على وقع زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إلى روسيا، واجتماعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وطرح ومناقشة الوساطة الإماراتية لتهدئة الأزمة، تجددت الآمال لدى الأوروبيين، مرة أخرى، لإمكانية الجلوس على طاولة الحوار مع روسيا، والأمل في رؤية نهاية لهذا النفق الطويل المظلم، الذي رأى البعض، وما زالوا يرون، أنه سيستمر خمس سنوات، على أقل تقدير.
هنغاريا كانت أول من ألقى بالعصي في دواليب الاتحاد الأوروبي والناتو المتسارعة تجاه تصعيد حدة الخلاف مع روسيا، فرفضت تقديم مساعدات عسكرية لكييف وحافظت على علاقات جيدة مع الكرملين لاستمرار تدفق الغاز والنفط الروسي، وقامت بتوجيه انتقادات لاذعة للاتحاد الأوروبي، على لسان رئيس وزراء هنغاريا، فيكتور أوربان، الذي قال: يجب ألا نقلق بسبب من يستهدفون هنغاريا، مختبئين في الظل في مكان ما في أبراج المراقبة في بروكسل، سيلقى هؤلاء مصير أسلافهم«، بل واتهم «أوربان» الاتحاد الأوروبي بأنه يعمل على اضعاف المجر«هنغاريا» عبر سلسلة عقوباته على روسيا، ولا شك أنه سيكون لهنغاريا دور كبير في تقريب المسافات لاحقاً، ووضع حد لمأساة الشعوب الأوروبية نتيجة الحرب في أوكرانيا.
فرنسا أيضاً، والتي تحتفظ بعلاقات متينة ومميزة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وسبق لصاحب السمو رئيس الدولة، رعاه الله، زيارتها قبل زيارته لروسيا مباشرة، بدأت تعلن في الأروقة الدولية أنها ضد إغلاق كافة قنوات التواصل مع روسيا، بل وقامت باقناع الولايات المتحدة بأهمية وضرورة إبقاء خطوط الاتصال مع روسيا مفتوحة، وقد جاء ذلك على لسان وزيرة الخارجية الفرنسية «كاترين كولونا»، يوم الجمعة الماضي، التي أكدت على خطورة تعزيز عزلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحذرت منها، وهي بذلك، ودعماً وتشجيعاً لكافة أطراف الأزمة، قد فتحت الباب على مصراعيه، للدعوة إلى الحوار وتداول سبل الخروج من الأزمة، بأقل الخسائر الممكنة.
بالنسبة للولايات المتحدة، ومع أن وزير وزير الدفاع الأميركي «لويد أوستن» وخلال مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي «سيرغي شويغو» نهاية الأسبوع الماضي، شدد على أهمية إبقاء قنوات التواصل مفتوحة بين الجانبين، إلا أن المعارك السياسية والاقتصادية ما زالت محتدمة في واشنطن بين المؤيدين لزيادة واستمرار الدعم العسكري الأميركي لكييف والسحب من مخزون النفط الأميركي وبيع الغاز لأوروبا، وبين الذي يؤيدون ضرورة ايجاد السبل لوقف الحرب وإنشاء أرضية روسية أميركية مشتركة لمحادثات سلام بين «الناتو» وروسيا، ولذلك ما زالت الولايات المتحدة تتأرجح نحو استمرار الحرب، رغم كافة المؤشرات التي تؤكد أن الولايات المتحدة قادرة على انهائها بـ«جرة قلم» من الرئيس الأميركي.
العقلاء في أوروبا، ومع أن أزمة الطاقة والأزمة المالية والتباطؤ الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي وهبوط اليورو مقابل الدولار والخوف غير المحدود من اندلاع حرب نووية أو استخدام روسيا لأسلحة بيولوجية أو تكتيكية، هي التي تحركهم وتدفعهم لفتح الأبواب وقنوات الاتصال مع الجانب الروسي، إلا أن المؤشرات المستقبلية، التي بدأت بالظهور، بتنامي تعاون يضم الصين وإيران وعدد من الدول مع روسيا لتكوين قطب وجبهة عالمية مستقلة قد يتسبب لاحقاً بتغييرات جذرية في العالم أجمع، من نواحي سياسية واقتصادية، يجعل هؤلاء العقلاء، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، يفكرون بضرورة الحوار الاستراتيجي مع روسيا، بصورة أو بأخرى، وأهمية أن يتم ذلك في القريب العاجل.
دولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادة سيدي صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، وضمن رؤيتها وخططها الراسخة لتقريب وجهات النظر والمساعدة في فتح قنوات الاتصال وتكريس الجهود الإماراتية الدبلوماسية النوعية المتفردة لزرع بذور الأمل من جديد، بين أطراف الأزمة وكذلك لدى جميع المتأثرين فيها، قد أصبحت عنواناً رئيسياً يؤكد  دورها  الرائد والحيوي المتقدم بين دول وأمم العالم، لتحقيق السلام العادل والشامل، الذي يجب أن تنعم به الأجيال القادمة.

* لواء ركن طيار متقاعد