«عندما يفوز «الجمهوريون»، سيكون نصراً لهم، إلا أن ترجمة ذلك، هي أن كلفة كل طاولة المطبخ (ما يدخل من مكونات في وجبة الطعام) سوف ترتفع، وليس الطعام فقط، بل إن كل ما تحقق من مكاسب وأولها خفض قيمة البنزين إلى $1.60 سوف ينتهي، وذلك بسبب ما أقدم عليه الروس والسعوديون».. تلك هي رواية الرئيس بايدن The WH Narrative للشعب الأميركي في ما يخص قرار «أوبك» الأخير خفض الإنتاج اليومي بمعدل مليوني برميل ابتداءً من مطلع نوفمبر المقبل.

ما غَفل الرئيس بايدن عن ذكره في مؤتمره الصحفي ولخصه وزير الطاقة السعودي، سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان خلال المؤتمر الصحفي بعد اجتماع وزراء الطاقة لمجموعة «أوبك»، وهو كذلك ما أكده وزير الاقتصاد الألماني «روبرت هابك» في تصريح لصحيفة noz بتاريخ 5 من أكتوبر الجاري، هو أن «بعض الدول الصديقة المنتجة والمصدرة للغاز تطالب بأسعار فلكية، أين التضامن بين الحلفاء بدل التنفع من الحرب الأوكرانية».

ولاحقاً، صدر عن الرئيس الفرنسي تصريح مماثل اتهم فيه الولايات المتحدة والنرويج بنفس التنفع من الحرب، ووعد أن يدرج ذلك على جدول أعمال قمة G7 المقبلة. الأرقام لا تكذب، وذلك ما اتكأ عليه وزير الطاقة السعودي، في حين تبنى الرئيس بايدن سردية لا تتصل بالواقع، واتهم السعودية بالتواطؤ مع روسيا بخفض الإنتاج اليومي، وأن ذلك سوف ينسف كل ما تحقق من أهداف نتيجة سياساته المالية في الحد من تسارع التضخم الذي تعاني منه الولايات المتحدة.

وبمراجعة الجدول الذي استعرضه وزير الطاقة السعودي، يتضح بمقارنة الأسعار (يناير إلى سبتمبر 2022) للنفط الخام/ الغاز الأميركي والأوروبي/ الغاز المسال/ الفحم الأميركي والأوروبي، يتضح التالي: نفط القياس برنت + 6%/ مؤشر WTI ارتفع بنسبة 1% والغاز الأميركي +84%/ الفحم الأميركي +125%، ونكتفي بذلك للمقارنة.

بغض النظر عما يدور في أوروبا من صراع بات علنياً بين الدول الأعضاء في الاستحواذ وتأمين مصادر غاز مستدامة (غاز عبر الأنابيب/ غاز مسال)، فإن دوافعه سياسية، لأن الفشل في ذلك سوف يخرج هذه الأحزاب الحاكمة من المعادلة السياسية في الانتخابات المقبلة، خصوصاً وأن جميع الحكومات الأوروبية لجأت لإجراءات احترازية كان لها وقع سلبي في عموم أوروبا، و«الشتاء قادم» في محاكاة للدراما الأسطورية (لعبة العروش Game Of Thrones). إلا أن المركز الأوروبي للرصد المناخي متوسط المدى The European Center For Medium-Range Weather Forecasts قد بشر بأن الشتاء الأوروبي القادم سيكون معتدلاً وليس قاتلاً.

السيكولوجية الأميركية «سياسياً»، تمر بمرحلة تماثل مراهقة منتصف العمر، فهي في حاجة دائمة ليعبر الجميع عن الامتنان لسياساتها 24/7، والامتثال لرغباتها حتى وإن تعارض ذلك والمصالح الوطنية لحلفائها.

وفي كل مرة يجب أن يعذر العالم ما يصدر من واشنطن من ادعاءات وافتراءات مضللة وكاذبة في أغلب الأحيان، فقط لأنها جزء من العملية الانتخابية. والاستدلال على واقع «حالة الإنكار State Of Denial» التي تعاني منها المؤسسة السياسية الأميركية هو بما يتصل بواقع أزمة أسعار الوقود لدى المستهلك الأميركي. وللاستدلال، كل ما علينا هو قراءة التحقيق الذي نشره موقع بوليتيكو POLITICO تحت عنوان «خيارات بايدن المستحيلة في معاقبة أوبك Biden Unthinkable Options For Punishing OPEC»، واقتطف منه نصيحة مجموعة الاقتصاديين الأميركيين للساسة رداً على فرضية تفعيل قانون NOPEC، حيث جاءت النصيحة كما يلي «أفضل ما يمكن أن يقدمه المشرعون في هذا التوقيت هو إبقاء أفواههم مغلقة».

شماعة البدوي الجشع، هي الصورة النمطية التي يشتهيها العقل الباطن الأميركي والقابلة للتوظيف السياسي، إلا أن سبب الأزمة الحقيقية، هو أن أدوات عملية التشريع الأميركي المُرتهنة من قبل مراكز الضغط السياسي وأموالها، هي ما تستوجب المراجعة.

* كاتب بحريني