية على برمجة شركات التكنولوجيا. 
وذكر ماتياس فيرميولين، المشارك في تأسيس وكالة «AWO» لحقوق البيانات ومدير السياسة فيها، والذي ساهم في العمل على وضع التشريع الجديد، أن هذا «سيضع في الأساس معياراً ذهبياً لتنظيم المنصات عبر الإنترنت لأي جهة تنظيمية في العالم». لكن اتفاق الآراء محدود بين «الجمهوريين» و«الديمقراطيين» في الكونجرس حول التدخل في تعديل المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي. فالجمهوريون يعتقدون إلى حد كبير أن شركات التكنولوجيا يجب أن تتخذ نهجاً أكثر بعداً عن التدخل في المحتوى، بينما دعا الديمقراطيون الشركاتِ إلى أن تكون أكثر نشاطاً في رصد وإزالة خطاب الكراهية والمعلومات الصحية المضللة والأكاذيب حول الانتخابات. وهناك أيضاً قيود التعديل الأول في الدستور الأميركي لتنظيم ممارسات تعديل محتوى الشركات في الولايات المتحدة. وعبَّر زعماء من كلا الحزبين عن قلقهم من تقدم أوروبا وتوليها زمام المبادرة في وضع لوائح منظِّمة لبعض أهم الشركات الأميركية. 
وحذَّر الرئيس السابق باراك أوباما في خطاب ألقاه يوم الخميس 21 أبريل، في جامعة ستانفورد، من الآثار الضارة للتضليل على الديمقراطيات. ومضى يقول: «بصفتنا الديمقراطية الرائدة في العالم، علينا أن نكون قدوةً مثلى. يجب أن نكون في صدارة هذه المناقشات دولياً وليس في المؤخرة». 

وتعد الصفقة الخاصة بقانون الخدمات الرقمية بمثابة صفعة لشركتي جوجل وفيسبوك وشركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى التي مارست ضغوطًا قوية ضد بعض جوانب التشريع. وقد تواجه هذه الشركات غرامات تصل إلى 6% من الإيرادات العالمية إذا خالفت القواعدَ. وطُرح قانون الخدمات الرقمية لأول مرة في عام 2020، لكن النقاش حول مسؤولية شركات التكنولوجيا نحو مراقبة منصاتها أصبح أكثر إلحاحاً في غمرة الحرب في أوكرانيا، بعد أن شاهد صناعُ السياسة روسيا وهي تستخدم منصاتها الدعائية على مواقع التواصل الاجتماعي لترويج مواقفها. وحظرت منصات التكنولوجيا الرئيسية، بما في ذلك تيك توك وفيسبوك ويوتيوب، وسائل الإعلام الحكومية الروسية داخل أوروبا بعد أن فرض التكتلُ عقوباتٍ على روسيا. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»