إذا أردت صورة للغذاء المدعوم في العالم، فإنك قد تفكر في مصر، حيث سعر الخبز ثابت وأكثر من نصف السكان يعيشون على أرغفة يبلغ سعرها 0.05 جنيه مصري فقط (0.25 سنت) بفضل الدعم الحكومي الكبير. تُعتبر مساعدة المحتاجين من أقدم أشكال الإحسان وفعل الخير. وهذا التقليد ما يزال موجوداً إلى اليوم، على شكل كوبونات الطعام في الولايات المتحدة، وبنوك الطعام في المملكة المتحدة، ووجبات المدارس المجانية في اليابان، وبرامج الدعم المباشر على غرار برنامج الدعم المصري، ومراقبة أسعار المنتجات الزراعية في الهند.

وعلاوة على ذلك، هناك الإعفاء من ضرائب المبيعات بالنسبة للمواد الأساسية في العديد من البلدان. وبالنظر إلى أن قرابة 800 مليون شخص كانوا غير قادرين على إطعام أنفسهم بشكل كاف العام الماضي – أي ما يعادل نحو عشر سكان العالم –، فإنك قد تتوقع نمو هذا الشكل من أشكال الخير والإحسان حجماً وأهمية. ولكن واقع الحال أقرب إلى العكس. ذلك أن دعم الطعام عموماً نشاط لا يشمل أفقر سكان العالم الذين يُعدون أكثر عرضة لخطر الجوع، وإنما أغناهم وأكثرهم تغذية. والإنفاق الذي ينفق يذهب في معظمه إلى المزارعين بدلا من الجائعين – ولئن كان جزء كبير من ذلك يساعد على زيادة المعروض من السلع القابلة للأكل، فإن مئات المليارات من الدولارات تفعل عكس ذلك، مما يقلّص كمية الغذاء المتاحة لإطعام العالم.

تقرير حديث لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو» يوضح الأمر. فإذا كان الدعم المباشر للمستهلكين واحداً من أكثر الطرق فعالية لمعالجة مشكلة الجوع – وخاصة إنْ كان موجهاً إلى أكثر الناس احتياجاً – فإنه لا يمثّل سوى جزء صغير من إجمالي الدعم العالمي، وذلك بـ72 مليار دولار فقط من أصل 630 مليار دولار مخصصة للغذاء والقطاع الزراعي على الصعيد العالمي.

والأكثر من ذلك أنه يوجه للأشخاص في البلدان ذات الدخل المرتفع والذين يُعدون أقل عرضة لخطر عدم امتلاك ما يكفي من الطعام. ففي البلدان الغنية، تشمل 4.6% من قيمة الإنتاج الزراعي دعما للمستهلك؛ في حين أن النسبة في البلدان الفقيرة هي 0.6%. ولعل الأهم من ذلك هو ما يُمنح للمزارعين. فنحو 92 مليار دولار تُرصد لدعم الإنتاج مثل البذور والأسمدة، بينما تنفق 152 مليار دولار أخرى على دعم أشمل وأعم وفقا لمساحة المزارع، أو مستويات الإنتاج العامة أو العوامل البيئية.

ومرة أخرى، يذهب الجزء الأكبر من هذا المال عموما إلى البلدان الغنية، التي تمنح المنتجين تحفيزات تعادل 24% من الإنتاج، تنخفض إلى 16% في البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى مثل الصين والبرازيل. أما في البلدان الأقل غنى، فإن حظر الصادرات، والرسوم الجمركية، وغيرها من التدخلات التي تطال السوق بهدف تقليص الكلفة بالنسبة للمستهلكين المحليين، كثيراً ما يكون لها تأثير عكسي، إذ تكون بمثابة ضريبة على الإنتاج وتثني المزارعين عن زراعة ما يكفي من المنتجات الزراعية. ثم إن هذه التدابير تزيد كلفة الإنتاج بـ4% في البلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى مثل الهند، وترتفع إلى 9% في البلدان ذات الدخل المنخفض مثل تلك الواقعة في أفريقيا جنوب الصحراء.

حل هذه الفوضى سيشكّل تحدياً حقيقياً. فكما يعرف أي شخص شاهد الاعتراك السياسي لمشاريع قوانين الزراعة الأميركية والسياسة الزراعية المشتركة لدول الاتحاد الأوروبي، فإنه حينما يتم إقرار دعم للزراعة، يصبح إلغاؤه صعباً. ثم إنه من غير الواضح، في كثير من البلدان النامية، ما إن كان الطعام الرخيص هو الهدف الرئيس دائماً. ذلك أنه حينما يكون أفقر الناس في بلدك عمالاً زراعيين، فإن أي جهد لتقليص كلفة الغذاء يمكن أن ينطوي على خطر خفض الأجور في أدنى السلم. بل إن المخاطر السياسية لإيذاء الطبقة المتوسطة الأدنى في الأرياف تكون أكبر وأعظم، بالنظر إلى ميلها إلى التحرك السياسي.

وعلى سبيل المثال، فإن محاولة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلغاء نظام «الماندي« (السوق الزراعي) في بلده – النظام الذي تشتري بموجبه الحكومة المنتجات الزراعية بأسعار ثابتة عبر ساحاتها التسويقية – أدت إلى أكثر من عام من الاحتجاجات قبل أن يتم التخلي عنها. ذلك أن المزارعين كانوا يخشون أن تؤول فوائد ومزايا سوق حرة للطعام في الغالب إلى التجار، ففضلوا الإبقاء على الوضع الراهن. إن العالم يواجه تحديات عديدة في إطعام نفسه في وقت يواصل فيه عدد السكان النمو نحو 11.2 مليار نسمة في عام 2100، وتغير المناخ الاستفحال وتقليص المساحات المتاحة للزراعة.

وإلى جانب عبء الجوع المتزايد، هناك موجة من السمنة تطارد البلدان الفقيرة تعزى جزئياً إلى حقيقة أن السعرات الحرارية المستمدة من الدهون والسكريات أرخص من تلك المستخرجة من الحبوب أو الخضراوات الصحية، وهو وضع يرتبط أصلاً بتفضيل دعم الغذاء لبعض المحاصيل على أخرى. وعليه، فإن شيئاً ما يجب أن يتغير. وإذا كانت الحكومات التي تواجه ضغطاً مالياً جراء تداعيات وباء كوفيد- 19 تريد فعل شيء ما بخصوص أزمة الغذاء التي أعقبته، فإنها تستطيع أن تفعل ما هو أسوأ من النظر إلى الطريقة التي يعمل بها إنفاقها على مفاقمة المشكلة.

*كاتب متخصص في شؤون الطاقة والسلع.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»