على مدار الثلاثين عاماً الماضية، أنفقت شركات النفط الكبرى مئات الملايين من الدولارات على الإعلانات والحملات السياسية ولجان العمل السياسي وشبكة من مراكز البحث. وباستخدام حيل وأساليب صناعة التبغ، أثارت الشركات الشكوك حول علم المناخ واللوائح المنظمة للبيئة. وفي جلسة الاستماع، راوغ المسؤولون التنفيذيون وأشادوا بدعمهم للطاقة النظيفة، بينما أنكروا دورهم في تضليل الجمهور حول سبب تغير المناخ الذي هو استخدام منتجاتهم. فحملتهم الدعائية تجدي نفعاً. لكن حماة المناخ تخلفوا في حرب الرسائل الإعلامية ضد صناعة البتروكيماويات.

إنها حرب، وقد فهمتها شركات الكيماويات على هذا النحو منذ يوم الأرض الأول عام 1970 حين قررت استخدام مكاتب العلاقات العامة لتشويه سمعة المواطنين المهتمين بالقضية والتصدي للوائح التنظيمية الاتحادية.

بدأ يوم الأرض في ملعب لكرة السلة بجامعة ميشيجان يوم 11 مارس 1970، وحضر ما يقرب من 14 ألف شخص دورة تعليمية عن البيئة. وتضمنت المناسبة عروضاً فنية، وكلمات للسيناتور جايلورد نيلسون وعالم البيئة باري كومونر، وندوات حول التلوث بالمبيدات الحشرية، وتسرب الكيماويات إلى البحيرات العظمى. واستخدم المنظمون، وهم من «منظمة العمل البيئي من أجل البقاء»، استراتيجيات الاحتجاج الشعبي التي طورها نشطاء الحقوق المدنية من السود والمناهضون لحرب فيتنام.

وأجدت هذه الاستراتيجيات نفعاً. وفي ربيع ذاك العام، كان تجمع ميشيغان يمثل نموذجاً يحتذيه المنظمون في ألفي معهد جامعي وآلاف المدارس الأخرى في جميع أنحاء البلاد. وانتبهت لهذا شركة «داو كيميكال» التي مقرها ميدلاند بولاية ميشيجان. وتوقع نيد براندت، مدير العلاقات العامة للشركة، أن تكون جهود التوعية المصاحبة ليوم الأرض خطراً وفرصة لصناعة الكيماويات.

ورأى أن الخطر يتمثل في أن الطلاب قد يحرجون مصنعاً محلياً أو يتخذون إجراءات قانونية أو ينظمون مقاطعة أو يتسببون في مشكلات أخرى. لكن الفرصة كانت هائلة. فقد صرح براندت قائلاً إنه «إذا استطعنا جعل ألف ممثل للصناعات الكيماوية يتحدثون إلى جيل الغد عن مخاوفهم وجهودهم للسيطرة على التلوث في ألف حرم جامعي، سيكون هذا أعظم جهد للعلاقات العامة تبذلها هذه الصناعة الآن».

واستلهمت الشركة هذا النهج من تجربتها في العلاقات العامة الخاصة بالنابالم. فقد أصبحت (داو) هدفاً للاحتجاجات المناهضة للحرب عام 1966 لأنها كانت تنتج النابالم لصالح الجيش الأميركي الذي استخدمه لحرق الملاجئ والقرى والغابات والمزارع في فيتنام. وجادلت (داو) بأنها كانت تفي فحسب بمتطلبات عقد حكومي، وأنها ليست مسؤولة عن طريقة استخدام الحكومة لمنتجها. وفي البداية، تعاملت الشركة مع الطلاب النشطاء على أنهم مضللون، لكنهم حسنو النية، ونظرت إليهم كمتعاونين محتملين. واصطحبت الشركة محرري الصحف الطلابية في جولات في منشأة ميدلاند وتعاونوا مع مكاتب العلاقات العامة في الحرم الجامعي لإرسال متحدثين مؤيدين للصناعات الكيماوية إلى الجامعة.

لكن في عام 1969، قرر مكتب العلاقات العامة لشركة «داو» أن استراتيجيتهم التي تستهدف «تقليص الضرر» لم تنجح. ونجحت احتجاجات الحرم الجامعي في تحويل الشركة التي كانت من قبل منتجة للكيمياويات خاضعة للمراقبة إلى اسم مألوف. وانتقلت إلى المرحلة الثانية التي أطلق عليها براندت «حرب النابالم» التي تضمنت «تحديد المشكلات قبل ظهورها والخروج لمواجهتها».

فقبل احتجاجات الحرم الجامعي، أرسلت «داو» مسؤول العلاقات العامة للتحدث إلى وسائل الإعلام المحلية وصحيفة الحرم الجامعي، للتأكد من أن داو ستنسق مع الجامعة في «مسائل التغطية الإخبارية والسياسة والأمن». وطبقت الشركة الإستراتيجية نفسها لمواجهة المخاوف الوجيهة لدعاة حماية البيئة بشأن محطات داو الملوثة للبيئة. ووضعت الشركة نفسها في إطار النشاط الاقتصادي المسؤول بيئياً والرائد في مجال ابتكارات مكافحة التلوث. أدت الكثافة المتزايدة للناشطية البيئية في الحرم الجامعي إلى قيام (داو) بالهجوم. وكان النشطاء قد دفعوا مسؤولي الجامعات لإعادة تقييم علاقاتهم بالشركة مما كلفها الكثير.

حتى أن أحد رؤساء الجامعات رفض هدية «كبيرة» من الشركة تقيم بموجبها معهداً بحثياً خاصاً. وطلبت مؤسسة خيرية كبرى معلومات شاملة عن عقود نابالم لأنها تلقت مكالمة من أحد أعضاء الكونجرس يطلب منها تقديم مسوغ لاحتفاظها بأسهم الشركة. وأصبح اسم (داو) ذميماً، وحذر براندت من أن الشركات الكبرى الأخرى ستجد نفسها قريباً أهدافاً للطلبة النشطاء. وعلى مدار العقد التالي، عامل المديرون التنفيذيون في الشركة النشطاء البيئيين كمنافسين في مجال الأعمال، بل وحتى كأعداء. وفي كلمة ألقاها عام 1979 أمام منتدى أريزونا للأعمال، وصف بول أوريفيس، رئيس شركة داو، نشطاء البيئة بأنهم «عدو صغير وقوي وواسع الحيلة» يدمر المشروعات الحرة. ووصفهم في نص الكلمة بالقول «إنهم أخطر ما واجهته الصناعة على الإطلاق». لكن نشطاء حماية البيئة لم يكونوا «المنافسين» الوحيدين للصناعة الكيماوية. وحذر أوريفيس في وقت لاحق من ذاك العام أن الوكالات الاتحادية من الأعداء أيضاً.

وحان الوقت لصناعة الكيماويات للرد من خلال تكوين تحالفات جديدة، خاصة مع القيادات العمالية والمسؤولين المنتخبين، لوضع رجال الصناعة في الهيئات التنظيمية والفرع التنفيذي. وأجدت خطة أوريفيس نفعاً، خاصة أثناء إدارة ريجان. ففي ثمانينيات القرن الماضي، جاء عدد من المسؤولين في وكالة الحماية البيئية من الصناعات نفسها التي كان يتعين على الوكالة وضع لوائح تنظيمية لها. وإلى جانب تشويه سمعة النشطاء البيئيين والتصدي للوائح البيئية الرئيسية من داخل الحكومة، دشنت صناعة البتروكيماويات أيضاً استراتيجية إعلامية جريئة لإقناع كثيرين من الأميركيين بأن الحلول البيئية أسلوب حياة وليست سياسة. وهذه الحيل مستمرة. فإذا كنت تسافر جواً عليك شراء تعويضات الكربون.

وإذا كنت تقود سيارة فعليك شراء واحدة كهربائية. وفي الغذاء، يتعين عليك زراعة ما تريد من محاصيل. والواقع أن إحدى أكبر شركات الوقود الأحفوري في العالم- «بريتش بتروليوم BP- هي التي أشاعت مصطلح البصمة الكربونية»، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وأطلقت «حاسبة البصمة الكربونية»، التي وضعت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في إطار أنها نتيجة للاختيارات الفردية. ويرى عدد من نشطاء البيئة أن الاختيار الشخصي للابتعاد عن الاقتصاد المهيمن هو الشيء الوحيد الذي يمكنهم فعله لمواجهة تغير المناخ. وهذا علامة على فقر نظامنا السياسي وخيالنا، وتأثير حملة العلاقات العامة لصناعة البتروكيماويات لجعل العالم من دون الوقود الأحفوري يبدو مستحيلاً. لكن هذا العالم كان قائماً منذ أقل من قرن وقد يوجد عالم جديد أكثر صحة في المستقبل.

وفي يناير 2022، دعا أكثر من 450 عالماً شركات العلاقات العامة والإعلان إلى التوقف عن العمل في شركات الوقود الأحفوري. كما طلب أعضاء من مجلس النواب بمحاسبة شركات العلاقات العامة عن دورهم في طمس العلاقة بين حرق الوقود الأحفوري وتغير المناخ. ويتزايد اعتراف النشطاء بقوة شركات العلاقات العامة، إلى جانب شركات التأمين والمحاماة ومنظمات الضغط والجماعات الصناعية والمراكز البحثية في إبعاد صناعة الوقود الأحفوري عن الخضوع للوائح المنظمة.

ويحاول نشطاء المناخ، من خلال هذا، تجريد صناعة البتروكيماويات من الدفاعات القوية التي جمعتها على مدى نصف قرن. في أسبوع الأرض، الذي يحل في 22 أبريل، يجدر التفكير في قوة العمل الجماعي. فقد دفع يوم الأرض الأول، على الصعيد القومي، الصناعة الكيميائية إلى إصلاح ممارساتها الدعائية. واليوم، تواجه الحركة البيئية التحدي المتمثل في دفع شركات البتروكيماويات لإصلاح ممارساتها الصناعية. وللقيام بهذا، نحتاج إلى عمل سياسي يحمل شركات البتروكيماويات المسؤولية عن إلحاق الضرر بعالمنا المشترك.

*أستاذة مساعدة للدراسات البيئية في كلية ويليامز بولاية ماساشوستس.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»